بعد الافتتاح المبهر للمتحف المصرى الكبير، ورؤية العالم لهذا الإنجاز الضخم لا بد من استثمار هذا الحدث الكبير فى خدمة الوطن، ولا بد من وضع خارطة طريق لما بعد هذا الحدث الكبير.
يمثل افتتاح المتحف الكبير نقلة نوعية ونقطة تحول استراتيجية، تتجاوز مجرد كونه صرحًا ثقافيًا، بل هو قاطرة للتنمية الاقتصادية والسياحية والثقافية لمصر. ولتحقيق أقصى استفادة من هذا المشروع الضخم نحتاج إلى تنفيذ استراتيجية متكاملة ومستدامة ترتكز على عدد من الأمور. وأبرزها التكامل السياحى للمنطقة المحيطة بالمتحف.
إن أولى الخطوات هى تحويل منطقة الأهرامات والمتحف من مجرد موقعين أثريين منفصلين إلى مقصد سياحى متكامل. ويتطلب هذا استمرار تطوير البنية التحتية القريبة والمحيطة بالمنطقة، واستكمال تطوير المحاور الرئيسية والطرق المؤدية إلى المتحف والأهرامات، مثل الطريق الدائرى والمناطق المجاورة، ولا بد من رفع كفاءة النقل العام، وإدخال وسائل نقل حديثة وصديقة للبيئة لربط المتحف بالقاهرة والجيزة.
كما أنه من الضرورى تشجيع الاستثمارات فى الفنادق والمنتجعات الفخمة التى تلبى طلب السياحة مرتفعة الإنفاق، مع تطوير الفنادق التاريخية فى المنطقة لتعود إلى رونقها. ويجب القضاء على أى صورة عشوائية قريبة من المتحف والطرق المؤدية إليه، واستمرار تكثيف أعمال النظافة والتجميل والإضاءة، لضمان أن تكون الصورة للوصول إلى المتحف والأهرامات على مستوى الحدث العالمى.
ومن المهم جدًا تعظيم العوائد الاقتصادية والاستثمارية بحيث يجب تحويل التراث إلى مصدر مستدام للعوائد الدولارية، من خلال تنويع مصادر الدخل داخل المتحف. ولا يقتصر الأمر على رسوم الدخول المقررة، بل تعظيم الاستفادة من المحال التجارية والمطاعم والمقاهى عالية الجودة، وتوفير تجارب تفاعلية وخدمات رقمية برسوم إضافية.
وهنا يجب توفير حوافز وضمانات للمستثمرين فى الداخل والأجانب للاستثمار فى الخدمات المرتبطة بالسياحة حول المتحف، ما يسهم فى توفير فرص عمل جديدة.
ولا ننسى أبدًا تخصيص ميزانيات ضخمة للتسويق الدولى يركز على قيمة المتحف كأكبر متحف فى العالم يضم حضارة واحدة، واستخدامه كأداة رئيسة لتحقيق مستهدفات السياحة بالوصول إلى ٣٠ مليون سائح سنويًا.
وهناك ضرورة للاستمرار فى رقمنة المجموعة الأثرية بالكامل وإتاحتها للباحثين، وتطبيق أعلى المعايير الدولية فى الحفظ والصيانة لضمان استدامة المعروضات.
كما لا ننسى أهمية تحويل المتحف إلى مركز عالمى للبحث والدراسات الأثرية والمتحفية، وتقديم برامج تعليمية وورش عمل متخصصة للطلاب والباحثين من جميع أنحاء العالم. وهناك أولوية فى الاستثمار المستمر فى تدريب وتأهيل الكوادر المصرية من مرشدين وموظفين ومديرين على أحدث أساليب الإدارة المتحفية، والتعامل مع السياح بمختلف اللغات والثقافات، لتقديم «تجربة زائر لا تنسى».
ويجب أن يكون المتحف المصرى الكبير هو بوابة العبور للسائح إلى باقى مدن ومقاصد مصر، وليس محطة نهائية، وذلك من خلال إنشاء مسارات سياحية جديدة، وتصميم برامج سياحية متكاملة تربط زيارة المتحف بالأقصر وأسوان ومقاصد البحر الأحمر وسيناء، لضمان توزيع الفوائد الاقتصادية على جميع المحافظات.
وكل ذلك يتطلب ضرورة استخدام قاعات المؤتمرات والفعاليات داخل المتحف لاستضافة مؤتمرات دولية وفعاليات ثقافية وفنية كبرى، لجعله نقطة جذب على مدار العام وليس فقط للسياحة الترفيهية.
إن افتتاح المتحف الكبير هو إعلان للعالم بأن مصر الجديدة لا تقل أهمية عن مصر القديمة، ولذلك فإن المرحلة التالية تتطلب تنظيمًا لوجستيًا لا يقل عبقرية عن عمارة المتحف نفسه، لضمان استثمار هذا الإنجاز التاريخى فى دفع عجلة الاقتصاد وتعميق الهوية الثقافية المصرية.















0 تعليق