Advertisement
وبحسب الصحيفة، "مثّل هذا الهجوم انتهاكًا واضحًا لوقف إطلاق النار، إذ كشف ليس فقط عن وجود خلايا مسلحة تابعة لحماس داخل المنطقة الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، بل أيضًا عن درجة من التنسيق تُفنّد أي ادعاء بوجود "صعوبة" في تحديد مكان جثث الرهائن الإسرائيليين. ومع ذلك، ورغم خطورة هذا الخرق، وخرقات أخرى مماثلة، كان رد إسرائيل، وإن كان عنيفًا، محدودًا في النهاية. فبعد موافقة سياسية، شنّ الجيش الإسرائيلي سلسلة من الضربات الانتقامية، استهدفت عشرات المواقع الإرهابية، وأدت إلى مقتل 30 قائدًا في حماس والجماعات التابعة لها. وبناءً على التصريحات الرسمية، لم يكن هذا الإجراء تصعيدًا، بل تجديدًا لفرض وقف إطلاق النار القائم. وكانت الرسالة جلية: إسرائيل ضربت بقوة لكنها توقفت، ومن ثم أُعلن عن استمرار وقف إطلاق النار، ويقال إن الأعمال العدائية توقفت".
وتابعت الصحيفة، "هذا التوتر، بين ضرورة الانتقام ومنطق ضبط النفس، يُحدد اللحظة الراهنة. القوة العسكرية الإسرائيلية ليست موضع شك، فما هو غير مؤكد هو ما إذا كانت القيادة السياسية قد اختارت، في الوقت الحالي، استيعاب الانتهاكات والإصابات لتجنب انهيار وقف إطلاق النار الذي لا يزال يخدم عدة أهداف استراتيجية. ليس من الصعب إدراك أسباب هذا التحفظ، فإسرائيل لا تزال تبذل جهودًا حثيثة لاستعادة جثث الرهائن الثلاثة عشر المتبقين في غزة. وعلى الرغم من ازدواجية حماس المستمرة، بما في ذلك التمثيل الساخر لعملية "اكتشاف الجثث" لممثلي الصليب الأحمر واستخدام الممرات الإنسانية لتحديد مخابئ الأسلحة، فقد سمحت إسرائيل لشاحنات المساعدات بمواصلة دخول غزة، بعد أن منحت حماس مجالاً تشغيلياً محدوداً داخل المناطق التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية. إن هذه التنازلات هي تعبير عن حساب استراتيجي قاتم: ما دامت هناك فرصة ضئيلة لاستعادة المزيد من الأسرى القتلى، فإن القدس سوف تؤجل العودة الكاملة إلى الحرب".
وأضافت الصحيفة، "يبدو الأميركيون أيضًا ملتزمين بتمديد وقف إطلاق النار، ويتماشى تفضيل واشنطن لتهدئة مُنظَّمة مع موقفها الإقليمي الأوسع. وكان تصريح الرئيس دونالد ترامب نموذجيًا: "على حماس أن تُحسن التصرف. إن لم تُحسن التصرف، فسوف تُدمَّر، وهي تُدرك ذلك". الرسالة ذات شقين: من جهة، فرصة سانحة، ومن جهة أخرى، تهديد بالإبادة. وفي الواقع، هذا نمطٌ استخدمه ترامب سابقًا، مع إيران، ومع الحوثيين في اليمن، وفي مراحل مختلفة مع حماس نفسها، وهو يُشير إلى صبرٍ مُشوبٍ بالتهديد: إما أن تستجيب، أو تُسحق. لكن ما يبقى غامضًا هو مدى استدامة هذا التوازن بين الرد المحدود والتصعيد المؤجل. يُعرب المنتقدون داخل إسرائيل بالفعل عن قلقهم، ويشيرون إلى أن حماس لا تنتهك وقف إطلاق النار فحسب، بل تستغله أيضًا، وتُسفك دماء الإسرائيليين بينما تواصل ترسيخ وجودها".
وبحسب الصحيفة، "من هذا المنظور، يعمل الجيش الإسرائيلي وفق قواعد اشتباك تُقيّده. تُقابل كمائن القناصة والهجمات المضادة للدبابات بغارات جوية انتقامية، دون أي تغيير في الموقف الاستراتيجي. وبالنسبة للعدو، المنطق واضح: الرد الإسرائيلي المحدود يعني الإذن بالاستمرار. بالنسبة لحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، لا تزال ذكرى الانسحابات الإسرائيلية، من جنوب لبنان عام 2000، ومن غزة عام 2005، تُشير إلى أن الضغط المسلح المستمر يمكن أن يُسفر عن نتائج استراتيجية. إذا استمر النمط الحالي، مع سقوط ضحايا إسرائيليين ثم رد محسوب ولكن دون تحول أوسع نطاقا، فإن الرسالة الموجهة إلى حماس قد تكون مألوفة بشكل خطير: استمروا في الضغط، واستمروا في استنزافهم، وسوف يرحلون. لذا، على الحكومة الإسرائيلية أن تقرر ما إذا كانت تدير تكتيكًا مؤقتًا أم أنها تتجه نحو فشل استراتيجي، فلا يمكنها السماح باستمرار الانتهاكات، وإخفاء خسائر ساحة المعركة، والاعتماد على الضربات الرمزية لفرض الردع. فإذا أصبح هذا هو النمط السائد، فسيتدهور الردع. وإذا انهار الردع، فستُستأنف الحرب، ولكن من موقع أسوأ".
ورأت الصحيفة، "يبدو أن إسرائيل وحماس والولايات المتحدة ترغب جميعها في صمود وقف إطلاق النار مؤقتًا، إلا أن مستقبله لا يعتمد على الأقوال، بل على النتائج. إذا استمرت حماس في انتهاك الشروط ورفضت الإفراج عن المزيد من جثث الأسرى، فقد ينهار منطق ضبط النفس. وإذا كان ترامب ونتنياهو قد اتفقا بالفعل على موقف مشروط، فإن ما نشهده قد يكون مقدمة، وليس حلًا. لم يعد السؤال هو ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد، لقد صمد تقريبًا. إنما السؤال هو إلى متى سيصمد، وهل هو مجرد استراحة قبل الحساب الحتمي؟"









0 تعليق