من أشد الذكريات ألماً وغصة هي ذكرى الفراق ورحيل الاحبة، ففي مثل هذا اليوم ومنذ تسع سنوات رحل عن دنيانا «أبي» الحبيب، الطيب الحنون حسن النية ذو القوة الأمين، فارق الدنيا الفانية بصفاء قلبًا ونفسًا طيبًة طاهرًة مطمئنة، رحل للقاء ربًا راضٍ غير غضبان، ونال شهادًة في سبيله كما نحتسبه مغادرًا الدنيا ليسعد إن شاء الله بجنان الرحمن، رحل بهدوء ولم يؤذي أحدٍ، رحل والجميع يحبه ويدعو له، رحل وهو على وجهه إبتسامًة تملأه.
تسع سنوات مرت وأنت بعيد عني هناك في الحياة الآخرة، كنت أود وأنا أكتب إليك أن أكسر كل قواعد الكتابة، فلا أكتب في المقال كله إلا كلمة واحدة: «أحبك.. أحبك.. أحبك.. أحبك». نعم سأتوقف عن ترديد هذه الكلمة كتابة، وأحتفظ بها لقلبي.
قالوا أن نسيان الأموات نعمة؛ وإلا أصيب الإنسان بحالة إكتئاب مستمرة، والحمد لله يا أحب الناس قهرت الزمن والنسيان ولم أصب بهذه النعمة! وأشكر ربي ثانية أنه اختارك إلى جواره دون أن يجعلك تتعذب كثيرًا في الدنيا بسبب البشر الموجودين فيها، فأنت طيب القلب نقي مخلص حنون لا تستطيع العيش معهم، فقلوبهم قاسية ووجوههم تتلون كالحرباء، حتى الأقربون منك.
لكنني إشتقت إليك يا أبي وأحبك.. أحبك.. نعم سأمسك نفسي يا أبتي حتى يتوازن ما أكتبه؛ هل تعلم يا حبي الكبير أنك أديت لي خدمة جليلة حتى بعد وفاتك.. قال العلماء: «تذكر الآخرة يجعل الإنسان لا يتكالب على الدنيا»، نصحوا بزيارة القبور فهي ترقق القلوب.. وبرحيلك يا أحب وأغلى الناس أصبحت أفكر كثيرًا في الآخرة حيث توجد.
أعمل في الدنيا، وأفكر في الحياة الأخرى التي تنتظرني بعد رحيلي من هذه الأرض، إنني لست خائفًا منها، يكفيني أنني سأكون معك، من المؤكد أنني لن أذهب إلى عدم، فقط ستحرر روحي من قيود جسدي لتنطلق حرة في عالم جديد، عندي يقين يا أبي أنك في الفردوس الأعلى هناك، عند رب غفورًا رحيم.
والدنيا مقارنة بالحياة الأبدية لا تساوي كثيرًا، فشكرًا يا أبتي أنك أكدت لي هذه الحقيقة التي تعلمتها من ديني، الحياة مشاغل، وكثيرًا ما كنت أنسى في زحامها الحياة الأبدية، برحيلك أنت وكل الأحباب الطيبين أصبحت أكثر اهتمامًا بالآخرة، لن أنسى لك هذا الجميل، يضاف إلى أفضالك الكثيرة التي طوقت بها عنقي.
أبي رحلت عني مبكرًا وظلت فجوة نقصانك بداخلي، ظل ذاك الفقد يؤلمني كلما مرت علينا مناسبة سعيدة كانت أم حزينة ولم تكن بيننا، لقد سكنت الحرقة قلبي وأعجز عن الحياة، فلا أرتاح حتى أبكي كل ليلة لفراقك، والله اتذكرك في كل وقت، وأراك في كل مكان، خصوصًا عندما تجمعنا قريتنا لقضاء عطلة الأسبوع أو الإحتفال بالعيد أو أي مناسبة عامة أو خاصة أتخيلك ذهبت للحقل أو الصلاة بالمسجد أو زيارة نجلتك أو نفرًا من الأهل والأحباب وسوف تدخل علينا مبتسمًا كما كنت تفعل.
أبي أحتاج لك الآن أكثر من أي وقت مضى، أحتاج لك في كل الأحيان، لقد ضاقت بي الدنيا من أفعال الكثير من حولي وتركتني وحيدًا أبكي الليالي وقلبي يتقطع شوقاً للقياك، أريد أن أشتكي لك مَن حولي من الأهل وخصوصًا «إخوتي» فقد قوي قلوبهم ووسوس شياطين الإنس من حولهم في أذنهم تجاهي، أبي تتجمع مرارة فراقك مع انشقاق قلبي وحزني الشديد من قسوة قلوبهم، فضاق صدري وانهمرت دموعي ولا أستطيع التحمل، وسريعًا ما تذكرت كلامك لي بأني الكبير ولا بد من تحملهم، فأعود مسرعًا وأسامحهم مهما كانت إساءتهم لإنهم ظهري وسندي من بعدك.
يا أبتي كنت تعلم جيدًا مدى حبي الشديد وارتباطي بكل اخواتي، وكونت أقول لك نفسي أكون مصدر السعادة لهم، وأنا أعدك يا أبي وأنت في دار الحق ونحن في دار الباطل أنني سأكون سندًا لهم وظهرًا يتقووا به و يتكئون عليه أبدًا ما حييت، مهما فعلوا من أفعال تغضب، فهم لا يعلمون مدى حبي الشديد لهم وخوفي البالغ عليهم حتى من أقرب الناس إليهم.
أبي في ذكرى رحيلك التاسع أعلم جيدًا أن رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له»، وأنا أتمنى أن أكون هذا الولد الصالح الذي يدعوا لك، فوالله منذ أن رحلت للقاء ربك لم ولن ينقطع دعائي لك، فيا من أشتاق إليك رحمة الله عليك بقدر ما هزني وجع الحنين إليك.
اللهم اغفر لأبي وارحمه برحمتك الواسعة وادخله الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين وتقبله يا رحمن يا رحيم من الشهداء، اللهم وسع له في قبره مد بصره وأجعل قبره روضة من رياض الجنة، ربي ارحم أبي تحت الأرض ويوم العرض عليك، وأمن لقائي به في جنات النعيم.. أحبك.. أحبك.. ولن أنساك أبدًا.. إبنك المخلص المحب لك دومًا.









0 تعليق