عزت النبا يكتب: «عيد ميلاد سعيد».. حين يتحول الفرح إلى مرآة للوجع الإنساني

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقدّم فيلم «عيد ميلاد سعيد» (Happy Birthday) رؤية إنسانية عميقة من خلال عيون طفلة صغيرة تبحث عن لحظة فرح، لكنها تصطدم بواقع لا يعرف سوى التفرقة الطبقية والبرود العاطفي.

الفيلم، الذي أخرجته سارة جوهر في أولى تجاربها الروائية الطويلة، ينجح في تحويل لحظة احتفال إلى مساحة تأمل واسعة في معنى الكرامة، والهوية، والحق في أن يُحتفل بك.

 طفلة ترى العالم من أسفل السلم

تدور الأحداث حول الطفلة تُوحة، خادمة صغيرة تعمل في منزل أسرة ثرية، تساعدهم في تحضير حفل عيد ميلاد ابنتهم.

لكن بينما تستعد العائلة للاحتفال، تُخفي تُوحة رغبة دفينة في أن يكون لها هي أيضًا يوم يحتفل به أحد.

تعيش الطفلة بين عالمين متناقضين: عالم الأوامر والمهام من جهة، وعالم الحلم البسيط بالبهجة من جهة أخرى.

تلك المفارقة تصنع توترًا دراميًا رقيقًا لكنه مؤلم، يُحرك مشاعر المشاهد دون مبالغة أو خطابية.

 الفلسفة خلف البهجة

الفيلم يتجاوز كونه دراما اجتماعية ليطرح سؤالًا فلسفيًا عميقًا: هل الفرح حق إنساني أم امتياز طبقي؟

من خلال تفاصيل بسيطة — بالونات، كعكة، وموسيقى عيد ميلاد — يعرّي الفيلم الفوارق القاسية بين من يعيش الاحتفال ومن يخدمه.

تُوحة لا تريد ترفًا، بل اعترافًا بوجودها.

وهنا تكمن قوة الفيلم: في تحويل الحلم الصغير إلى صرخة داخلية عن معنى الكرامة الإنسانية.

الاحتفال في الفيلم يتحول إلى رمز للعدالة الغائبة، وللفرح الذي لا يتحقق إلا بالاعتراف بالآخر.

إنها فلسفة السينما البسيطة التي لا تحتاج خطبًا أو شعارات، بل مشهدًا لطفلة تنظر إلى شمعة مضيئة وهي تعلم أنها ليست لها.

 بين الحلم والواقع

اختارت المخرجة أن تُبقي الأحداث في فضاء مكاني مغلق تقريبًا — المنزل — لتجعل منه انعكاسًا للعالم كله.

المنزل هنا ليس بيتًا للدفء، بل قفصًا من الفوارق الاجتماعية.

وتصبح الطفلة مرآة لهذا العالم الكبير في صورة صغيرة.

الموسيقى الهادئة والإضاءة الدافئة تُخفي خلفها برودة إنسانية، لتجعل من التناقض لغة بصرية كاملة.

 فريق العمل والأداء

نجحت المخرجة سارة جوهر في أول تجاربها الروائية في تقديم عمل ناضج بصريًا وإنسانيًا، استحق عرضه في مهرجان الجونة السينمائي وفوزه بجوائز دولية في مهرجان تريبيكا.

السيناريو الذي كتبته بالاشتراك مع محمد دياب مزج الواقعية الاجتماعية بالرمزية الهادئة دون أن يفقد صدقه أو بساطته.

قدّمت نيللي كريم أداءً مفعمًا بالتوتر والدهشة لشخصية من طبقة مرفهة تكتشف هشاشة عالمها، بينما أبدعت حنان مطاوع في تقديم الحسّ الأمومي والبعد النفسي العميق للشخصيات.

أما الطفلة ضحى رمضان فقدّمت أداءً آسرًا في تلقائيته، جعلها القلب النابض للفيلم.

وأضفى التصوير والموسيقى لمسة شاعرية جعلت من «عيد ميلاد سعيد» تجربة فنية نادرة تُذكّر بأن السينما قادرة على أن تُنير القلوب لا بالكهرباء، بل بالمشاعر.

«الاحتفال ليس في عدد الشموع، بل في أن يكون لك من يضيئها لأجلك».

432.webp
مشهد من الفيلم
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق