لا تزال أصداء كلاسيكو الأرض بين ريال مدريد وبرشلونة تدوي مسامع الجميع حول العالم، اللاعبون المميزون أداء كيليان مبابي الجبار في المباراة رغم إهداره ركلة جزاء، وفي المقابل الأداء المخيب الذي ظهر به لامين يامال في المباراة حامية الوطيس، هل هي مباراة عابرة وأداء لحظي أم هناك ما يوجد ما هو أعمق.
لامين يامال وكيليان مبابي؛ للوهلة الأولى وعندما تسمع تلك الأسماء فأول ما سيتبادر إلى ذهنك؛ المهارة والسرعة والدقة وكل المهارات الخارقة التي يتمتع بها كل لاعب ولكن ليس هذا ما سنتحدث عنه ولكن سنتحدث عن الاختلافات بينهم والتي جعلت كيليان مبابي ماهو عليه ومسيرته في منحنى تصاعدي وبذورها تلك الاختلافات من الممكن أن تأخذ منحنى لامين إلى قاع اللعبة، في محاولة للغوص داخل تفاصيل كلٍ منهم والنظر من منظور يوضح التناقضات بين الفرنسي والإسباني.
نشأة لامين يامال “القاسية”
لامين يامال مراهق إسباني مغربي ولد في إسبانيا عن أم نادلة وأب عامل في طلاء المباني نشأ في ظروف صعبة وقاسية، ولم يكن لامين وحده الذي عاش تلك الظروف الموضوع متجذر في أسرته منذ أن هاجرت جدته إلى إسبانيا في حافلة مرورًا بوالديه، حتى لامين لم يسلم في بداياته من تلك لظروف.
لامين يامال: “جدتي كانت الأولى في الوصول، عبر حافلة من المغرب حتى وصلت ماتارو “بلدة في برشلونة”، عملت في 3 ورديات يومية لكي يتمكن والدي من المجيء، لأنه كان في المغرب”
نشأ لامين يامال في بلدة ماتارو، وتحديدا في حي روكافوندا المتواضع وعلى عكس أقرانه لم يكن لامين يحب لعب الكرة بالشارع ولا حتى مع أصدقائه في المنطقة لتي كان يقطن بها ولكن كان يتوجه بكرته إلى ملعب متواضع في حي روكافوندا ومن هنا كانت الشرارة.
كان والد لامين يريد عرضه على نادي ريال مدريد، لكن مسكتشف المواهب الكروية إيسيدري جيل نصحه بالتوجه إلى نادي برشلونة.
كان الصبي يبلغ 7 سنوات في صيف 2014، عندما نجح في اختبارات أكاديمية لاماسيا التابعة لنادي برشلونة، وسجل 3 أهداف في أول اختبار وأعجب المدرب ديفيد سانشيز بمهاراته، وبدأ في التدرج في الفئات العمرية حتى أصبح ما عليه الآن.
ولكن السؤال الذي يجدر أن يسأل ما الذي عليه صاحب الـ18 ربيع الآن.
بين ليلة وضحاها أو بالأحرى بين موسم وآخر تحول لامين من لاعب بالأكاديمية أخذ فرصة في مباراة رفقة الفريق الأول إلى نجمه الساطع وملأ ضوئه كامب نو كما يملأ ضوء القمر عتمة الليل.
أصبح يامال أصغر لاعب يشارك مع منتخب بلاده، وأصغر من يسجل بألوانها وكذلك ناديه، كل ذلك ولم يكمل الفتى عامه الـ18، فأضحى حديث العالم بأداءه داخل المستطيل الأخضر، وخارجه أيضًا.
كما أخذت رحلة لامين يامال منحنى تصاعدي بسرعة الصاروخ، فلم يصاحب القفزات السريعة للأمام نضج كافٍ، فبدأ لامين يثرثر بالتصريحات على خصومه وعلى الفرق المنافسة، وبدأت حياته تتحول وتأخذ نمطًا غريبًا خارج الملعب، ولكن ما لم يكن يدركه أن في كرة القدم لا توجد ثوابت وأنك وانت اليوم على القمة وتفتك بخصومك فتك، يجب أن تضع صوب عينيك اليوم الذي لن تكون فيه بأفضل أحوالك حتى لا تسقط من عليائك فجأة.
فبدأت النتائج مع مطلع الموسم تدهور رفقة النادي الكتالوني، أداء لامين تحول من نثر سحر خاص به على أرض كامب نو إلى نشاز محاولات فردية لا تبوء بالنجاح أنانية في الكثير من الأحيان حتى أثار سخط أصدائه بالملعب، تعالت صيحات الانتقادات ليامال من جمهوره الذي طالما تغنى باسمه وكذلك المدرب والإدارة.
وظهر ذلك جليًا في المباراة الأخيرة أمام ريال مريد، حيث خرج لامين من المباراة بإحصائيات كارثية على المستوى الفردي والجماعي، لمس الإسباني الكرة 79 لمسة، لم يسدد أي تسديدة على المرمى، خسر الاستحواذ 22 مرة.
التأثيرات لنفسية والمرحلة العمرية على اللاعب
ولكن هل المراهق صاحب الـ18 عام يدرك كل هذه الأشياء؛ أوضح عالم النفس إريك إريكسون في نظريته التطور النفسي الاجتماعي، أن الإنسان في مرحلة لامين العمرية يمر بعدة مراحل وهي نظرًا لتطوره الجسدي والفكري، وأن ما يمر به يامال سلوكيات ليست تمردًا فقط، بل جزء من رحلة تكوين الهوية أمام المجتمع والجماهير.
ففي حديثٍ سابق صرح يامال عن قدوته وأعرب عن حبه وأنه يفضل أسلوب لعب نيمار وكان يتابع فيديوهاته بشغف منذ صغره وقد نشر يامال رسالة لإظهار احترامه وتقديره لنيمار، واصفًا إياه بأنه "قدوة"
وعن الفردية وتفضيل النفس على حساب الفريق، فقال ألبرت باندورا في نظريته التعلم الاجتماعي، إذا النموذج الذي يشاهده يقدّر الفردية على الجماعية، قد يتبناها المراهق.
وبعد كل التحليلات النفسية العميقة والغوص في السيكولوجية البشرية النفسية، من المؤكد أن المراهق "لامين يامال" لا يلقي بالًا لكل هذا، ولكن على من يُلقى عاتق إدارة تلك الموهبة الفذة، لكي لا تذهب أدراج الرياح!.
دور العائلة في حياة لاعب كرة القدم “سلاح ذو حدين”
في إحدى القابلات مع كريستيانو رونالدو في سياق الحديث عن العائلة تحدث البرتغالي وقال: "عائلتي هي من تمنحني القوة للاستمرار. بدون حبهم ودعمهم، لم أكن لأصل إلى ما أنا عليه الآن."
فوجود العائلة بحياة أي شخص ضروريًا لتقدمه وتوفير البيئة المناسبة للنمو والتطور، مثلما كان الحديد ضروريًا لصقل السيف.
ففي حالة لامين يامال فإن الشاب الإسباني يفتقد إلى القيادة والتوجيه الرشيد من جانب العنصر الأهم في حياة أي شخص وليس لاعب كرة القدم فقط، ففي إحدى الأيام ظهرت شيلا إيبانا والدة يامال لتطلق عملها الخاص؛ وهو العشاء مع أم ثاني أفضل لاعب بالعالم مقابل المال، وفي الجهة المقابلة ظهر والدة الأخير المغربي في حفل الكرة الذهبية وهو يطلب من ثلة شباب يريدون التقاط صورة تذكارية معه، المال مقابل تلك الصورة كما أفادت صحيفة “ماركا” الإسبانية.
فمن المواقف التي ذكرت بالأعلى فإن والدان الشاب الإسباني يتعاملون معه كمصدر للربح، لا لحمايته إعلاميًا أو حمايته من نفسه في تلك المرحلة العمرية، بدلًا من تطويع تلك لموهبة للوصول إلى قمة المجد الكروي واستدامة تلك الهبة الربانية.
إذا وصلت إلى هنا فهناك اسم ذكر بثاني فقرة للاعب يتشابه كثيرًا مع لامين يامال من حيث سرعة الصعود الصاروخية والظهور المميز في نفس السن تقريبًا، وهو الفرنسي كيليان مبابي، ولكن التشابه هنا في الموهبة فقط ويختلفان تمامًا في البيئة المحيطة وكيفية إدارة كل منهم لها.
فايزة العماري “وكيفية إدارة المواهب”
بدأ كيليان مبابي مسيرته الاحترافية في نادي موناكو وسرعان ما أبرز موهبته وقدراته الممتازة، حتى صار محط أنظار عمالقة القارة العجوز، وبدأ الوكلاء بالتهافت على الموهبة الصاعدة بسرعة الصاروخ، الأندية تريد التعاقد مع مبابي والوكلاء يردون المكاسب التي ستُجمع من وراء تلك الصفقة الجنونية، وكان على طاولة فايزة العماري والدة مبابي ووكيلة أعماله في الوقت ذاته عدة عروض من ريال مدريد ومانشستر سيتي وتشيلسي وباريس سان جيرمان وبعض الأندية الأخرى، وفي الأخير وقع الاختيار على باريس سان جيرمان.
ففي لقاء صحفي لفايزة العماري مع شبكة "Sportskeeda" تحدثت عن اختيارها باريس بالأخص: «قبل أربع سنوات، عندما اختار باريس سان جيرمان، لم أكن أريده أن يرحل... قبل أربع سنوات، كان ريال مدريد أكثر جاذبية من باريس سان جيرمان، لكننا اخترنا باريس».
وظهرت الحكمة في إدارة موهبة مبابي بوضوح صارخ في هذا الاختيار نادي كبير في بلاده يشارك باستمرار بدوري أبطال أوروبا، دوري أجواءه ملائمة لنضوج الشاب الصغير، فاجتمعت كل عوامل النجاح تحت أقدام كيليان مبابي ولم يكذب الفرنسي خبرًا، أصبح الهداف التاريخي للنادي الباريسي وبدأت مسيرته في التصاعد حتى وصل إلى قمة الهرم الأوروبي بتحقيقه حلم طفولته وارتداءه قميص عملاق الأندية الأوربية ريال مدريد، ولاتزال مسيرته تأخذ نسق تصاعدي، بفضل موهبته الربانية ومن ثم إدارة واعية لموهبته وضعتها في إطار جعلت من النجاح شيء محتوم.
وفي النهاية من الممكن أن نختزل كل التحليلات ومحاولة الغوص داخل تفاصيل هذا الفرنسي وذاك الإسباني، أنه لا يزال الطريق طويل أمام كلا منهم وأن على قدر التضحيات تأتي المكافآت، ومن الممكن أن ينقلب لامين على كل ما يشوب ذهنه، لأن مع تقدم الكرة ودخول التقنيات والتفاصيل الدقيقة بدأت اللاعبين أمثال يامال في الاندثار اللاعب الذي ينتزع منك الصيحات، فمثل الاعبين أمثال لامين يامال لعبت كرة القدم وشاهد الناس الساحرة المستديرة، فنحن بانتظار انقلاب يامال على نفسه لأن المتعة التي يحدثها عند مراوغة ثلاثة لاعبين على الخط ووضع الكرة بالمرمى لا يضاهيها شيء منذ أن لعبت أهم الثانويات على الإطلاق.













0 تعليق