يعد كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” لطه حسين الذي صدر في العام (1938) واحدًا من أهم النصوص الفكرية المؤسسة لمشروع النهضة الحديثة في العالم العربي، وهو ليس مجرد كتاب في التربية أو الثقافة، بل وثيقة سياسية – معرفية كتبها عميد الأدب العربي،وهو يرى مصر على أعتاب استقلال جديد، ويؤمن بأن بناء الإنسان هو الوسيلة الوحيدة لترسيخ هذا الاستقلال.
يقدم الكتاب رؤية جذرية لوظيفة التعليم، لبنية الثقافة المصرية، ولعلاقة الشرق بالغرب، ولطبيعة الشخصية الوطنية
الكتاب كبيان نهضوي
يقول طه حسين في المقدمة إنه كان ينوي كتابة تقرير قصير، لكنه فوجئ بأن المهمة تتضخّم إلى “كتاب ضخم” سيكون «أعم فائدة وأكثر نفعًا» للمصريين، وأنه يريد من خلاله أن يضع «صورة الواجب ذاته في الثقافة المصرية"، ويصرح بأنه لا يكتب بصفته موظفًا في الجامعة أو تابعًا لوزارة المعارف، بل بصفته “مصريًا مخلصًا لا يتّهم في حب بلاده”، وهو ما يعطي الكتاب طابع “البيان الوطني"
الماضي والحاضر… وبناء المستقبل
ينتقد طه حسين بشدة النظرة القاصرة التي تربط مستقبل الثقافة في مصر بماضيها وحده، فيقول إن التفكير بهذه الطريقة «يحمّلنا أخطار الشطط وسوء التقدير» ويقود إلى الاستسلام للأوهام
لكنه في الوقت نفسه يرفض القطيعة مع الماضي، إذ يرى أن مصر الجديدة «لن تُبتكر ولن تُخترع»، بل ستكون امتدادًا راقيًا لماضيها الخالد وحاضرها القريب
الشرق والغرب… سؤال الهوية الثقافية
وأشار الدكتور عماد أبوغازي إلى أن طه حسين يرى أن مستقبل الثقافة بمصر مرتبط بماضيها البعيد وحاضرها القريب، ويدعونا لفهم حقيقة ماضينا وحاضرنا، ومن هنا طرح سؤاله الأساسي مصر من الشرق أم من الغرب؟..
وتابع: “لذا نجد أن أكثر أجزاء الكتاب جرأة طرحه لسؤالٍ محوري: هل مصر شرقية أم غربية؟ يرفض طه حسين هذا التصنيف الجغرافي، ويرى أن هناك «شرقًا ثقافيًا وغربًا ثقافيًا»، وهما مختلفان منذ العصور القديمة في أوروبا والشرق الأقصى على السواء، ويعود إلى التاريخ المصري القديم والحديث ليبرهن أن مصر ليست “تابعًا” للشرق ولا للغرب، بل “ملتقى حضاري” أنتج مزاجًا ثقافيًا فريدًا عبر آلاف السنين”.
وذكر أن "اختلاف هذين النوعين من الثقافة يظهر منذ العصور القديمة… ومنه يتكوّن المزاج المصري الرائق".
ويرى أن المصريين تعلّموا الكثير من أوروبا، لكنهم أخفقوا في انتهاز الفرص، وأن تأخر مصر لم يكن بسبب الاستعمار وحده، بل لأنها «لم تحسن مقاومة أوروبا، ولا أحسنت انتهاز الفرص» التي سنحت لها بعد الاحتكاك بالحداثة الغربية .
التعليم… الركيزة الأساسية للاستقلال
هذا القسم هو الأطول في الكتاب، وهو قلب المشروع الفكري لطه حسين. ويؤكد فيه أن التعليم هو أساس الحضارة والاستقلال، وأن أمة لا تعلّم أبناءها تقف على حافة الفناء.
ففي دراسة للدكتور محمود الربيعي تحت عنوان "مستقبل الثقافة في مصر.. دراسة حرة في نص تنويري" يشير الربيعي إلى موضوع الكتاب الأساسي، معلنا أن سبيل بناء مصر الحديثة: “سبيل واحدة لا ثانية لها وهي بناء التعليم على أساس متين”.
ولفت الربيعي، إلى أنه في البداية تثار مجموعة من الاعتراضات التي يمكن أن يثيرها المعارضون لتبني النموذج الأوربي، ويرد عليها طه حسين بسهولة وقد يقال هنا أن طه حسين يذكر من هذه الاعتراضات ما يسهل الرد عليه، وملخص هذه الاعتراضات أن الدعوة إلى الاتصال بالحياة الأوروبية على هذا النحو خليقة بأن تغري بما فيها من مخالقة للدين، وأن "الاتصال القوي الصريح بأوروبا لا يخلو من الخطر على شخصيتنا القومية، وعلى ما ورثناه عن ماضينا المجيد من هذا التراث العظيم وأن الحضارة الأوروبية مادية مسرفة في المادية وهي من أجل ذلك مصدر شر كبير تشقى به أوروبا ويشقى به العالم كله أيضا".
أهداف التعليم عند طه حسين
وأشار الدكتور محمود الربيعي، إلى أن أهداف التعليم لدى طه حسين هي الديمقراطية والحرية، وهو مع ذلك يضع مقاليد التعاليم في يد الحكومة. والسؤال هو: كيف يمكن ان نصل الى التعليم الحث "الذي يفضى الى الحرية والديمقراطية" عن طرق وضعه تحت سيطرة الدولة.















0 تعليق