من مجزرة عين الحلوة إلى إشعارات الإخلاء.. مرحلة جديدة أم جولة ضغط محسوبة؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
"نقطة تحوّل". هكذا وصف كثيرون الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مخيم عين الحلوة مساء الثلاثاء، وقد جاءت صادمة في الشكل والمضمون، إذ وُصِفت بأنّها الخرق الأعنف على الإطلاق منذ اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، لدرجة عدّها كثيرون إما اغتيالاً "نوعيًا" لأحد قيادات الصف الأول على المستوى الفلسطيني، أو إعلانًا صريحًا بتوسيع المعركة، والانتقال إلى "الحرب الشاملة"، وكلا الاحتمالين يبدو مُستبعَدًا حتى الآن.

Advertisement


 

مع ذلك، تواصلت رسائل "النار" الإسرائيلية خلال الساعات الماضية، إذ لم يمرّ وقت طويل على "صدمة" المجزرة التي ارتكبتها تل أبيب في عين الحلوة، حتى عادت الاستهدافات المتنقّلة للقرى الجنوبية، شمال الليطاني وجنوبه على حدّ سواء، لتقترن مرّة أخرى بإشعارات إخلاء مسبقة، بذريعة أنّها "بنى عسكرية لحزب الله" وفق الادّعاءات الإسرائيلية، وهي إشعارات بات واضحًا أنّ الهدف منها ليس سوى تسجيل النقاط في المعركة "النفسية" الدائرة.

 

وبين مجزرة عين الحلوة التي بدت لكثيرين كأنها لحظة فاصلة في مسار المواجهة المفتوحة منذ أشهر على الجبهة اللبنانية–الإسرائيلية، ولو من طرف واحد، في ظلّ استمرار سياسة "الانكفاء" التي يتّبعها "حزب الله"، والتي لم يخرقها إلا ببيان استنكار، ثمّة علامات استفهام تطرح نفسها، فهل ما جرى مجرّد جولة عنيفة جديدة في إطار قواعد الاشتباك القائمة أصلًا، أم أنّ إسرائيل قرّرت الانتقال إلى مرحلة مختلفة عنوانها الضغط "المنهجي" على المدنيين؟

 

هل فُتِحت "جبهة المدنيين"؟

 

على مدى الأشهر الماضية، واظبت إسرائيل على خرق اتفاق وقف إطلاق النار بصورة شبه يومية، وبوتيرة عاديّة، حتى أضحت الغارات أمرًا مألوفًا لا يُرصَد معه في الكثير من الأحيان أيّ استنكار رسميّ، ولو من باب رفع العتب، وكأنّ تل أبيب نجحت في فرض ما سمّته "حرية الحركة" حتى على اللبنانيين أنفسهم بحكم الأمر الواقع، إلا أنّ الخروقات صبّت بمعظمها في خانة "محاولة تأكيد الوجود"، وبالتالي عدم السماح بالعودة إلى الوراء تحت أيّ ظرف.

 

إلا أنّ الضربة على عين الحلوة بدت مختلفة عن كلّ ما سبقها من خروقات، بدليل الفاتورة البشرية "الثقيلة" التي نتجت عنها، بعدما كانت معظم غارات المرحلة السابقة "مركّزة"، إن صحّ التعبير، فلا يستشهد فيها إلا من يكون مستهدفًا، في حين تحدّثت المعلومات عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى في ضربة عين الحلوة، التي قالت حركة "حماس" إنها استهدفت ملعبًا داخل المخيم، في ساحة مكتظّة بالناس، ما عزّز صورة استهداف المدنيّين بشكل مباشر.

 

وعلى رغم أنّ الغارات على القرى الجنوبية تتكرّر منذ اليوم الأول لاتفاق وقف إطلاق النار، أو لخرق إسرائيل له، إلا أنّ بُعد "استهداف المدنيين" حضر على خطّها هذه المرّة أيضًا، ولو من باب "المعركة النفسية"، فإشعارات الإخلاء، سواء جاءت على لسان أفيخاي أدرعي عبر المنصّات، أو عبر اتصالات "مجهولة" وردت إلى السكان تطلب منهم إخلاء منازلهم خلال مهلة قصيرة، عزّزت بدورها الشعور لدى الأهالي بأنهم باتوا جزءًا من بنك الأهداف المباشرة.

 

تصعيد "مضبوط".. ولكن!

 

بهذا المعنى، ثمّة من يرى أنّ ما جرى في عين الحلوة، وفي قرى الجنوب، ليس عبارة عن "صدفة"، وإنما يعبّر عمليًا عن "نهج جديد" تعتمده إسرائيل في هذه المرحلة على ما يبدو، لا يقوم على "إسقاط" مبدأ "تحييد المدنيين" فحسب، بل على استخدام المدنيّين كورقة ضغط إضافية على لبنان، وعلى "حزب الله" أيضًا عبر اختبار مدى قدرة البيئة الحاضنة على تحمّل ضربات من هذا النوع، وإن ظلّ الخطاب الرسمي الإسرائيلي يزعم استهداف "بنى تحتية عسكرية".

 

مع ذلك، لا تعلن إسرائيل أنها ذاهبة إلى مواجهة واسعة على الجبهة اللبنانية، على الأقلّ في الوقت الراهن، باعتبار أنّ التلويح بعصا هذه المواجهة سيستمرّ حتى اللحظة الأخيرة. وتحاول إسرائيل الإيحاء بأن ما يحصل ليس سوى "ضربات موضعية" هدفها منع "حزب الله" من إعادة بناء قدراته قرب الحدود، والضغط عليه لاحترام القرار 1701، وهو بالمناسبة ما يخشى كثيرون أن يؤسّس عمليًا لبناء الذريعة التي تريدها إسرائيل في حال توسيع الهجوم لاحقًا.

 

في المقابل، يبدو أنّ الحسابات اللبنانية تبقى على جري العادة الأكثر تعقيدًا، ربطًا بالانقسامات الداخلية التي لا تنتهي. ففيما تتعامل قوى لبنانية عديدة مع ما جرى بوصفه اعتداءً مباشرًا على لبنان وسيادته، تفضّل قوى أخرى وضع الكرة في ملعب "حزب الله"، متهمة إياه بأنه من ورّط لبنان في المقام الأول بما سُمّيت "حرب الإسناد"، ويعيد الكرّة اليوم من خلال إصراره على ما يصفونه بـ"تقديس السلاح".

 

أما الحزب الذي أصدر بيانًا أدان فيه مجزرة عين الحلوة، فلا يُعتقَد أنه في وارد فتح أي جبهة حاليًا من شأنها أن تستنزف قدراته، بل هناك من لا يزال يسأل عن طبيعة موقفه في حال فرضت إسرائيل الحرب على لبنان، وهو الذي رمى الكرة في ملعب الدولة اللبنانية منذ اتفاق وقف إطلاق النار، حتى إنّه في بيانه حول المجزرة لم يتوعّد إسرائيل، بل دعا أركان الدولة إلى أن يدركوا أن إظهار أي ليونة أو ضعف أو خضوع لهذا العدو لا يزيده إلا ‏شراسة وتوحشًا وتماديًا.

 

انطلاقًا من كل ما سبق، يمكن القول إن ما بعد عين الحلوة ليس كما قبلها، بمعنى أنّ مرحلة جديدة من "الضغط المحسوب" بدأت إلى حدّ بعيد، مع دخول المخيمات والقرى أكثر فأكثر في معادلة الضغط والردع. لكن في قلب هذه المرحلة، لا تزال عناصر "الضبط" حاضرة لبنانيًا وإسرائيليًا أيضًا، رغم الصخب المفتعَل.

وعليه، فإنّ السؤال المفتوح، والذي سيحدّد شكل الأسابيع المقبلة، هو ما إذا كانت إسرائيل ستنجح في استخدام هذه الورقة لانتزاع أثمان سياسية وأمنية في ملف الجنوب وسلاح "حزب الله"، أم أن تراكم الدم في عين الحلوة والقرى الجنوبية سيُنتج، بالعكس، تشدّدًا أكبر في الموقفَيْن اللبناني والفلسطيني، ويدفع قواعد الاشتباك نحو انفلات يصعب ضبطه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق