نتنياهو على حافة الغروب: إسرائيل بين إرث القوة ومأزق المستقبل

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه اليوم في لحظة سياسية فارقة، ربما هي الأخطر في مسيرته الممتدة منذ أكثر من ثلاثة عقود. فالرجل الذي بنى مجده على خطاب أمني متشدد وقدرة عالية على المناورة بين الخصوم والحلفاء، يقف الآن أمام مستقبل غامض تتقاطع فيه الهزيمة السياسية مع عزلة دولية متزايدة وتآكل في دعم قاعدته اليمينية التي طالما اعتبرها حصنه الحصين.

منذ مطلع العقد الثاني من الألفية، تبنّى نتنياهو سياسة تهدف إلى إدارة الصراع الفلسطيني بدلًا من محاوله التوصل الي تسويه سلميه ، فعمل على إضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه حافظ على بقاء حركة حماس في غزة بما يكفي لتقويض أي مسار سياسي يمكن أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية موحدة. وقد خدم هذا النهج أهدافه المرحلية؛ إذ منح المستوطنين دعمه الكامل، وحافظ على هدوء نسبي في غزة ، وسعى إلى إقامة علاقات مع دول عربية دون أن يدفع ثمنًا سياسيًا يتعلق بالقضية الفلسطينية. غير أن هذه المعادلة التي بدت ناجحة لسنوات انهارت في السابع من أكتوبر عام 2023، عندما شنّت حماس هجومها المفاجئ الذي هزّ إسرائيل وأعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي.

الحرب التي تلت ذلك الهجوم لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل تحوّلت إلى اختبار قاسٍ لزعامة نتنياهو. فالدمار الهائل في غزة وما خلّفه من مأساة إنسانية غير مسبوقة، إضافة إلى تزايد الانتقادات الدولية، أدت إلى عزلة غير معهودة لإسرائيل ولرئيس وزرائها. ومع تراجع التعاطف الدولي، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة ضغوط سياسية من أقرب حلفائها حيث اعلن الرئيس ترامب رفضه قيام إسرائيل بضم الضفه الغربيه او قيامها باحتلال غزه وتراجعه عن مخططات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم مع ممارسه الضغوط عليه حتي قبل في النهايه بخطه ترامب بنقاطها العشرين لوقف الحرب، وهو ما تزامن مع تراجع امكانيه توسيع نطاق اتفاقية إبراهام التي كان من الممكن ان تنضم اليها دول عربيه اخري في منطقه الخليج

في الداخل، يعيش الائتلاف الذي يقوده نتنياهو حالة من التصدّع، إذ يواجه انقسامات حادة بين أجنحته اليمينية المتشددة التي تمثّلها شخصيات مثل سموتريتش وبن جفير، وبين الواقع السياسي والدبلوماسي الذي يفرض تنازلات مؤلمة. فالمطالب المتزايدة بتشكيل لجنة تحقيق في الإخفاق الأمني الذي سبق هجمات أكتوبر تُثقل كاهل نتنياهو ، في حين تثير محاولات تمرير قانون يعفي اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية غضبًا واسعًا في مجتمع فقد مئات الجنود خلال الحرب الأخيرة.

ورغم أن الانتخابات المقبلة مقررة قانونيًا في أواخر عام 2026، فإن احتمالات إجرائها مبكرًا تبدو كبيرة، خصوصًا في ظل استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع مكانة حزب الليكود وعدم قدرته على تشكيل ائتلاف مستقبلي. ومع ذلك، يسعى نتنياهو إلى كسب الوقت، على أمل أن تتحسن صورته أو تتغير الظروف الإقليمية لمصلحته. لكنه يواجه مأزقًا حقيقيًا؛ فالتوازن الذي كان يمكّنه من المناورة بين الداخل والخارج قد تآكل، وضغوط إنهاء الحرب أصبحت تتجاوز قدرته على المراوغة.

وفي واقع الأمر فلقد انهارت أسس المشروع السياسي لنتنياهو الواحد تلو الآخر: الردع العسكري، السلام الاقتصادي، والتحالفات الإقليمية التي كانت تهدف إلى تهميش القضية الفلسطينية. وما تبقى هو إرث ثقيل من الانقسام الداخلي والاحتقان الاجتماعي والشكوك في قدرة إسرائيل على استعادة ثقتها بنفسها.

وفي المقابل، تبدو المعارضة الإسرائيلية ضعيفة وممزقة، غير قادرة حتى الآن على تقديم بديل واضح أو قيادة جديدة تحمل رؤية مختلفة. ومع ذلك، قد تكون هذه اللحظة فرصة لإعادة تعريف هوية الدولة ومسارها السياسي، والانتقال من منطق القوة والسيطرة إلى منطق الحوار والتسوية.

ربما يقف نتنياهو اليوم على أعتاب نهاية مرحلة لا مجرد أزمة عابرة. فالرجل الذي حكم إسرائيل أطول فترة في تاريخها المعاصر يبدو وكأنه يواجه لحظة الحساب السياسي. سياساته التي قامت على إدارة الصراع لا حله وصلت إلى طريق مسدود، وتحالفاته الإقليمية تفقد معناها مع كل يوم تتأخر فيه عملية السلام. وبينما يحاول التشبث بالسلطة عبر خطاب “النصر الكامل”، تتسع الفجوة بينه وبين واقع شعبٍ منهك من الحروب.

قد يظل نتنياهو لبعض الوقت لاعبًا حاضرًا في المشهد، لكن من الواضح أن إسرائيل تدخل مرحلة جديدة تتجاوز شخصه، مرحلة يعاد فيها النظر في معاني الأمن والسيادة، وتُطرح فيها أسئلة عميقة حول مستقبل الدولة وطبيعة علاقاتها مع محيطها. إن أفول نجم نتنياهو لا يعني نهاية الصراع، لكنه ربما يكون بداية مسار مختلف يُفتح فيه الباب أمام رؤية أكثر واقعية، تدرك أن السلام لا يُفرض بالقوة، وأن الأمن الحقيقي لا يتحقق إلا عبر العدالة والتفاهم المتبادل .

 

السفير عمرو حلمي 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق