خلف الجلسة التشريعية: صراع على شكل السّلطة

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في مجلس النواب، لا تبدو الجلسة التشريعية المطروحة مجرّد محطةٍ في رزنامة العمل البرلماني، بل باتت مفترقاً سياسياً جديداً يُعيد فتح النقاش حول موازين القوى في البلد. فخلف جدول الأعمال المعلن، يدور صراع مزدوج: من جهة، على من يملك حقّ تحديد قواعد اللعبة في الانتخابات المقبلة، ومن جهةٍ أخرى، على من سيقرّر شكل السلطة التي ستولد بعدها. لذلك، لا أحد يتهيّأ فعلياً لحضور الجلسة بقدر ما يستعدّ لتوظيفها في معركة النفوذ المقبلة، بعدما تحوّل النقاش حول القانون الانتخابي إلى اختبارٍ مبكر على السلطة نفسها.

Advertisement


وبحسب مصادر سياسية مطّلعة، يتمسّك محور "المقاومة" بالقانون الانتخابي النافذ، بوصفه أحد أعمدة التوازن السياسي القائم. فالقانون الحالي، من وجهة نظره، ليس مجرّد نصٍّ تنظيمي، بل درعٌ يحمي النفوذ الذي كرّسته الانتخابات الماضية. ومن هنا، تُقرأ أيّ محاولة لتعديله كتهديدٍ مباشرٍ لمعادلةٍ نجحت حتى الآن في إبقاء ميزان القوى راجحاً لصالحه، فيما يرى أن المطالبة بتعديل بند تصويت المغتربين تمهيدٌ لتشكيل أكثريةٍ جديدة قادرة على فرض رئيسٍ للجمهورية وحكومةٍ من خارج خطّه السياسي.

وفي المقابل، تشير المصادر إلى أنّ القوى المناهضة لمحور المقاومة، وفي طليعتها "حزب القوات اللبنانية"، ترى في تعديل القانون فرصتها لإعادة التوازن داخل المجلس المقبل. فهي تدرك أن أي انتخابات وفق القانون الحالي ستُعيد إنتاج المشهد نفسه، وتسعى إلى توسيع الكتلة المعارضة من خلال استثمار الصوت الاغترابي. وهكذا يتحوّل شعار "حق المغتربين في الاقتراع الكامل" إلى واجهةٍ لرهانٍ أوسع هدفه تعديل موازين القوى وليس مجرّد تصحيحٍ في قانونٍ انتخابي.

وبين هذين الخطّين، يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يقدّم نفسه كحارسٍ للميثاقية والتوازن الوطني، رافضاً إسقاط التوافق الطائفي لمصلحة منطق الأكثريات العددية. غير أنّ هذا الخطاب، وإن بدا في ظاهره دفاعاً عن التعايش، يحمل بُعداً سياسياً أعمق، إذ يتيح له البقاء في موقعٍ وسط يحفظ له دور "بيضة القبّان" داخل النظام، فلا يُحرج بين معسكرين متقابلين، ولا يُستبعد عن التسوية المقبلة. ولذلك يفضّل إبقاء اللعبة مفتوحة، على أن تُحسم موازين القوى قبل أوانها.

وترى المصادر أنّ الجلسة التشريعية نفسها لم تعد مجرّد مناسبةٍ دستورية، بل اختبارٌ سياسيّ على شرعية إدارة اللعبة النيابية. فالمعركة لم تعد تدور حول مضمون القانون بقدر ما أصبحت تدور حول من يملك حقّ فتح القاعة أو إقفالها. أمّا خيار المقاطعة الذي لجأت إليه بعض الكتل المعارضة، فلا يبدو سوى استمرارٍ لنهج التعطيل الذي عطّل الاستحقاقات السابقة، إذ يُستخدم كسلاحٍ لإفشال الجلسة قبل انعقادها بدل مواجهة النقاش داخلها، ما يُفقد المؤسسات معناها ويُبقي البلد أسير الشلل والمزايدات.

وتضيف المصادر أنّ خطورة المشهد تكمن في أنّ النظام اللبناني نفسه يُدار منذ سنوات بالمنطق ذاته الذي تحكمه هذه المعركة، أي منطق تعطيل المؤسسات عند غياب التوافق واستخدام القوانين كأدوات ضغط. فبدل أن تكون الانتخابات مناسبةً لتجديد الحياة السياسية، تحوّلت إلى ساحةٍ لإعادة تثبيت موازين القوى ذاتها، وإلى اختبارٍ دائمٍ لقدرة كلّ طرفٍ على فرض شروطه داخل اللعبة. ومن هذه الزاوية، لا ينحصر الخلاف الراهن في مسألة قانون انتخاب، بل يتّصل ببنية السلطة اللبنانية نفسها، التي باتت عاجزة عن إنتاج قراراتٍ من داخل مؤسساتها.

في الخلاصة، لا تبدو معركة قانون الانتخاب سوى انعكاسٍ جديدٍ لأزمةٍ أعمق يعيشها لبنان، حيث يتحوّل كلّ استحقاقٍ دستوري إلى ساحة تصفية حساباتٍ سياسية بين القوى نفسها. فالنقاش الذي يُفترض أن يكون تقنياً ينكشف في جوهره صراعاً على من يرسم خريطة السلطة المقبلة، ومن يملك حقّ التحكّم بموازينها. ومادام القرار السياسي يُصاغ خارج المؤسسات، ويبقى الداخل رهينة التجاذبات، ستبقى الانتخابات واجهةً لأزمةٍ مستمرة يُعاد تدويرها في كلّ دورةٍ سياسية جديدة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق