أظهرت دراسة علمية حديثة أن فحص الدم الدقيق يمكن أن يكشف عن العلامات المبكرة للأمراض قبل أكثر من عقد من ظهور الأعراض، ما يمثل نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية الوقائية. وتعتمد هذه الدراسة على تحليل المستقلبات والملامح الأيضية في الدم، التي توفر رؤية شاملة عن الحالة الصحية لكل فرد، وتسمح للأطباء بتحديد المخاطر قبل أن تتفاقم الأمراض المزمنة مثل السكري، أمراض القلب، السرطان، والخرف.
مشروع البنك الحيوي البريطاني: نصف مليون متطوع
قام البنك الحيوي البريطاني بتحليل عينات دم نحو نصف مليون متطوع، حيث تم قياس أكثر من 250 مركبًا مختلفًا من البروتينات، السكريات، الدهون، والمركبات الأيضية الأخرى. وعند دمج هذه البيانات مع السجلات الطبية وسجلات الوفيات، تمكن الباحثون من تطوير ملامح جزيئية دقيقة تسمح بالتنبؤ بخطر الإصابة بمجموعة واسعة من الأمراض، قبل سنوات طويلة من ظهور أي أعراض.
الملامح الأيضية: نافذة على الصحة والفسيولوجيا
تكشف المستقلبات عن التغيرات الفسيولوجية في الجسم الناتجة عن العمر، النظام الغذائي، النشاط البدني، التوتر، والتعرض للملوثات. فعلى سبيل المثال، يمكن لمرض الكبد أن يؤدي إلى ارتفاع مستويات الأمونيا، بينما يسبب تلف الكلى زيادة اليوريا والكرياتينين، ويرتبط ارتفاع امتصاص الجلوكوز بوجود السرطان. وتتيح هذه الملامح الأيضية التنبؤ بالأمراض بدقة أكبر مقارنة بالاختبارات التقليدية، لأنها تجمع بين الاستعداد الوراثي والعوامل البيئية.
الكشف المبكر عن الخرف والأمراض العصبية
يستفيد الباحثون من الملامح الأيضية لتوقع خطر الإصابة بالخرف قبل 10 إلى 15 عامًا، ما يمنح الفرصة للتدخل المبكر وتقليل احتمالية الإصابة. كما يمكن استخدام هذه البيانات لدراسة الاختلافات بين الجنسين في تطور الأمراض المرتبطة بالعمر مثل السرطان، وفهم تأثير الجنس على فعالية الأدوية.
التحول من العلاج إلى الوقاية
أوضحت الدكتورة جوى إدواردزهيكس من جامعة إدنبرة أن هذا النوع من الفحوصات يتيح للأطباء توجيه المرضى نحو تغييرات وقائية مبكرة، مثل تعديل نمط الحياة أو النظام الغذائي. كما أشارت البروفيسورة نعومي ألين، كبيرة العلماء في البنك الحيوي البريطاني، إلى أن دراسة المستقلبات تساعد على الكشف عن العلامات التحذيرية المبكرة وفهم كيفية تطور الأمراض، بالإضافة إلى متابعة فعالية العلاجات.
مستقبل الرعاية الصحية الوقائية
تمثل هذه الدراسة خطوة كبيرة نحو تحويل الرعاية الصحية من علاج الأمراض إلى الوقاية منها. إذ يمكن لفحص دم بسيط ودقيق أن يمنح المرضى والباحثين القدرة على رصد المخاطر الصحية قبل سنوات من ظهور الأعراض، ما يعزز فرص التدخل المبكر وتحسين جودة الحياة وتقليل التكاليف الصحية المستقبلية.















0 تعليق