القمة المصرية الأوروبية الأولى

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الخميس 23/أكتوبر/2025 - 10:17 م 10/23/2025 10:17:04 PM

تُعد القمة المصرية الأوروبية، التي يشارك فيها السيد رئيس الجمهورية في بروكسل يوم 22 أكتوبر 2025، محطةً محوريةً في مسار العلاقات بين الجانبين، لما تحمله من أهمية سياسية واقتصادية وتنموية وجيوسياسية، وتمثل هذه القمة الأولى على مستوى القادة بعد توقيع "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة" بين مصر والاتحاد الأوروبي في مارس 2024، والتي بموجبها ارتقت العلاقات من شراكة اقتصادية كمحور للعلاقة الثنائية إلى تحالف سياسي واستراتيجي شامل.
تهدف عامة اتفاقيات "الشراكة الاستراتيجية" إلى تأكيد أن جميع الأطراف تتمتع بالتزامات وحقوق متساوية، وتوضح بعض الدراسات المتخصصة في الشأن الأوروبي أن مفهوم الشراكة الاستراتيجية لدى الاتحاد يعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية هي: تعزيز التجارة والاستثمار، والتحالف من أجل دعم التعددية والتعاون الدولي، وتقاسم الأعباء في المسائل الأمنية، وتكمن أهمية هذا النوع من التعاون في كونه يُحوّل العلاقة من تعاون اقتصادي يقوده الاتحاد الأوروبي في إطار برامج إصلاحية شاملة، إلى تعاون يقوم على التكافؤ بين الجانبين في جميع مجالات التعاون.
وتنعقد القمة المصرية الأوروبية في توقيت يتواكب مع تصاعد فاعلية الجهود المصرية على المستويين الدولي والإقليمي؛ فقد برهنت "قمة شرم الشيخ" على قدرة مصر وفاعليتها في قيادة تعاون دولي متعدد الأطراف لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، باستثمار كافة الفرص المتاحة، وفي مقدمتها خطة ترامب للسلام، فضلًا عن دورها في إدارة المساعدات الإنسانية لغزة، التي تحملت معظم أعبائها من ميزانيتها على مدار عامين من الحرب، كما تواصل مصر دورها كوسيط إقليمي في إعادة مسار المفاوضات بين وكالة الطاقة الذرية وإيران، وتسعى في الوقت ذاته إلى وقف الحرب في السودان.
أما على الصعيد المؤسسي الدولي، فإن نجاح مصر في قيادة منظمة اليونسكو بفوز مرشحها على مقعد المدير التنفيذي باكتساح، وانضمامها إلى عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات، إلى جانب تسلمها رئاسة المنظمة الدولية للتقييس (الأيزو) خلال الفترة من 2026 إلى 2028، يعكس تنامي الثقة الدولية في الدور المصري على الساحة العالمية.
وتُعد مصر بالنسبة للاتحاد الأوروبي شريكًا استراتيجيًا لما تملكه مصر من ثقل سياسي على المستويين الدولي والإقليمي، ولدورها المحوري في دعم الاستقرار الإقليمي، ما ينعكس مباشرة على الأمن القومي الأوروبي، خاصة في ملف تدفقات الهجرة غير النظامية وغير الشرعية المتجة الي حدوده، والتي يُعدّها الاتحاد الأوروبي من أبرز التحديات التي تهدد أمنه واستقراره، وترتبط بهذه التدفقات جرائم الاتجار بالبشر، وزيادة جرائم الكراهية والتمييز والإرهاب، كما تقع بسببها بعض الدول الأوروبية في ممارسة انتهاكات جسيمة ضد المهاجرين والنازحين عبر البحار، الأمر الذي يضع الاتحاد الأوروبي في موقف حرج حيال عدم امتثال بعض أعضائه لقيم حقوق الإنسان التي يعتبر نفسه الأمين عليها دوليًا إلى جانب منظمة الأمم المتحدة.
وحيث إن ملف حقوق الإنسان على المستوى الدولي قد تعرّض لتراجع في الرأي العام بشأن قدرة وفاعلية المنظومة الحقوقية الدولية، وعجز ترسانتها القانونية في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما تلك التي شهدها العالم خلال العامين الماضيين من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وانتهاكات ارتُكبت ضد الشعب الفلسطيني، فإن محور "حقوق الإنسان والحوكمة" في الشراكة الاستراتيجية يكتسب أهمية خاصة لإعادة بناء الثقة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وإيجاد آليات تحول دون تكرار مثل هذه الانتهاكات، وتوفّر هذه القمة مساحة مهمة للنقاش والتوافق في هذا المجال، فضلًا عن تعزيز التعاون الثنائي في دعم حقوق الإنسان لدى الجانبين من خلال أطر للتعاون بعيدًا عن لغة "المشروطية" التي لطالما مثلت حاجزًا خفيًا أمام شراكة كاملة ومتوازنة في مجال حقوق الإنسان.
كما تمثل القمة فرصةً مهمةً لتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية. ووفقًا لإحصاءات المفوضية الأوروبية، يُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر بنسبة 22% من إجمالي تجارتها الخارجية لعام 2024، والمستورد الرئيسي للسلع المصرية بنسبة 26.5% من إجمالي صادرات السلع. وتشمل واردات الاتحاد الأوروبي من مصر بصفة رئيسية المنتجات المعدنية، والمنتجات الكيميائية، والمنتجات النباتية.
وتُعد "الطاقة" عنصرًا رئيسيًا في الشراكة الاستراتيجية الشاملة، إذ تفتح آفاقًا جديدة للاستثمار الأوروبي في مجالات الطاقة، خاصة في ظل ما تتمتع به مصر من سوق واعد في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة. وقد عبّر الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن أن مصر شريك استراتيجي في الاستقرار والطاقة وإدارة الهجرة.
ختامًا، تمثل القمة – في ضوء ما سبق – فرصةً مهمة لتعزيز التعاون من أجل التنمية الشاملة المشتركة، ودعم جهود الاستقرار الإقليمي بما ينعكس إيجابًا على حماية وتعزيز حقوق الإنسان.

خبير في مجال حقوق الإنسان والعلاقات الدولية
 

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق