من عمان إلى القاهرة.. رحلة حفيدة صلاح الدين الأيوبي

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حين اتخذتُ قراري — دون تردد — بالسفر إلى القاهرة والعمل فيها، كنتُ أعلم أنني أخوض تجربة مختلفة، مليئة بالتحدي والحلم في آنٍ واحد. لم يكن الدافع ماديًا ولا مهنيًا فحسب، بل كان حبًا دفينًا لهذه المدينة التي تشبه الحلم، مدينة لا تنام، تنبض بالحياة في كل زاوية، وتفوح منها رائحة التاريخ والحضارة.
منذ لحظة وصولي إلى أرض الكنانة، شعرتُ أنني لم أغادر وطني قط.

لم أشعر بالغربة يومًا واحدًا، بل أحسستُ وكأنني وُلدتُ هنا، وكأن القاهرة كانت تنتظرني لأكمل فيها فصولًا جديدة من حياتي.

مهنيًا.. من لم يعمل في القاهرة، لم يختبر الإعلام بحق، ولم يعرف معنى المنافسة الحقيقية ولا طعم الإبداع. فهنا عاصمة الفن والإعلام والثقافة، هنا المنابر التي صاغت الوعي العربي، وهنا أسماء حفرت مجدها عبر عقود طويلة. الإعلام في القاهرة ليس مجرد مهنة، بل هو معركة يومية مع الوقت والحدث، مدرسة في الحضور، والإلقاء، والتأثير.
عملتُ مع الأشقاء المصريين في قنوات عربية متعددة، وتعلمت منهم الكثير. 

تعلمت الانضباط، والدقة، والروح الجماعية، وتعلمت أن الشغف بالمهنة هو ما يميز الإعلامي الحقيقي. في القاهرة، كل تجربة تحمل درسًا، وكل زميل هو أستاذ بطريقة أو بأخرى. هذه المدينة علمتني أن الإعلام ليس مجرد صورة على الشاشة، بل رسالة ومسؤولية وأمانة في عنق من يتصدى لها.

أما على الصعيد الإنساني، فالقاهرة منحتني أكثر مما توقعت. الشعب المصري بطبعه طيب، عاطفي، كريم، شهم، وجدع كما نقول بالعامية. يُحب كل من يعيش على أرضه، ويحتضنه بحنان لا مثيل له. لم أشعر للحظة أنني غريبة، بل كنت واحدة منهم، أضحك معهم، أعيش تفاصيلهم اليومية، وأتذوق نكهة الحياة كما يعيشونها ببساطتها وجمالها.


هذا هو الشعب المصري، صاحب حضارة تمتد لآلاف السنين، منبع للفن والضحكة والذكاء الفطري. شعبٌ يستحق الفرح، وبالأردني نقول: «بِيلبَق له الفرح».
ما بين الأردن ومصر: كأردنية — مصرية بالهوى والقلب — أحببت القاهرة من أول نظرة، من أول رحلة، من أول زيارة. كانت مدينة تخطف القلب بلا استئذان. كل شارع فيها يحكي قصة، وكل حجر فيها ينبض بتاريخ طويل من المجد والعراقة. كانت تشدّني إليها زيارةً بعد أخرى، حتى أصبحتُ لا أقدر على الابتعاد عنها.


أشتاق لتراب الأردن الذي احتضن أمي وأبي، وأفتخر بجذوري التي تمتد في جبال السلط وعمان والكرك، لكن هنا في القاهرة أجد الحاضر والمستقبل، وأشعر أنني أنتمي إلى هذه الأرض بقدر ما أنتمي إلى وطني الأول.

وليس في عشقي لمصر ما ينتقص من انتمائي للأردن، ولا في انتمائي ما يقلل من حبي لأم الدنيا. فالحب لا يُقسّم الأوطان، بل يجمعها، كما تجمع النيل بالأردن، والعروبة بالقلب.

نعم، أنا أردنية، مصرية، كردية، حفيدةُ صلاح الدين الأيوبي الذي انطلق من مصر حاملًا راية النصر والعدل.
وربما كان في دمي شيء من حماسته، وفي قلبي شيء من شغفه، وفي روحي شوقٌ لا يهدأ إلى كل أرضٍ عربيةٍ تنبض بالحياة.
بحبك يا مصر… بحبك كما يُحب القلبُ نبضه، وكما يُحب الطيرُ سماءه، وكما يُحبُ الحلمُ أن يتحقق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق