صناع فيلم «كان ياما كان فى غزة»: الفلسطيني لم يُخلق ليموت

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فى واحدة من أكثر لحظات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ٤٦ تأثيرًا هذا العام، شهد المسرح الكبير عرض الفيلم الفلسطينى «كان ياما كان فى غزة» ضمن عروض المسابقة الدولية، فى أول عرض عربى للعمل، بعد مشاركته فى قسم «نظرة ما» بمهرجان كان. ويقدم الفيلم مزيجًا بين الدراما، التشويق، والكوميديا السوداء التى تنتقد بنعومة وسخرية الوضع الداخلى فى غزة، بينما يظهر القصف الإسرائيلى فى الخلفية كجزء من المشهد دون أن يطغى على القصة. وتدور الأحداث عام ٢٠٠٧ حول ثلاثة شبان: تاجر مخدرات، وصديقه «التاجر الطيب»، وضابط أمن داخلى، ويقوم الضابط بقتل تاجر المخدرات بعد رفضه العمل لصالحه، وتتشابك حياة صديقه مع الضابط لاحقًا فى سلسلة من الأحداث التى تستعيد الخوف والجرح والرغبة فى الانتقام.

الفيلم من إنتاج مشترك بين فلسطين، وفرنسا، وألمانيا، والبرتغال، وقطر والأردن، ومدته ٨٧ دقيقة، ويركز على العلاقة بين «يحيى» الطالب الجامعى، و«أسامة» التاجر الطيب، اللذين تبدأ بينهما صداقة غير متوقعة ومن خلالهما يكشف الفيلم هشاشة العلاقات وقسوة الحياة اليومية فى غزة.

«الدستور» التقت عددًا من صناع الفيلم، وهم كل من المخرجين الشقيقين عرب وطرزان ناصر والكاتب عامر ناصر، والممثل الأردنى مجد عيد.

 

الأخوان ناصر:  استخدمنا أسلحة حقيقية فى التصوير لعدم توافر معدات سينمائية

بدأ الأخوان التوأم ناصر «طرزان وعرب» حديثهما بالعودة إلى عام ٢٠١٥، حيث كانت الفكرة الأولى للفيلم تتشكل فى ذهنيهما، لكن ظروف غزة السياسية والأمنية جعلت تنفيذ المشروع شبه مستحيل، ليتم تأجيله مرارًا.

وقال الأخوان: «فى عام ٢٠٢٣، وقبل أشهر فقط من اشتعال الحرب الأخيرة، بدأ التصوير بالفعل، إلا أن الحرب المفاجئة أوقفت العمل لمدة خمسة أشهر كاملة، شعر خلالها الفريق بأن المشروع قد لا يرى النور».

وكشفا عن أنه بعد تقييم الظروف والمعطيات، جرى اتخاذ قرار باستئناف التصوير، ولكن خارج غزة، وتحديدًا فى العاصمة الأردنية عمّان، فى موقع تصوير تم بناؤه بالكامل ليحاكى شوارع ومنازل القطاع بدقة كبيرة.

وواصلا: «كان هدفنا تقديم المواطن الفلسطينى العادى، الإنسان الذى لا يراه العالم، أردناه حاضرًا بكل تفاصيل حياته، بعيدًا عن الصورة النمطية التى اختزلته فى بندقية أو فى شهيد، ولم يكن الطموح لدينا تقديم فيلم عن المقاومة كفعل مسلح، بل عن المقاومة الحقيقية اليومية «مقاومة البقاء، والصمود، ومحاولة إيجاد طريق للحياة وسط حصار خانق منذ عام ٢٠٠٧»، مضيفان: «العالم لا يعرف شيئًا عن معاناة الغزيين، ويتعامل معهم كأرقام، لكن خلف كل رقم حياة كاملة».

واستعاد «عرب» جانبًا من ذكرياته الشخصية قائلا: «كنا نصف غزة بأنها ريفييرا، بحر ومياه صافية وحياة رغم القسوة، اليوم تحول كل ذلك إلى خراب»، مشيرًا إلى أن عنوان الفيلم «كان ياما كان فى غزة» ليس مجرد حكايات بل مرثية حقيقية.

وأضاف: «يحمل العنوان طبقة رمزية مؤلمة، فالمدينة التى كانت تزخر بالحياة تحولت إلى أطلال، الماضى أصبح رفاهية، والحاضر صار ذكرى منسية، وهنا تتجلى قوة الفيلم فهو يلتقط اللحظات الإنسانية الصغيرة قبل أن تبتلعها الحرب الكبرى».

وبيّن أن هدف الفيلم لم يكن توجيه الاتهامات أو إصدار الأحكام، بل توثيق حياة أشخاص اختاروا طرقهم أو فُرضت عليهم، وهم يحاولون النجاة، مشيرًا إلى أن الفيلم يركز على شخصية «يحيى»، الطالب الجامعى النابض بالحلم والرغبة فى حياة طبيعية، لكنه يعيش داخل سجن مفتوح اسمه غزة، لا يستطيع الخروج منه حتى لأبسط الأسباب، وعندما يحاول السفر لحضور زفاف شقيقته، ترفض طلباته كلها بلا مبرر ويكتفى الموظف المسئول بالقول «يفعلون ما يشاءون».

وقال: «الفيلم يختصر شعور الغزى بالعجز فى مواجهة قوة تتحكم فى مصيره بلا أى منطق، ويتناول كذلك أزمة نقص السلع الأساسية التى تخلق شعورًا إضافيًا بالعزلة، وفريق التصوير اضطر لاستخدام أسلحة حقيقية لعدم توفر معدات بديلة فى غزة، ليخرج الفيلم أكشن بلا مؤثرات خاصة، يعتمد على الواقع أكثر مما يعتمد على الصناعة».

وكشف عن أنهما أنهيا كتابة السيناريو قبل أحداث ٧ أكتوبر بفترة طويلة، لكن اندلاع الحرب قلب كل شىء، وقال: «مع بدء الإبادة، تساءلنا: (هل نعيد كتابة الفيلم؟ هل نضيف ما يحدث الآن؟)، لكننا أدركنا أن قصتنا قبل الحرب هى جزء أساسى من واقع غزة وهو واقع مستمر لم يبدأ فى أكتوبر ٢٠٢٣».

فيما قال طرزان ناصر: إنه كان من الضرورى إنجاز الفيلم للتاريخ، وكان علينا رواية قصة شخصياتنا وقصتنا نحن، مضيفًا أن الفيلم لم يركز على قصص المخدرات، رغم حضورها ضمن الأحداث، بل على الظروف التى تدفع شابًا فى غزة للوقوع فى مسارات قاسية، مشيرًا إلى أن قصصًا مشابهة لشخصيات الفيلم حدثت بالفعل، وأن بعض أصحابها لقوا مصرعهم فى الحرب الأخيرة.

وعن شعورهما بعد عرض الفيلم فى مصر، أكد «طرزان» أنهم فخورون جدًا بعرض الفيلم فى مصر وخصوصًا فى مهرجان القاهرة السينمائى، موجهًا التحية للقيادة السياسية فى مصر والشعب المصرى على دعمهم الدائم للقضية الفلسطينية.

وأضاف: «صعب نكون فى مصر وما تتكلمش بالمصرى بنحاول نمزج بين المصرى والغزاوى، وكل مرة بنعرض أفلامنا بنحكى مع أهلنا قبلها، لكن اليوم ما قدرناش بسبب المطر وغرق الخيام وغياب الاتصال، بس إحنا مبسوطين إننا مع أهم جمهور عربى، الجمهور المصرى».

 

عامر ناصر:  صورنا العمل وأهلنا فى غزة تحت الحصار

 

نفى المؤلف عامر ناصر ما يُثار من تخوفات حول ابتعاد بعض الأفلام عن تناول المقاومة الفلسطينية، مؤكدًا أن فيلمه يتناول المقاومة بمعناها الأوسع. 

وقال «عامر»: «الإنسان الغزى مقاوم لأنه يحاول أن يعيش، نحن فخورون بالمقاومة، لكن هذا الفيلم يحكى عن حياة الناس، لا عن موتهم، العالم كله يشاهد موت الفلسطينى، لكن القليل يعرف كيف يعيش».

وذكر أن أغلب تصوير الفيلم تم فى الأردن عام ٢٠٢٣، مشيرًا إلى أن معاناة غزة ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى عام ٢٠٠٧، مضيفًا: «أهل غزة يعيشون دون مقومات الحياة، وقد تحملوا ما لا يتحمله بشر، لذلك أردنا أن نقدم تفاصيل حياتهم اليومية، لا مجرد أخبارهم العاجلة».

وأكد أن فريق العمل، من مخرجين وممثلين، واصل التصوير رغم أن عائلاتهم كانت تحت الحصار، ما أضفى على التجربة بُعدًا إنسانيًا عميقًا.

مجد عيد:  شخصية «أسامة» جذبتنى منذ قراءتى الأولى للنص

عبّر الممثل الأردنى مجد عيد، أحد أبطال الفيلم، عن سعادته بردود أفعال الجمهور المصرى، قائلًا، إنه شعر بطاقة كبيرة داخل القاعة، ويتمنى أن يكون هذا العمل بوابته إلى السينما المصرية.

وأشار «مجد» إلى أنه أحب شخصية «أسامة» منذ قراءته الأولى للنص، واصفًا إياها بأنها تجسيد لتناقض إنسانى يصعب مقاومته، فالتاجر الطيب القلب يحمل فى داخله صراعًا مؤلمًا، مضيفًا: «النهاية التى وصلت إليها شخصية أسامة كانت منطقية ومؤلمة فى آن، لأنها تعكس واقعًا قاسيًا». وكشف عن أن الفيلم كان من المفترض أن يُعرض فى عام ٢٠٢٠، لكن الظروف فى غزة حالت دون ذلك، فاضطر الفريق إلى مواصلة التصوير فى الخارج، بينما كانت عائلاتهم تعيش تحت الحصار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق