تحديات معقدة تحاصر مؤتمر "بيليم" للمناخ في البرازيل!

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقترب موعد مؤتمر الأطراف الثلاثين الذي يقام في بيليم البرازيلية في الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر المقبل. وربما يتساءل البعض لماذا البرازيل، ولماذا بيليم تحديدًا، ولماذا رفضت البرازيل الاستجابة لطلب الوفود بتغيير مكان انعقاد المؤتمر؟ جاء إصرار البرازيل على مدينة بيليم المطيرة على دلتا نهر الأمازون والقريبة من غابات الأمازون رغم الصعوبات التنظيمية واللوجستية بسبب رغبتها في تسليط الضوء على قضية الغابات المهددة، ووضع قضايا الجنوب العالمي في قلب النقاشات المناخية. 

بيليم عاصمة ولاية بارا ثاني أكبر مدن شمال البرازيل بعد ماناوس يقطنها مليون نسمة، وبعيدة عن العاصمة الاقتصادية ساوباولو حوالي 1800 كيلومتر، ومثلها تقريبًا عن العاصمة السياسية والدبلوماسية برازيليا. وتواجه تحديات بيئية خطيرة وتم اختيارها كمقر للمؤتمر لتساهم بشكل حقيقي في إبراز التحديات المناخية، وكسر نمطية عقد المؤتمرات في مناطق مُرفهة، وإظهار إمكانية تحسين مدينة نامية تمتلك موارد وإمكانات كبيرة من خلال نتائج النقاشات داخل مؤتمر عالمي بهذا الحجم. كما لا ننسى أن تسليط الضوء على غابات الأمازون بصفتها "رئة للعالم" قد يمنحها قبلة الحياة ويساهم في إنقاذها وحمايتها من التدهور بسبب التغير المناخي. وسيكون المؤتمر فرصة للبرازيل ودول الجنوب وناشطي المناخ لمواجهة عدم المساواة العالمية وتقديم حلول قريبة من المجتمعات المهددة والتي تتأثر بشدة بتغير المناخ. 

رهان البرازيل على مكافحة المناخ

وتراهن البرازيل على جعل المؤتمر منعطفًا بيئيًا ومناخيًا تاريخيًا من حيث النتائج التي يخرج بها لصالح الدول النامية، وهي بذلك ترمي أيضًا لاستعادة دورها كقائدة في جهود مكافحة المناخ وتعزيز التعاون في هذا المجال. وقد شاهدنا خلال المؤتمرات السابقة الدور الذي لعبته الدبلوماسية البرازيلية في كواليس المفاوضات الصعبة وقد تعاونت بشكل متناغم مع الدبلوماسية المصرية وتكوين "لوبي" عنيد للخروج بأفضل النتائج. وبقدر الترحيب من مجموعة الدول الجزرية لاختيار هذا الموقع الرمزي لمؤتمر المناخ بقدر القلق من طرف عديد الوفود المشاركة والصحفيين الذي يعرفون جيدًا الآن ما ينتظرهم من تحديات في مؤتمر بيليم من حيث صعوبة الوصول إلى هذه المدينة وتوقعات بأن تكون التجربة أقرب إلى المخيمات الكشفية في مرحلة الشباب المبكرة. ولعل ذلك قد أثر بالفعل على المشاركة والتمثيل حيث أعلنت بعض الدول والمنظمات عن تقليص وفودها بسبب ارتفاع تكلفة الرحلات الجوية وأسعار الإقامة والتحديات اللوجستية والأمنية.

وستكون قضية تمويل المناخ في صدارة القضايا خلال مؤتمر هذا العام أيضًا، كما كان الحال منذ مؤتمر شرم الشيخ (كوب 27)، خاصة للتعجيل بتنفيذ ما اتفق حوله -وبصعوبة بالغة- في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو، وهو زيادة تمويل المناخ للدول النامية إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول 2035. وستكون هناك اجتماعات وحوارات متعددة الأطراف من أجل تجديد الزخم والدعم السياسي لضمان بلوغ هذا الهدف. لكن بالرغم من اقتراب موعد المؤتمر، لم تقدم سوى 10% من الدول التزاماتها المحددة وطنيًا، بعد أن تخطت الموعد الذي كان مقررًا له في فبراير الماضي، ما يعكس ضعف الاهتمام بقضية تغير المناخ كأولوية وجودية على باقي القضايا العالمية الخطرة. 

وقد أعدت البرازيل خطة "اختراق" لتحقيق إتاحة التمويل للدول النامية من خلال مبادرة "صندوق الغابات الاستوائية إلى الأبد" وهو صندوق تمويلي لمكافأة البلدان الاستوائية من أجل الحفاظ على غاباتها. وهي مبادرة كانت قد اقترحتها البرازيل عام 2023 خلال مؤتمر (كوب 28) فى دولة الإمارات. وتم تفعيله كآلية تمويل عالمية لحماية الغابات الاستوائية بقيمة 250 مليار دولار، وكان الدعم المبدئي البرازيلي المعلن "سخيًا" بقيمة مليار دولار في سبتمبر 2025. وتسعى البرازيل في يبليم إلى إنجاح هذه المبادرة وجذب المزيد من المساهمات لهذا الصندوق. 

معضلة التحديات التمويلية

غير أن الاجتماعات التحضيرية في بون بألمانيا يونيو الماضي أعطت انطباعاً بصعوبة تجاوز كافة التحديات التمويلية التي تواجه مؤتمر بيليم المقبل؛ في مقدمة هذه التحديات انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس المناخية وغيابها عن مؤتمر بون، وغيابها المتوقع أيضاً عن البرازيل، وتطورات الحرب في أوكرانيا ومآسيها وحجم الإنفاق عليها الذي ينعكس سلبًا على التمويل المطلوب مناخيًا، وانعكاساتها الاقتصادية السلبية. 

كانت الخلافات قد تكررت بين الأطراف في بون -كما كان الحال في أذربيجان العام الماضي-حول توفير وسائل تنفيذ التزامات الدول المتقدمة بتمويل المناخ، ويشمل إلى جانب التمويل النقدي نقل التكنولوجيا وبناء القدرات للعمل المناخي. لم ينجح مؤتمر بون كالعادة في حشد التمويل من أجل التكيف كمطلب رئيسي للدول النامية من الدول المتقدمة. لم يتم الاتفاق على الخطوط العريضة ولا على خطة عمل توضح كيفية توزيع الأموال التي أقرها مؤتمر الأطراف الـ 29 السابق في باكو (300 مليار سنويا بحلول العام 2035)، بالرغم من مطالبة البلدان النامية بوضع جدول زمني وإجراءات ملموسة، بدل الوعود الغامضة. وكان الأمل معقودا على "تعزيز الصياغة" المتعلقة بكيفية الانتقال على الأقل، من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، وانتهى اجتماع بون من دون التوصل الى مسار واضح في هذه القضية التي تعتبر جوهرية لخفض الانبعاثات العالمية. وهو ما يلقي بظلاله على مؤتمر بيليم ويرجح التوقعات بصعوبة التقدم في اتجاه الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري، بسبب موقف لوبي الدول النفطية.

مفارقة تشغل نشطاء البيئة

أما المفارقة التي يتحدث عنها ناشطو البيئة فتتمثل في كون الدولة المضيفة فتحت مزادًا لتنظيم قطاع النفط والتنقيب في 172 منطقة نفط وغاز تمتد على مساحة 146 ألف كيلومتر مربع، معظمها في عرض البحر، بالإضافة إلى 47 منطقة في حوض الأمازون قرب مصب النهر.

والسؤال المطروح الآن: كيف ستنجح البرازيل في التوفيق بين المطالبين بالذهاب بعيدًا عن الوقود الأحفوري وهي تطالب بحق البلدان النامية في استغلال احتياطاتها من الوقود الأحفوري أسوة بما فعلته البلدان المتقدمة، وهل تستخدمه كورقة ضغط محتملة لدفع الدول النفطية على التعجيل بضخ تمويلات سخية في الصندوق الأخضر للمناخ وبقية صناديق تمويل التكيف المناخي؟.

*كاتبة متخصصة فى الشأن الدولى

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق