الأهمية الاقتصادية للمتحف الكبير «2»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى تنفيذ المشروع القومى العملاق المتمثل فى المتحف المصرى الكبير، هذا المتحف هو استثمار فى الحضارة من أجل المستقبل.

ويعد المتحف- الذى يتربع على مساحة تتجاوز الـ٥٠٠ ألف متر مربع بجوار أهرامات الجيزة الخالدة- أكثر من مجرد صرح ثقافى ضخم. إنه رؤية اقتصادية متكاملة تستهدف إعادة هيكلة قطاع السياحة وتحويل التراث الحضارى إلى مصدر مستدام للتنمية والاستثمار. هذا المشروع الذى يتم افتتاحه غدًا السبت أكبر متحف فى العالم مخصص لحضارة واحدة، ويضم أكثر من ١٠٠ ألف قطعة أثرية، بما فى ذلك المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون. ويمثل قاطرة حقيقية للنمو الاقتصادى ومحورًا استراتيجيًا فى «رؤية مصر ٢٠٣٠».

إن الأهمية الاقتصادية الأبرز له تنبع من دوره المحورى فى قطاع السياحة الذى يعد أحد أهم مصادر الدخل القومى وجلب العملة الصعبة لمصر. وتم تصميم المتحف ليجذب نحو ٨ ملايين سائح سنويًا، بفضل مجموعته الأثرية الفريدة وتجربته المتحفية العصرية التى توظف أحدث التقنيات. هذه الزيادة المتوقعة فى أعداد الزوار ستدعم استراتيجية مصر الوطنية للسياحة الهادفة إلى تحقيق معدل نمو سنوى كبير فى هذا القطاع.

ويهدف إلى زيادة متوسط عدد الليالى السياحية فى منطقة القاهرة الكبرى ومحيطها، حيث لم يعد مجرد وجهة زيارة سريعة، بل مركز ثقافى وتجارى متكامل. وهذا يؤدى إلى زيادة فى متوسط إنفاق السائح على الخدمات الفندقية، والمطاعم، ووسائل النقل، والترفيه، ما يضاعف العائد على الاقتصاد الوطنى.

والمعروف أن المتحف يسهم فى تنوع أنماط ومنتجات السياحة، بالتركيز على السياحة الثقافية التى تمثل نحو ٤٠٪ من السياحة العالمية. هذا التنوع يقلل من اعتماد مصر على الأنماط التقليدية للسياحة، ويعزز مكانتها كمركز عالمى للسياحة التاريخية والثقافية، خاصة مع ربطه بمناطق سياحية أخرى مثل منطقة الأهرامات والقاهرة التاريخية، ليخلق مسارًا سياحيًا متكاملًا. ويتجاوز الأثر الاقتصادى للمتحف العائد المباشر من تذاكر الدخول، ليمتد إلى دعم سوق العمل وتنشيط الصناعات المغذية. فقد خلق المشروع آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة من خلال مراحل الإنشاء والتشغيل. 

وتشمل هذه الوظائف المتخصصين فى الترميم، وإدارة المتاحف، والإرشاد السياحى، والضيافة، والأمن، بالإضافة إلى فرص عمل للمجتمعات المحيطة بالمتحف.

كما يشجع المتحف على إحياء وتطوير الحِرَف والفنون التراثية المصرية، من خلال تخصيص مساحات لإنتاج وتسويق المستنسخات الأثرية عالية الجودة وتنشيط الصناعات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بقطاع الآثار، مثل صناعة الهدايا التذكارية، والمشغولات اليدوية المستوحاة من الحضارة المصرية، بما يدعم التنمية المحلية.

ولا يخفى على أحد التطوير الشامل للبنية التحتية فى محيط المتحف، من طرق ومحاور وشبكات خدمات، ما يعد استثمارًا طويل الأجل يخدم المنطقة بأسرها ويجعلها أكثر جاذبية للاستثمار السياحى والعقارى. ويعتبر المشروع استثمارًا فى القوة الناعمة المصرية. وهى قيمة اقتصادية لا تقدر بثمن.

إضافة إلى ترسيخ المتحف مكانة مصر كمركز حضارى وإنسانى رائد على الخريطة العالمية، ما ينعكس إيجابًا على الصورة الذهنية للبلاد، ويزيد من جاذبيتها للاستثمار الأجنبى المباشر فى مختلف القطاعات.

ويضم مركزًا عالميًا للترميم والبحث العلمى، ما يعزز من مكانة مصر الإقليمية والدولية فى مجال صون التراث ونقل الخبرات، ويدعم اقتصاد المعرفة من خلال التعاون مع المؤسسات البحثية العالمية. وكذلك يمثل المتحف نموذجًا لرؤية الدولة فى تحويل التراث الثقافى إلى قوة اقتصادية مستدامة تدر عوائد مالية مباشرة وغير مباشرة، على غرار ما حققته المتاحف الكبرى عالميًا فى دعم الناتج القومى لبلدانها مثل متحف اللوفر فى فرنسا. 

إن المتحف ورقة مصر الرابحة فى رهان التنمية الاقتصادية الشاملة. إنه ليس مجرد مخزن للآثار، بل منظومة اقتصادية متكاملة تهدف إلى زيادة إيرادات السياحة وتوفير فرص العمل ودعم الصناعات الإبداعية، وتعزيز القوة الناعمة للدولة، ليؤكد أن الحضارة المصرية قادرة على أن تكون قوة دافعة للاقتصاد فى القرن الواحد والعشرين. 

هذا المشروع هو تتويج لمسيرة استثمار واعية فى التاريخ والهوية، لربط الماضى المجيد بمستقبل واعد ومزدهر.

وللحديث بقية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق