اتفق خبراء دوليون على أن إعلان الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، عن التوجه لدراسة تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية يعد خطوة ضرورية لتشديد القيود على الجماعة، التى عملت طوال عقود على التغلغل فى المجتمعات ونشر خطاب التطرف والعنف داخلها، مؤكدين أن صدور القرار يشجع دولًا أخرى على تكرار النهج نفسه والتصدى للجماعة الإرهابية.
وعلّق كل من: جيوفانى جياكالونى، كبير المحللين الأمنيين فى الجامعة الكاثوليكية بميلانو، وعقيلة دبيشى، مدير المركز الفرنسى للدراسات وتحليل السياسات، فى حوارين مع «الدستور»، على الخطوة الأمريكية المرتقبة، وتأثيرها على باقى الدول الغربية.
ورأى المحللان الدوليان أن قرار حاكم ولاية تكساس الأمريكية، جريج أبوت، بتصنيف «الإخوان» منظمة إرهابية أجنبية، زاد من الضغط على جماعات «الإسلام السياسى»، مشيرَين فى الوقت نفسه إلى أن ذلك لا يعنى بالضرورة نهاية الجماعة فى وقت قريب، فى ظل قدرتها على التكيف والتلاعب بالقوانين.
المحلل الأمنى الإيطالى جيوفانى جياكالونى: خطوة ضرورية وغير مفاجئة
■ بداية.. ما أسباب التحول فى النهج الأمريكى تجاه جماعات الإسلام السياسى مؤخرًا؟
- أعتقد أن الولايات المتحدة، كما فى أوروبا، بدأت تُدرك الخطر الذى يُشكله الإسلام السياسى، خاصةً المرتبط بجماعة الإخوان، عليها، ليس فقط بسبب دعمها منظمات مثل «حماس»، بل أيضًا لأن العديد من التطورات الأخيرة أشارت إلى دعم الإسلاميين الممنهج للمتظاهرين العنيفين الذين اجتاحوا الجامعات والشوارع الأمريكية.
وقد حذر تقرير حديث، صادر عن معهد دراسة معاداة السامية والسياسات العالمية «ISGAP»، من أن جماعة الإخوان تنتهج استراتيجية طويلة الأمد للتغلغل فى المجتمع الغربى من خلال التركيز على الجامعات الأمريكية.
ووفقًا للتقرير، يرتبط هذا التغلغل المستمر منذ عقود ارتباطًا مباشرًا بتصاعد الخطاب المعادى للسامية وأمريكا، والسياسات العدائية فى الجامعات الأمريكية.
وتشير الأدلة إلى أن الشبكات المدعومة من الخارج، والمرتبطة بجماعة الإخوان، قد وضعت الأولوية للتواجد وسط البيئات الجامعية والجماعات الطلابية، علاوة على ذلك هناك وعى تام بأن الإسلاميين يهدفون إلى التغلغل فى النظام الديمقراطى الغربى، مستغلين نفاذيته، لإحداث تغييرات من الداخل، بما يخدم مصالحهم الشخصية، وللتأثير على صناع القرار فى السياسة الخارجية أيضًا.
■ ما أهم المخاطر التى تشكلها هذه الجماعات على الساحة الدولية؟
- فى ربيع عام ٢٠٢٥ حذّر تقرير حكومى فرنسى من خطر جماعة الإخوان، واصفًا الحركة الإسلامية بأنها خطر طويل الأمد على الوحدة الاجتماعية فى فرنسا، مع الإشارة إلى أن الجماعة تنشر أفكارها بهدوء من خلال المساجد المحلية والأندية الرياضية والمجموعات الثقافية.
ووفقًا للتقرير، فإن هذه «الإسلاموية المحلية» تحاول التأثير على المجتمع من القاعدة إلى القمة، وتتعارض مع القيم الفرنسية الأساسية كالعلمانية.
وفى يونيو ٢٠٢٠، نشر الأمين العام، آنذاك، للمسجد الكبير بروما، الدكتور عبدالله رضوان، بيانًا مطولًا على صفحة المركز الإسلامى، على موقع «فيسبوك»، اتهم فيه اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية فى إيطاليا «UCOII»، (الذى يُشبه منظمة «كير» الأمريكية)، بالارتباط بجماعة الإخوان، و«مهاجمة الجمعيات الإسلامية الأخرى، التى لا ذنب لها إلا رغبتها فى التحرر من هيمنة الإخوان المسلمين».
ولا تقتصر تلك التحذيرات على فرنسا وإيطاليا فحسب، بل شملت أوروبا بأكملها، ودولًا مثل بريطانيا، وألمانيا، وإسبانيا، وهولندا، وبلجيكا، والنمسا، وغيرها.
وقد بات واضحًا الآن أن الإسلام السياسى يهدف إلى اختراق المؤسسات والجامعات والمجتمع، وتغييرها من الداخل، وفقًا لمبادئه ومصالحه الخاصة، وتكمن المشكلة فى أنه لطالما استُهين بهذا التهديد، واعتبر القادة السياسيون، على المستويات الوطنية والمحلية فى الغرب، وحتى بعض أجهزة الاستخبارات، أن الإسلاميين «محاورين صالحين»، مرتكبين بذلك خطأً فادحًا ومتوقعًا إلى حد كبير.
وقد أدركت مصر، ودول عربية أخرى، الخطر الذى تشكله الإخوان منذ سنوات، وتحركت لحظرها.
وفى الغرب، بدأت بوادر التحرك الأولى بالظهور الآن فقط، ولكن برأيى، يُعدّ هذا التصنيف خطوةً لا بد من اتخاذها.
■ هل من المتوقع أن تتبع دول أخرى مسار الإدارة الأمريكية الحالية تجاه حظر الجماعة؟
- الأفضل هو الانتظار حتى يُطبّق الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، قرار الحظر، وحينها سنرى.
وإذا حدث ذلك، فهذا سيشجع دولًا أخرى بالتأكيد على اتباع الخطوات نفسها.
ومن الصعب الجزم بأن هذه ستكون نهاية جماعة الإخوان، لأن الحركة تتمتع بقدرة كبيرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة، وإعادة تنظيم نفسها وتغيير شكلها وفقًا للسياق، كما يُعلّمنا تاريخها، ومع ذلك، ستزداد الأمور صعوبةً على الإخوان بالتأكيد.
ويجدر التنويه بأن خطوة حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، فى هذا الاتجاه تهدف أيضًا إلى الضغط على البيت الأبيض لحظر جماعة الإخوان بسرعة.
وبشكل عام ينص قانون ولاية تكساس على أن المنظمة الإرهابية الأجنبية هى جماعة تتألف من ثلاثة أشخاص على الأقل، تعمل جزئيًا خارج الولايات المتحدة، وترتكب جرائم، وتهدد سلامة تكساس أو سكانها.
وهذا الإجراء، الذى يستخدم صلاحيات من قانون العقوبات وقانون الملكية فى تكساس، يعنى أن الجماعتين، جماعة الإخوان ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير»، تواجهان عقوبات جنائية أشد، ويُحظر عليهما شراء أو امتلاك الأراضى فى الولاية، كما يسمح هذا التصنيف للمواطنين برفع دعاوى مدنية ضدهما بموجب قانون الولاية.
وفى نهاية المطاف، فقد صرّح وزير الخارجية الأمريكى، ماركو روبيو، بنفسه، فى أغسطس الماضى، بأن الإدارة تتجه نحو فرض عقوبات على جماعة الإخوان، لذا لم يكن قرار ترامب مفاجئًا، بل من المتوقع أن تقوم ولايات أخرى يقودها الجمهوريون بحظر الجماعة.
المحللة الفرنسية عقيلة دبيشى: الضغوط السياسية الداخلية وراء تحرك واشنطن ضد الإخوان
■ كيف ترين التوجه الأمريكى للتصدى لتنظيمات الإسلام السياسى؟
- التحول فى التعامل الأمريكى يعود إلى خليط من عدة عوامل، أهمها الضغوط السياسية الداخلية، من نواب وحكام يسعون للاستفادة من قضايا الأمن والثقافة السياسية، والمبادرات التشريعية والمقترحات فى الكونجرس منذ مطلع العام نحو تصنيف أوسع للتنظيمات الإرهابية.
وقد تصاعدت الخلافات داخل الكونجرس بعد أحداث دولية جعلت ملف جماعات الإسلام السياسى أكثر حساسية سياسيًا؛ لذا نرى أن هناك توجهًا إعلاميًا وسياسيًا لتصعيد الموقف، رغم أن المسار القانونى الفيدرالى لإدراج منظمة يتطلب عملية رسمية ومعايير وإدارات متعددة.
ووجود مبادرات تشريعية فى الكونجرس يجعل من احتمال التحرك البرلمانى قائمًا، لكنه ليس تلقائيًا أو سريع التطبيق، لأن السلطة الفعلية للتصنيف الفيدرالى تمر بإجراءات تنفيذية واستشارية.
وبالتأكيد، قرار حاكم تكساس زاد من الضغوط على مؤسسات ومجموعات مرتبطة أو متهمة بالصلة مع الإخوان داخل الولايات المتحدة، عبر فرض تحقيقات محلية، وقيود إدارية، مثل حظر شراء أملاك داخل الولاية، وتضييق على التمويل والشراكات المحلية، وتأثير سياسى فى المزاج العام يستغله خصوم تلك الجهات.
وفى المقابل، سيقود ذلك أيضًا إلى دعاوى قضائية على أساس ضمان حرية التعبير، والحماية من مصادرة الملكية، وفقًا للدستور الأمريكى، لتتجه المعركة إلى المحاكم، ما يردع تطبيقات عملية واسعة فى الأمد القصير، ويحول الملف إلى ساحة سياسية وقانونية.
ورغم ذلك، فإن تأثير تكساس أكبر من قرار ولاية صغيرة، لأن الولاية لها وزن سياسى وإعلامى، لكن الأثر القانونى الفعلى خارج تكساس محدود، ما لم تتبعه إجراءات فيدرالية.
■ ماذا عن وضع تلك الجماعات فى أوروبا؟
- أهم المخاطر المنسوبة إلى جماعات الإسلام السياسى عامة، خاصة تنظيمات تُنسب للإخوان فى أوروبا، تُذكر عادةً بعدة نقاط، أهمها: محاولات التأثير السياسى والاجتماعى، عبر بناء شبكات مؤسساتية من جمعيات خيرية وثقافية ومؤسسات تعليمية، قد تستخدم لتمرير أجندات طويلة المدى أو خلق أنظمة موازية، مع استغلال جمع التبرعات والقنوات الخيرية لتمويل نشاطات مشبوهة وفروع متطرفة فى بعض الحالات، بجانب إجهاض سياسات الاندماج والثقة بين الدولة والمجتمعات المسلمة.
ومع ذلك، هناك نقاش واسع فى أوروبا بين الأجهزة الأمنية والباحثين حول الجماعة، وبعض الدول ترى أن التهديد حقيقى، وتطالب بتعقّب شبكات الإسلام السياسى، وهناك دول ومحلّلون آخرون يحذرون من تعميم الاتهامات على مجتمعات مدنية مسالمة.
والخلاصة، أن المخاطر عملية ومؤسسية، لكنها تختلف حسب البلد والسياق، وحسب وجود فروع عنيفة أو روابط مباشرة بعناصر مسلحة.
■ فى تقديرك.. هل سيشجع التوجه الأمريكى دولًا أخرى على حظر الجماعة؟
- نعم، من المحتمل أن تشكل خطوة كهذه حافزًا لدول أخرى، التى لديها بالفعل مواقف سلبية تجاه الإخوان، لتأكيد التصنيف، أو المسارعة فى اتخاذ إجراءات مماثلة، خصوصًا إذا صدرت من دولة مؤثرة، مثل الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، ليس من الضرورى أن تتبنى جميع الدول هذا التصنيف؛ لأن لكل دولة دوافعها ومصالحها السياسية، وبعضها يعتبر الإخوان جماعة سياسية أو دعوية وليست تنظيمًا إرهابيًا، وبعضها لديه علاقات مع الإخوان، لكن لا يمكن إنكار أن تصنيف دولة كبيرة قد يؤدى إلى ضغوط دبلوماسية أو نقد من جهات حقوقية ودولية، ولكن لو تم التصنيف رسميًا فهذا لا يعنى تلقائيًا أن الجماعة «انتهت» أو اختفت.
وهناك عدة أسباب لذلك، وهى أن الجماعة فى كثير من الدول لها بنية واسعة ومشاركات سياسية أو مجتمعية، وبالتالى قد تستمر تحت اسم أو شكل مختلف، والتصنيف القانونى يعنى اتخاذ إجراءات مثل تجميد الأصول، وحظر الدعم المالى.. إلخ، لكن الجماعة قد تتحول إلى عمل سرّى أو تعمل على توجيه نشاطها بطرق غير مباشرة.
















0 تعليق