هل تستطيع مصر حقا منع إسرائيل من مهاجمة إيران مرة أخرى؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
ذكر موقع "Responsible Statecraft" الأميركي أنه "في سلسلة من المكالمات المُعدّة بعناية، كان بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، يتنقل بين نظيره الإيراني، عباس عراقجي، والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي، في محاولةٍ لإنقاذ إيران وأميركا وإسرائيل من حافة الهاوية".

Advertisement


وبحسب الموقع، "قبل أشهر قليلة، كان نفوذ القاهرة في أدنى مستوياته، إذ طغت عليه ثروات دول الخليج النفطية. وبينما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُبرم صفقات ضخمة في قاعات اجتماعات مجالس الإدارة المرموقة في الرياض وأبو ظبي، كانت علاقات أميركا مع حليفتها القديمة مصر قد أصبحت متوترة للغاية، وتوترت العلاقة لدرجة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رفض دعوةً لزيارة البيت الأبيض. وكانت نقطة الخلاف هي خطة ترامب الجريئة لإعادة توطين أكثر من مليوني فلسطيني في غزة بشكل دائم، مما يحول القطاع الذي مزقته الحرب إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"."

وتابع الموقع: "لكن على خلفية وساطة شاقة، ولكنها ناجحة في نهاية المطاف، أسفرت عن وقف إطلاق نار هش في غزة، فقد برزت مصر من جديد باعتبارها المحاور الأساسي في المنطقة. وبعد مشاركته في استضافة قمة شرم الشيخ للسلام مع ترامب، واختياره لقيادة قوة استقرار عالمية مُخطط لها في غزة، ينعم السيسي بعودة دبلوماسية. وحتى زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، يرى الآن أن القاهرة هي المحور، مُصرّحًا: "ما تحتاجه غزة هو سيطرة مصرية". الآن، تُحاول القاهرة تحقيق إنجازٍ أكثر جرأةً: جَسْر الهوة بين واشنطن، حليفتها إسرائيل، وطهران. في الحقيقة، المهمة جسيمة، فقد أدت حرب حزيران التي استمرت 12 يومًا، وشهدت قصف قاذفات أميركية وإسرائيلية لمواقع نووية وعسكرية إيرانية، إلى انهيار الدبلوماسية. وفي الواقع، لم يمنع هذا ترامب، بعد انتصاره في غزة، من التطلع إلى جائزة أكبر، ففي خطاب ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي، قال متأملاً: "أتعلمون ما هو الرائع؟ لو عقدنا اتفاق سلام مع إيران... ألن يكون ذلك رائعاً؟"

وأضاف الموقع: "ينبع هذا التفاؤل بشأن إبرام الصفقات من البيت الأبيض. وقال ويتكوف بحماس في مقابلة أجريت معه مؤخرًا: "إن إبرام اتفاق سلام أصبح أمرًا مُعديًا"، وألمح إلى حملة دبلوماسية أوسع نطاقًا، مضيفًا: "نتلقى اتصالات من الإيرانيين. نحن هنا، كما تعلمون، للتوصل إلى حل دبلوماسي طويل الأمد مع إيران". لقد كان رد فعل طهران فاترًا كما هو متوقع. فبعد رفضه دعوةً لحضور قمة شرم الشيخ، سخر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من ادعاء ترامب بتدمير البرنامج النووي الإيراني، قائلاً له: "استمر في الحلم!". كما ورفضَ مبادرات الرئيس الأميركي، قائلاً: "إذا اقترنت الصفقة بالإكراه وكانت نتيجتها محددة مسبقًا، فهي ليست صفقة، بل فرضٌ وتهديد". وللتأكيد على هذه النقطة، كشفت طهران منذ ذلك الحين عن ترسانة صاروخية مُجدَّدة، في إشارة على استعدادها لجولة جديدة من القتال مع إسرائيل. ومع ذلك، ففي ظل هذه البيئة المضطربة تحديدًا، تُرسّخ مصر دورًا فريدًا، وينبع نفوذها من مزيج من العلاقات المتجددة، والنتائج المُثبتة، والشراكات الدائمة".

وبحسب الموقع، "أولها هو تقاربها الهادئ والبراغماتي مع إيران. فبعد أربعة عقود من العلاقات المتجمدة، يُجبر التقاء الأزمات والفرص القاهرة على إعادة النظر استراتيجيًا. إن العامل الأكثر إلحاحاً هو العامل الاقتصادي، فقد أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، بدعم من إيران، إلى الإضرار بشدة بإيرادات قناة السويس، وهي شريان اقتصادي حيوي. وهذا دفع القاهرة إلى التواصل المباشر مع طهران، التي يُنظر إليها على نطاق واسع، وإن كانت تنفي سيطرتها المباشرة، على أنها تُمسك بزمام الأمور في كل ما يتعلق بشؤون الحوثيين. علاوة على ذلك، أدى توسط الصين في تحقيق انفراج سعودي-إيراني عام 2023 إلى تفكيك التكتل المتشدد المناهض لطهران بقيادة دول الخليج، مما منح القاهرة الحرية الدبلوماسية اللازمة للتصرف دون إغضاب رعاتها الماليين".

النتيجة الملموسة

وتابع الموقع، "ثانيًا، والأهم من ذلك، أن مصر قد حققت بالفعل نتيجة ملموسة. ففي التاسع من أيلول، نجحت في التوسط في اتفاق إطاري بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما أعاد نظام التفتيش الذي انهار بعد حرب حزيران مع إسرائيل. وجاء هذا الإنجاز الدبلوماسي في وقتٍ وصلت فيه الدبلوماسية الغربية إلى طريقٍ مسدود، إلا أنه أثبت قدرة القاهرة على إنجاز العمل الفني القائم على الثقة، والذي غالبًا ما يعجز عنه السياسيون المتباهون، مُقدمةً نفسها كوسيطٍ موثوقٍ بين الغرب المتشكك وإيران المحاصرة. وتهدف المحادثات المستمرة بين عبد العاطي وغروسي، والمدير العام للوكالة الإيرانية عباس عراقجي، وويتكوف، إلى البناء على هذا الاختراق الصغير ولكن الحيوي. أما ثالث مكسب لمصر فهو العمق المؤسسي لشراكتها مع الغرب، وتشكل معاهدة السلام التي أبرمتها مع إسرائيل حجر الأساس للنظام الأمني الإقليمي، كما تظل من أهم المتلقين للمساعدات العسكرية الأميركية". 

وأضاف الموقع: "لا ينبغي النظر إلى هذا الانفتاح الدبلوماسي على أنه تمهيد لسلام شامل، فالعقبات هائلة، متجذرة في السياسة الداخلية للأطراف الثلاثة. فالجمهورية الإسلامية، رغم ضعفها وتشرذم "محور المقاومة" التابع لها بسبب الانتكاسات في سوريا ولبنان، ليست كتلةً واحدةً تسعى إلى مخرج. في الواقع، إن رفض آية الله خامنئي مؤخراً للمبادرات الأميركية باعتبارها "إكراهاً" هو بمثابة تصديق علني على النظرة العالمية للجمهورية الإسلامية، والتي ترى أن أي اتفاق مع أميركا أو إسرائيل، وخاصة بعد انتهاك سيادتها، من شأنه أن ينفي المبادئ الثورية ذاتها التي تستند إليها شرعيتها. في هذه الأثناء، يبدو حديث إدارة ترامب عن الصفقات فارغًا عند مقارنته بأفعالها. فبينما لا يزال احتواء البرنامج النووي الإيراني هو السياسة المعلنة، فإن مشاركتها في الضربات على الأراضي الإيرانية وخطابها الذي يُوحي بتغيير النظام قد أضعف مصداقيتها كمفاوض. ومن وجهة نظر الإيرانيين، لا جدوى من التفاوض مع طرف يبدو أنه يُفضل القنابل الخارقة للتحصينات على الاختراقات الدبلوماسية".

وبحسب الموقع، "بالنسبة لإسرائيل، لم يُترجم شعورها بالنصر بعد حرب حزيران إلى رغبة في الدبلوماسية، ويبدو أن رئيس وزرائها ومؤسستها الأمنية ملتزمان بمبدأ "جزّ العشب"، وهي استراتيجية عمل عسكري استباقي متواصل لإضعاف قدرات الخصوم. وبعد أن أضعفت الدفاعات الجوية الإيرانية ورسخت حرية الطيران، ترى تل أبيب أن الوقت قد حان لاستغلال هذه الميزة، لا التنازل عنها على طاولة المفاوضات، وهذا يتعارض جوهريًا مع الرغبة الأميركية الأخيرة في التوصل إلى "صفقة" نهائية لإنهاء الصراع. ويُشكّل هذا التباين بين الحليفين عقبةً صعبةً أمام أي وسيط، فضربةٌ إسرائيليةٌ استباقيةٌ أخرى قد تُقوّض الدبلوماسية المصرية الهشّة في لحظة".

وختم الموقع، "رغم أن مثلث السلام الكبير بين أميركا وإسرائيل وإيران لا يزال بعيد المنال، فإن ما هو ممكن هو دور أقل طموحا ولكن أكثر حيوية لمصر باعتبارها المسؤولة عن خفض التصعيد في المنطقة. لا تستطيع القاهرة تفكيك طموحات إيران النووية أو حل العداء الجذري بينها وبين إسرائيل، لكنها قادرة على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، والتوسط في اتفاقيات تقنية تبني الثقة".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق