تشهد الساحة السياسية الروسية حالة من الارتباك الداخلي، إذ بدأ ما يشبه «التطهير الذاتي» داخل النظام، حيث تنقلب الفصائل الموالية للكرملين بعضها على بعض، في تحول غير مسبوق يشير إلى تصدع الثقة بين مؤيدي الرئيس فلاديمير بوتين أنفسهم. ويرى محللون أن هذه الحملة الجديدة تستهدف أصواتًا كانت حتى وقت قريب من أبرز المدافعين عن سياسات بوتين والحرب في أوكرانيا.
ومن بين أبرز الأسماء التي طالتها الإجراءات الأخيرة سيرغي ماركوف، المحلل السياسي المؤيد لبوتين، والمدون العسكري رومان أليخين، إلى جانب الناشطة تاتيانا مونتيان، وجميعهم كانوا معروفين بولائهم المطلق للنظام الروسي. وقد صنّفت السلطات ماركوف وأليخين ضمن فئة «العملاء الأجانب»، وهي تسمية كانت تُستخدم سابقًا لقمع المعارضين الليبراليين. أما مونتيان، فقد وُضعت على لائحة «الإرهابيين والمتطرفين»، وهي خطوة تعكس اتساع دائرة القمع لتشمل حتى أنصار الكرملين.
ويحمل هذا التصنيف دلالات سلبية قوية في الذاكرة السوفياتية، إذ يفرض على المستهدفين قيودًا مالية صارمة، ويلزمهم بوضع إشارة «عميل أجنبي» على أي نشاط إعلامي أو منشور عبر الإنترنت، ما يؤدي عمليًا إلى تهميشهم اجتماعيًا ومهنيًا.
ويعتقد مراقبون أن الأسباب المعلنة لهذه القرارات، مثل اتهامات الفساد أو إساءة استخدام الأموال المخصصة لدعم الجيش، تخفي وراءها صراعًا أعمق بين معسكرين متنافسين داخل النظام الروسي. المعسكر الأول يمثله مروجو الدعاية الرسميون المقربون من وزارة الدفاع، أما الثاني فيضم المدونين العسكريين أو ما يُعرف بـ«مدوني Z»، الذين اكتسبوا نفوذًا واسعًا بعد غزو أوكرانيا عام 2022 بفضل جمعهم التبرعات وتقديم الدعم المباشر للجبهات.
وتصف الخبيرة السياسية إيكاترينا شولمان المشهد بأنه «صراع على النفوذ والموارد»، حيث أصبح بعض رموز الدعاية التقليدية، مثل فلاديمير سولوفيوف، يسعون لإضعاف المدونين الذين استحوذوا على تبرعات تفوق ما تجمعه الجمعيات الرسمية. وتضيف شولمان أن الأنظمة الاستبدادية بطبيعتها تخشى أي حركة شعبية، حتى لو كانت مؤيدة للنظام، لأنها تمثل شكلًا من أشكال التنظيم المستقل.
ويرى محللون أن ما يحدث يعكس تحوّل الجهاز القمعي الروسي إلى أداة تلتهم نفسها، بعد أن اختفى المعارضون التقليديون تقريبًا. فمع انتهاء الحملات ضد الأصوات المناهضة للحرب، أصبح النظام «مضطرًا للبحث عن أعداء جدد»، بحسب تعبير شولمان، التي أكدت أن آلة القمع الروسية «يجب أن تغذي نفسها بنفسها لتستمر».







0 تعليق