في اكتشاف علمي يثير الدهشة ويؤكد أن الأرض لا تزال تخبئ الكثير من الأسرار، تمكن فريق بحثي دولي من رصد أنماط هندسية معقدة ومنتظمة في قاع بحر "ويدل" بـ القارة القطبية الجنوبية، أنشأتها أنواع من الأسماك في ظروف بيئية قاسية.
وجاء الاكتشاف خلال بعثة علمية كانت تبحث عن حطام السفينة الشهيرة HMS Endurance، لتتحول المهمة إلى اكتشاف بيئي غير مسبوق.
بداية القصة: من البحث عن السفينة إلى اكتشاف الحياة
بعد انفصال الجبل الجليدي الضخم A68 عن كتلة "لارسن" الجليدية عام 2017، كُشف لأول مرة عن مناطق بحرية كانت مدفونة تحت الجليد منذ آلاف السنين.
وفي يناير 2019، انطلقت بعثة بحر "ويدل" الاستكشافية على متن السفينة القطبية الجنوب أفريقية SA Agulhas II، في رحلة استمرت 49 يومًا، هدفها استكشاف الحياة البحرية والبحث عن حطام السفينة المفقودة منذ عام 1915.
لكن الظروف الجليدية القاسية في القارة القطبية حالت دون الوصول إلى الحطام، لتقود الباحثين نحو اكتشاف أعقد مما تخيلوا.
اكتشاف الأعشاش الهندسية في الأعماق
أثناء عمل المركبة الغاطسة Lassie، في القارة القطبية التي يتم التحكم بها عن بعد، رُصدت سلسلة من الأعشاش الدائرية المنتظمة تمتد عبر مساحات شاسعة من قاع البحر.
أظهرت اللقطات وجود أكثر من ألف عش محفوظ بعناية، ما أثار دهشة العلماء، إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي يُشاهد فيها هذا الجزء من البحر.
وبعد التحليل في القارة القطبية، تبين أن الأعشاش أنشأتها أسماك من نوع Lindbergichthys nudifrons، المعروفة باسم yellowfin notie، وهي من الأنواع القادرة على التكيف مع البيئات شديدة البرودة والضغط العالي.
تنوع الأنماط ودلالاتها البيئية
أظهرت الدراسة أن الأعشاش تتخذ ستة أنماط هندسية مختلفة، من بينها الأشكال الهلالية والبيضاوية والخطوط المستقيمة.
وبلغ عدد الأعشاش النشطة 1,036 عشًا موزعة في خمسة مواقع، وكانت المجموعات المتقاربة تمثل أكثر من 42% من العدد الكلي.
ويرى الباحثون أن هذا التنظيم ليس عشوائيًا، بل يمثل استراتيجية ذكية للبقاء تُعرف بنظرية "القطيع الأناني"، حيث يقلل كل فرد من خطر الافتراس عبر التمركز داخل المجموعة.
أهمية الاكتشاف ودعوة للحماية
أكد الخبراء أن هذه الأنماط المذهلة تكشف عن نظام بيئي نابض بالحياة في أكثر مناطق الأرض قسوة، ما يفرض ضرورة سنّ قوانين لحماية بيئة بحر ويدل من التغيرات المناخية.
ورغم أن الفريق لم يجد حطام السفينة خلال تلك الرحلة، فإن الاكتشاف منح العلم نافذة جديدة على أسرار المحيطات العميقة، وأثبت أن الحياة تزدهر حتى في أقصى حدود الكوكب.
















0 تعليق