نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية مقالا للكاتبة ناتالى توتشى بشأن دور الاتحاد الأوروبي في الحرب في غزة.
وقالت توتشى في مقالها في الصحيفة أن المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة تعد بمثابة ارتياح للزعماء الأوروبيين. وأضافت أنه بعد عامين من المذابح، فإن وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، والانسحاب الجزئي للجيش الإسرائيلي من غزة، ووصول المساعدات الإنسانية إلى الأراضي الفلسطينية، يعطي سببا للأمل، ولكن للأسف، يعطي أيضا ذريعة لأوروبا للاستمرار في عدم فعل أي شيء.
الحكومات الأوروبية تظهر أسوأ وجه لها خلال الحرب بغزة
وعندما يتعلق الأمر بالحرب في غزة، وعلى النقيض من الحرب الروسية الأوكرانية، أظهرت الحكومات الأوروبية أسوأ وجه لها، وذلك بسبب انقسامها، وهذا الانقسام أدي إلى شلل سياسي. ولكن الأسوأ من ذلك هو أن الحكومات الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل يمكن اتهامها بالتواطؤ في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، حيث أنها لم ترغب في ممارسة أي ضغوط على إسرائيل، مع استمرار التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري معها. لقد أثارت انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي غضبا كبيرا بين الشعوب الأوروبية، لكن حكومات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي فقدت التواصل مع مواطنيها، وخاصة الشباب، وفقا للكاتبة.
وأشارت توتشى إلي أنه قبل خمس سنوات فقط، دافع الاتحاد الأوروبي عن أجندة المناخ، واستجاب لمطالب العديد من الشباب الأوروبيين. وهؤلاء الشباب أنفسهم مصدومون من تقاعس قادتهم بشأن ما يحدث في غزة. لقد استغرق الأمر عامين من الحرب التي يعتبرها الكثيرون إبادة جماعية حتى تعترف فرنسا وبريطانيا والبرتغال وبلجيكا ولوكسمبورج ومالطا بالدولة الفلسطينية، على غرار إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا العام الماضي.
ولفتت الكاتبة إلي أنه في الشهر الماضي فقط اقترحت المفوضية الأوروبية أول إجراءات عقابية خجولة تجاه إسرائيل، بما في ذلك فرض عقوبات على الوزراء المتطرفين والمستوطنين العنيفين، وتعليق الامتيازات التجارية، ولكن لم يتم تنفيذ ذلك. إن الخيار الأول يتطلب اتفاقا بالإجماع بين حكومات الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وهو أمر غير مرجح نظرا للمعارضة القوية من جانب أقلية من البلدان مثل المجر والتشيك. ومن الممكن أن يتم تنفيذ الخطوة الثانية بأغلبية مؤهلة، ولكن نظرا لمعارضة ألمانيا وإيطاليا، فإن هذه الخطوة الأكثر أهمية ظلت أيضا حبرا على ورق.
غزة تكشف تناقض الاتحاد الأوروبي
وفي يونيو الماضي، وجد الاتحاد الأوروبي أن إسرائيل انتهكت التزاماتها في مجال حقوق الإنسان بموجب اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. ولكن يوم الاثنين الماضي، أوقفت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، الجهود الرامية إلى تعليق الامتيازات التجارية التي يوفرها الاتفاق. وأشارت توتشى إلي أنه لا يمكن أن يكون التناقض مع حزم العقوبات التسعة عشر التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا أكثر وضوحا. وفيما يتعلق بأوكرانيا، وقفت أوروبا شامخة دفاعا عن الديمقراطية والقانون الدولي، وفيما يتعلق بغزة، فقد حطمت مصداقيتها في نظر العالم.
وأوضحت الكاتبة أنه الآن وفرت خطة ترامب لأوروبا طريقا للهروب. لقد مكن ذلك الحكومات والمؤسسات الأوروبية من أن تبدو وكأنها تتبنى مطالب واشنطن، تماما كما فعلت، وإن كان ذلك بشكل غير مريح، فيما يتعلق بأوكرانيا ومجالان الدفاع والتجارة. وقد سمح لها ذلك بالإعلان عن دعم عملية السلام في الشرق الأوسط، وتحويل الاهتمام من الإجراءات العقابية تجاه إسرائيل إلى الدعم الأوروبي للخطة الأمريكية.
وقالت توتشى أن أوروبا تمكنت من التراجع إلى منطقة الراحة الخاصة بها من خلال لعب دور ثانوي بعد الولايات المتحدة. وفي حين أنه من المتوقع أن تقوم الدول العربية والإسلامية بالعمل الشاق المتمثل في تشكيل قوة استقرار دولية في غزة، فإن الحكومات الأوروبية تصطف للمساهمة في تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار ودعم الحكم ومراقبة الحدود. ولقد اختفى الحديث عن الضغط على إسرائيل. وعلاوة على ذلك، تصر إسرائيل على أنها لن تسمح للأوروبيين بلعب دور في إعادة إعمار غزة إلا إذا تم إسقاط التدابير العقابية التي اقترحها الاتحاد الأوروبي.
تنفيذ خطة ترامب بعد مرحلتها الأولى أسهل قولا من الفعل
واعتبرت الكاتبة أن خطة ترامب هي الخطة الوحيدة المتاحة، والخطة الوحيدة التي لديها أي فرصة للنجاح، حتي لو كانت صغيرة. وهذا ليس بسبب جودة الخطة، بل لأن الولايات المتحدة هي اللاعب الوحيد الذي يتمتع بالنفوذ اللازم على إسرائيل لحمل حكومتها على تغيير مسارها. وعلى هذا فإن دعم الدبلوماسية الأمريكية ليس مناسبا للأوروبيين فحسب، بل إنه منطقي أيضا. ومع ذلك، فإن المضي قدما في تنفيذ الخطة بعد مرحلتها الأولى أسهل قولا من الفعل، حيث هناك الكثير من العقبات. ومن غير المرجح أن تنسحب إسرائيل بالكامل من غزة ما لم تنزع حماس سلاحها. لكن حماس لن تنزع سلاحها بالكامل ما لم تنسحب إسرائيل.
وتهدف الخطة الأمريكية إلى الانتقال نحو الحكم الذاتي الفلسطيني، مع التركيز في البداية على تشكيل حكومة التكنوقراط ثم إجراء إصلاحات بالسلطة الفلسطينية. لكن إصلاح السلطة الفلسطينية يعني أشياء مختلفة جذريا بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية والفلسطينيين أنفسهم. ولا تعترف إسرائيل بالسلطة الفلسطينية بشكل كامل، بالإضافة إلي رفضها لإنشاء الدولة الفلسطينية، وفقا لتوتشى.
وكانت الحكومة الإسرائيلية واضحة تماما في تكرار هدفها الثابت، وهو تدمير حماس، وتجنبت عمدا الحديث عن إنهاء الحرب. ولم تحترم إسرائيل وقف إطلاق النار بشكل كامل: فمنذ دخوله حيز التنفيذ، استشهد العشرات من المدنيين الفلسطينيين على يد إسرائيل.
مخاوف من استئناف العدوان
وأشارت الكاتبة إلي أنه ما لم يمارس المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، ضغوطا أكبر بكثير على إسرائيل، فإن الاحتمالات تشير إلى استئناف العدوان، وبقاء غزة، وكذلك الضفة الغربية، تحت سيطرة الاحتلال. كما أن النقاط المتبقية من خطة ترامب لن ترى النور.
وقالت توتشى أن هذا ليس الوقت المناسب للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء للشعور بالإعفاء من المسؤولية، أو التخلي عن التحركات الخجولة الأولى نحو التدابير العقابية علي إسرائيل. إن الضغوط التي تمارس على إسرائيل هي السبيل الوحيد للتغلب على العقبات السياسية، وإذا تحقق ذلك فإن أوروبا قادرة أخيرا على تقديم مساهمة صغيرة، ولكنها إيجابية، على الأقل، في السلام في المنطقة.




0 تعليق