إنهاء حالة الانقسام ضرورة لضمان مستقبل فلسطيني قائم على السيادة والاستقلال الوطني

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شهدت القضية الفلسطينية في 2007 أحد أخطر الانقسامات السياسية في تاريخها الحديث، بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، الأمر الذي أدى إلى تفكك السلطة الفلسطينية إلى سلطتين متنافستين: الأولى في الضفة الغربية تحت سيطرة حركة فتح، والثانية في قطاع غزة تحت سيطرة حماس.

هذا الانقسام لم يكن مجرد خلاف سياسي عابر، بل شكل نقطة ضعف إستراتيجية أضرت بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر، حيث أصبح من الصعب على أي جهة فلسطينية تقديم رؤية موحدة أمام الاحتلال الإسرائيلي أو المجتمع الدولي.. لقد استغل الاحتلال الإسرائيلي هذا الانقسام بشكل ممنهج، مما أدى إلى التمادي في الاستيطان، وفرض السيطرة العسكرية والإدارية على الأراضي الفلسطينية، وتقييد أي قدرة للفلسطينيين على ممارسة حقوقهم الوطنية، وقد أظهرت التقارير الدولية، بما فيها تقارير صادرة عام 2015، أن حالة الانقسام أعادت القضية الفلسطينية عقودًا إلى الوراء، وجعلت المجتمع الدولي يتعامل مع الفلسطينيين كأطراف متنازعة لا كأمة موحدة تسعى لتحرير أرضها وإقامة دولتها المستقلة.

عملية حماس والرد الإسرائيلى

مع اندلاع العملية التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر 2023، برزت محطات حاسمة في المواجهة مع الاحتلال، لكن الحرب الشاملة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة، واستهدفت خلالها تدمير البنية التحتية وممارسة ضغوط غير مسبوقة على قطاع غزة، أظهرت هشاشة الموقف الفلسطيني عندما يظل ممزقاً، وبينت أن أي مقاومة دون وحدة وطنية متماسكة ستبقى معرضة للتجزئة والانكسار.

ورغم كل التحديات، تبقى المقاومة الفلسطينية بكل تنوعاتها حقاً شعبيًا أصيلاً لا يمكن إنكاره، مع ضرورة أن تتحرك الفصائل نحو توحيد الصفوف وتنسيق العمل، لأن الاستمرار في الانقسام يعني الانزلاق التدريجي نحو تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها الوطني والسيادي.

لقد شهدت القضية الفلسطينية خلال العقدين الماضيين عدة محاولات لإتمام المصالحة بين الفصائل، بدءًا باتفاق مكة في فبراير 2007 بين فتح وحماس، والذي لم يطبق فعلياً، مرورًا باتفاق القاهرة في 2011 الذي تضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية ولكن الانقسامات استمرت، ثم اتفاقات 2014 في القاهرة لتعزيز التعاون بين الضفة وغزة، ووصلت الجهود إلى اتفاق الجزائر في أبريل 2024 الذي حاول توحيد الصف الفلسطيني قبل إعلان بكين في يوليو 2024.. كل هذه المحطات أظهرت صعوبة ترجمة التوافق السياسي إلى واقع عملي بسبب الخلافات الداخلية والضغوط الإقليمية والدولية، مما جعل الانقسام مستمرًا رغم التوقيع على عشرات الوثائق والبيانات الرسمية.

محاولة كسر حلقة الانقسام

ولقد جاءت خطوة المصالحة الفلسطينية في بكين عام 2024 لتكون محاولة جدية لكسر حلقة الانقسام الممتدة منذ 17 عامًا. في 23 يوليو 2024، اجتمع 14 فصيلاً فلسطينياً، بما في ذلك حركتا فتح وحماس، ووقعت تلك الفصائل على "إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية"، تضمن الإعلان تشكيل "حكومة وفاق وطني مؤقتة" لإدارة غزة بعد الحرب، والالتزام بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، مع تأكيد حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بما يتوافق مع القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ورفض أي وصاية على القرار الفلسطيني أو محاولات مصادرة تمثيله الشرعي، وشكل هذا الإعلان، من الناحية الرمزية والسياسية، رسالة واضحة لكل الأطراف الإقليمية والدولية أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأن يتم تفريغ حقوقه الوطنية تحت أي عنوان أو ذريعة.

غير أن الإعلان، رغم أهميته، واجه تحديات جسيمة، أبرزها غياب آليات تنفيذ محددة أو جدول زمني واضح، وهو ما ترك باب التأجيل والتلكؤ مفتوحًا أمام أي فصيل فلسطيني أو ضغوط خارجية تحاول التأثير على نتائج المصالحة، كما أن الانقسام الجغرافي والسياسي المستمر بين الضفة وغزة، إلى جانب الضغوط الإقليمية والدولية، يهدد بعرقلة أي خطوات عملية نحو الوحدة.

المرحلة القادمة هي الأخطر منذ عقود، لأن استمرار الانقسامات الداخلية والتأجيل في تنفيذ المصالحة لن يؤدي إلا إلى تعزيز موقع الاحتلال وتمكينه من فرض وقائع جديدة على الأرض، فيما تتعرض الحقوق الفلسطينية لضغوط متزايدة.. لذلك، يجب أن تتحرك حماس بسرعة وحسم، وأن تنضم فورًا تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح جزءًا من إطار وطني جامع يحمي مصالح الشعب الفلسطيني ويعيد له وحدته الوطنية، بعيدًا عن أي تفريغ سياسي أو إرادات خارجية.

الوحدة الوطنية ضمانة ضرورية

إن الوحدة الوطنية، إلى جانب الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، هي السبيل الوحيد لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، ولضمان مستقبل فلسطيني قائم على السيادة والاستقلال الوطني، دون أن تفرغ من محتواه أو تحول إلى ملف سياسي يدار وفق أجندات خارجية تهدف إلى تصفية القضية، المرحلة تتطلب لغة سياسية حادة، قرارات تنفيذية عاجلة، وإرادة وطنية قوية تحمي الحق الفلسطيني من أي تراجع أو تفريط، فالوحدة ليست خيارا بل شرط بقاء للشعب الفلسطيني وقضيته المركزية.

لذلك، فإن الطريق أمام تنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام يتطلب إرادة سياسية فلسطينية قوية من جميع الأطراف المعنية، وضمانات دولية فعالة، وآليات متابعة صارمة لضمان تحقيق السلام الدائم في قطاع غزة.

*كاتب صحفى

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق