Advertisement
هذا الموقف لم يمرّ عابرًا. فللمرة الأولى منذ فترة طويلة يسمع أبناء الجنوب موقفًا رئاسيًا بهذا الوضوح والحزم، بعد سنوات من شعور عام بأنّ الدولة تكتفي بالإدانة من دون الانتقال إلى مستوى الفعل الدفاعي. وعليه، استعاد كثيرون في القرى الحدودية، حسب تعبيرهم، خطاب الدولة الشريكة في المواجهة، لا الدولة الغائبة عن خطوط النار.
مصادر عسكرية كشفت لـ"لبنان24" أنّ موقف رئيس الجمهورية "يُعدّ خطوة شجاعة"، خصوصًا بعد انتقادات متصاعدة من بيئة "المقاومة"، وخصوصًا الطائفة الشيعية، التي اتهمت الدولة سابقًا بتجاهل مسلسل الاغتيالات والاستهدافات الإسرائيلية في الجنوب.
وأضافت المصادر أنّ هذا الموقف "يعزز التفاف جمهور المقاومة حول الجيش، ضمن إطار وطني جامع"، منبّهةً في الوقت نفسه إلى أنّ أي تطورات ميدانية غير محسوبة قد تُترجم لاحقًا بحرب دولة ضد دولة، وهو سيناريو لا ترغب به أي جهة لبنانية رسميًا، خاصة وأن إسرائيل تنتظر أي ذريعة بسيطة، لتبدأ الحرب الكبرى على لبنان.
توازن صعب بين القوة والواقعية
صحيح أنّ الجيش بدأ تعزيز انتشاره جنوبًا، إلا أنّ الواقع الميداني يبقى معقّدًا. فإسرائيل لا تزال تتعامل مع الجنوب على أنّه "منطقة عمليات مفتوحة"، ما يعكس، بوضوح، عدم رغبتها في تهدئة المشهد رغم لقاءات لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية. هذه الحقيقة تجعل التحرك اللبناني أقرب إلى تثبيت قواعد اشتباك دفاعية أكثر من الذهاب إلى مواجهة مفتوحة، خصوصًا أنّ قدرات الجيش لا تسمح بالخوض في حرب تقليدية واسعة مع إسرائيل في الظروف الحالية. لكن إعلان النية بالتصدي بحد ذاته رسائل رادعة.
البعد العربي والدولي: لحظة اختبار
في السياق، يأتي التحرك الرئاسي في لحظة إقليمية حساسة، فعربيًا، تتجه العواصم الخليجية والمصرية إلى دعم أي مسار يضبط الجبهة اللبنانية ويمنع توسّع دائرة الحرب في المنطقة، مع استعداد لتأمين مظلة سياسية للجيش إذا التزم منطق الدفاع المشروع. أما دوليًا، فواشنطن تريد التهدئة، لكنها تراقب بحذر أي تقدّم لبناني يعيد معادلة الردع الميداني، في حين أنّ المجتمع الدولي قد يقبل بخطوات لبنانية دفاعية طالما تبقى دون توسيع المواجهة.
ما قاله الرئيس عون اليوم ليس تفصيلًا. إنه إعلان بأنّ الجنوب ليس متروكًا، وأنّ الدولة ، ولو متأخرة، تُعيد تثبيت دورها في حماية السيادة. وقد يكون هذا الموقف نقطة انعطاف تُفرض فيها على إسرائيل معادلة جديدة: "أيّ اعتداء لن يمرّ بلا ردّ، ولو كان الردّ هذه المرّة رسميًا ومباشرًا من الدولة."
الجنوبيون الذين طالما وقفوا في الخطوط الأمامية، أرادوا أن يسمعوا هذه اللغة من بعبدا. وقد سُمعَت. والآن، يبقى الاختبار في التنفيذ… وفي قدرة لبنان على السير بين الخطوط: "دولة لا تريد الحرب، لكنها لم تعد تقبل بالهزيمة الصامتة".








0 تعليق