بحصولها على ١٧٣ صوتًا، خلال الانتخابات التى عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضى، ستصبح مصر، مع بداية السنة المقبلة، ولمدة ثلاث سنوات، عضوًا بـ«مجلس حقوق الإنسان»، للمرة الثالثة، منذ تأسيسه، والثانية خلال عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى. ولعل حصولنا على نحو ٩٠٪ من عدد الأصوات يعكس، بمنتهى الوضوح، تقدير دول العالم لدورنا الفاعل فى تعزيز حقوق الإنسان، ويؤكد ما تحظى به الدولة المصرية من مكانة مرموقة على الساحة الدولية.
تأسس مجلس حقوق الإنسان، فى منتصف مارس ٢٠٠٦، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليحل محل اللجنة الأممية التى كانت تقوم، أو لا تقوم، بالدور نفسه، وتعرضت لانتقادات حادة، لأنها سمحت بعضوية دول ذات سجلات حقوقية سيئة. وبعد أن كانت اللجنة الملغاة تضم ٥٣ دولة، يختارها المجلس الاقتصادى والاجتماعى، التابع للمنظمة الدولية، صار المجلس الجديد، الحالى، يضم ٤٧ فقط، تنتخبها الجمعية العامة بالاقتراع السرى المباشر، لمدة ثلاث سنوات، بناءً على التوزيع الجغرافى العادل.
لا نعتقد أننا نبالغ لو قلنا إن انتخاب مصر عضوًا بالمجلس، بين بداية ٢٠١٧ ونهاية ٢٠١٩ ثم بين بداية ٢٠٢٦ ونهاية ٢٠٢٨، يؤكد التقدير الدولى للإنجازات التى تحققت خلال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة على الصعيد الوطنى، فى إعلاء قيم المواطنة وسيادة القانون. ولن نختلف لو رأيته دليلًا جديدًا على ثقة المجتمع الدولى فى رؤية مصر لتعزيز المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، أو امتدادًا لسلسلة النجاحات التى حققتها الدبلوماسية المصرية على الصعيد الدولى، والتى أضيف إليها، مؤخرًا، انتخاب مينا رزق، فى يوليو الماضى، رئيسًا للمجلس التنفيذى للـ«فاو»: منظمة الأغذية والزراعة، وفوز خالد العنانى الكاسح، منذ أيام، بمنصب المدير العام للـ«يونسكو»: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة.
يمكنك أن ترى انتخاب مصر، أيضًا، تتويجًا لدورها المحورى فى دعم الأمن والسلام والاستقرار وجهودها الحثيثة فى خفض التصعيد بمنطقة الشرق الأوسط، والتى كان أحدثها دعوتها واستضافتها «قمة شرم الشيخ للسلام»، التى مثلت نقطة فاصلة فى تاريخ المنطقة. لكن ما لن نختلف عليه هو أن وزارة الخارجية لعبت، كالعادة، دورًا محوريًا بإعدادها خطة شاملة، ارتكزت على استعراض الجهود الوطنية فى هذا الملف، وما شهدته الدولة من تطورات فى الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
المهم، هو أن جهود الدولة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية شهدت تطورات أو طفرات مهمة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت فى إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان سنة ٢٠٢١، ومتابعة تنفيذها من خلال التقارير التنفيذية، التى كان آخرها التقرير الرابع الذى تسلمه رئيس الجمهورية من وزير الخارجية، رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، فى ٣٠ سبتمبر الماضى، والذى استعرض التقدم المحرَز فى تنفيذ مستهدفات الاستراتيجية على مستوى محاورها الأربعة: السياسى والمدنى، الاقتصادى والاجتماعى والثقافى، المرأة والطفل والشباب وذوى الإعاقة وكبار السن، والتثقيف والتدريب.
تنفيذًا لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، اتخذت القيادة السياسية قرارات عديدة مهمة، وأطلقت مبادرات عديدة تهدف إلى تعزيز الحق فى التنمية والصحة والتعليم والثقافة وتحسين المناخ العام للحقوق والحريات، وصولًا إلى توجيه الرئيس بالبدء فى إعداد استراتيجية وطنية جديدة، بالتعاون مع مختلف الجهات الوطنية والمجتمع المدنى، لكى يبدأ تطبيقها مع انتهاء تنفيذ الاستراتيجية الحالية، بالتزامن مع تطوير منظومة العدالة الجنائية والتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية وتمكين المرأة والشباب وذوى الهمم، ودمج الاستراتيجية، الحالية والمقبلة، فى خطط عدد من الوزارات والهيئات الحكومية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن وزارة الخارجية أعربت، باسمنا، أو نيابة عنا، عن تقدير مصر لكل الدول، التى انتخبتها، مؤكدة التزام الدولة المصرية الكامل بالاضطلاع بدورها فى المجلس، والعمل على تطوير آلياته بما يضمن تحقيق التوازن والشمولية فى تناول قضايا حقوق الإنسان، على نحو يراعى الخصوصيات الثقافية والظروف الوطنية للدول، ويعزز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية، حرصًا على الارتقاء بالمنظومة الحقوقية للمواطن المصرى، وليس إرضاءً لأى طرف خارجى.
0 تعليق