الحب في العربية هو أحد ركائز وأعمدة اللغة التي بني عليها ديوان الشعر العربي، وظل أحد الركائز التي تتفجر منها طاقة الشعر حتى لحظتنا الراهنة بدءًا من مجنون ليلى وصولا الى عاشق بلقيس، هؤلاء الشعراء جعلوا من الحب رسالة ومصيرا، ومن القصيدة معبرا نحو الخلود. في التقرير التالي تعرف على ابرز شعراء الحب في تاريخ العربية:
قيس بن الملوح.. مجنون ليلى وحكاية الحب الأبدي
يعد قيس بن الملوح (المعروف بمجنون ليلى) النموذج الأقدم والأشهر لعاشق عربي خلد العشق في الشعر والذاكرة لم يكن مجنونًا، وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية، التي نشأ معها، وعشقها، فرفض أهلها أن يزوجوها إيَّاه، فهام على وجهه ينشد الأشعار، ويأنس بالوحوش، ويتغنى بحبه العُذْري.
عاش في القرن الأول الهجري، واشتعل قلبه بحب ابنة عمه ليلى العامرية حتى الجنون. كان حبه محرما اجتماعيا، فلم يجتمع بها، لكنه كتب قصائد خالدة تعتبر من أنقى ما عرفه التراث العربي من الغزل العفيف.
يقول في واحدة من أصدق اعترافاته:
"تذكرت ليلى والسنين الخواليا
وأيام لا نخشى على اللهو ناهيا
ويوم كظل الرمح قصرت ظله
بليلى فلهاني وما كنت ناسيا"
وفي موضع آخر يصور مدى شغفه حتى بالتراب الذي مشت عليه:
"أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا"
ولشدة وجده وحرمانه، صار يتحدث إلى الطيف والسراب، كأنه يحيا على صدى الاسم:
"وإني لأهوى النوم في غير حينه
لعل لقاء في المنام يكون
فتهدأ نفسي باللقاء وإنما
أرى طيف ليلى ثم أستيقظ الحين"
وفي موضع اخر قال:
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها
وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
لقد تحول قيس إلى رمز للوفاء، وصورة للحب الذي يتجاوز الجسد إلى الماوراء وظل شعره مرجعا للحب النقي الذي لا تشوبه المصلحة ولا الرغبة، فكانت قصته بداية الأسطورة العربية الكبرى للحب.
جميل بثينة.. شاعر الوفاء والانتظار
في القرن الأول الهجري أيضا، كان جميل بن معمر، شاعر بني عذرة جميل بن عبد الله بن معمر العُذري القُضاعي، المعروف بجميل بثينة وكنيته أبو عمرو، يُعد من أبرز شعراء الغزل العذري في العصر الأموي، ومن أشهر عشاق العرب الذين خلدهم الأدب العرب.
وهو أحد العشاق الكبار ترك بصمته في تاريخ العشق العربي بحبه لـ"بثينة" رفضت قبيلتها زواجه منها، فظل وفيا لها حتى الموت، يذكرها في كل بيت ويحيي اسمها في كل قصيدة. قال فيها:
شَهِدتُ بِأَنّي لَم تَغَيَّر مَوَدَّتي
وَإِنّي بِكُم حَتّى المَماتِ ضَنينُ
وَأَنَّ فُؤادي لا يَلينُ إِلى هَوى
سِواكِ وَإِن قالوا بَلى سَيَلينُ
وفي موضع أخر قال:
أَلا هَل لعَهدٍ مِن بُثَينَة قَد خَلا
وَأورثَ شَجوًا لا يُريمُك مِن رَدِّ
وَهل أَنا مَعذورٌ فأَبكي مِن التِي
أَراها عَلَى الهِجرانِ يَنمِي لَها وُدّي
وَلَو حاوَلت هجرانَها النفسُ لَم يَعُد
إِلَى سلوَةٍ بَل زادَ وَجدًا عَلى وَجدِ
جميل بثينة هو تجسيد للحب الصامت، النقي، المتسامح وهو أحد رموز ما عرف بـ"الحب العذري"، الذي تميز به شعراء البادية، حيث تتطهر العاطفة من الجسد، ويصير الحبيب معبودا روحيا.
عمر بن أبي ربيعة.. شاعر الغزل المترف
إذا كان شعراء البادية كتبوا عن الحب الروحي، فإن عمر بن أبي ربيعة، شاعر قريش في العصر الأموي، نقل الحب من الصحراء إلى المدينة ومن البساطة إلى الترف كان جميلا، ثريا، يتغزل بالنساء في موسم الحج دون خوف أو تكلّف، وكتب غزلا حضريا يعتمد على الحوار والموقف:
سَلامٌ عَلَيها ما أَحَبَّت سَلامَنا
فَإِن كَرِهَتهُ فَالسَلامُ عَلى أُخرى
مع عمر، دخل الشعر العربي مرحلة جديدة من الجرأة والأنوثة والاعتراف بالجسد كجزء من التجربة العاطفية لم يعد الحب عذابا فقط، بل صار لعبة اجتماعية وثقافة جمالية.
ابن زيدون وولادة بنت المستكفي.. حب الأندلس الموشى بالدموع
في قرطبة الأندلسية، ولد أحد أجمل فصول الحب الشعري، بين الوزير الشاعر ابن زيدون والأميرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي جمع بينهما الذكاء والجمال والشعر والسياسة، ثم فرق بينهما الدهر والمؤامرات. كتب ابن زيدون أعذب رسائل العشق في التاريخ العربي:
أضحى التنائي بديلًا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تآسينا
حالت لبينكم أيامنا فغدت سودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا ومورد اللهو صافٍ من تصافينا
وإذ هصرنا غصون الأنس دانية قطوفًا فجنينا منه ما شينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
نزار قباني.. عاشق بلقيس وصوت المرأة العربية
مع القرن العشرين، ظهر نزار قباني ليعيد تعريف الحب في الشعر العربي الحديث بدأ شاعر المرأة وانتهى شاعر الحرية والعاطفة الكونية. كتب الحب في كل أشكاله: العاطفي، الحسي، الوطني، الإنساني. كان يرفض أن يكون الحب خجولا أو محظورا ومن بين قصائده الخالدة:
"أحبك جدا
وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويل
وأعرف أنك ست النساء
وليس لدي بديل"
لكن مأساة حياته جاءت مع رحيل زوجته بلقيس الراوي في تفجير بيروت عام 1981، فكتب فيها واحدة من أصدق مراثي الحب في التاريخ العربي:
"شكرا لكم، شكرا لكم
فحبيبتي قتلت، وصار بوسعكم
أن تشربوا كأسا على قبر الشهيدة"
تحول نزار من شاعر العشق إلى عاشق مكلوم، ومن حارس الجمال إلى شاهد على خراب العالم، وظل حتى وفاته رمزا للشاعر الذي جمع بين الحب والثورة، والأنوثة والحرية.
















0 تعليق