اقتصاديون لـ"الدستور": مبادلة الديون تعزز الاستدامة المالية وتفتح آفاقًا جديدة للاستثمار

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أكد خبراء الاقتصاد أن مبادلة الديون واستراتيجيات خفض نسبة الدين العام تمثلان حجر الزاوية في خطة الحكومة لتحقيق الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي المستدام، وتأتي هذه الخطوات ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تقليل عبء الدين العام بنسبة 10% خلال السنوات الثلاث المقبلة، عبر تحويل جزء من المديونية إلى استثمارات مباشرة في قطاعات استراتيجية متنوعة، مما يسهم في تخفيف الضغوط على الموازنة العامة وتحفيز النشاط الاقتصادي.

وأشار عدد من الخبراء الذين تحدثت معهم "الدستور" إلى أن مبادلة الديون ليست مجرد آلية مالية لتقليل الالتزامات، بل تمثل تحولًا نوعيًا في فلسفة إدارة الدين العام، من الاعتماد على القروض التقليدية ذات الفوائد المرتفعة إلى شراكات استثمارية تحقق عوائد طويلة الأجل وتنشط القطاع الخاص.

وأوضح الخبراء، أن خطة خفض نسبة الدين العام من 85% إلى أقل من 75% من الناتج المحلي خلال ثلاث سنوات تتطلب تنفيذ برنامج متكامل يشمل إصدار سندات متنوعة، تعزيز التمويلات الميسرة، وإعادة هيكلة الأصول الحكومية من خلال طروحات كبرى، كما أكدوا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب شفافية في التنفيذ، وحوكمة مالية دقيقة، لضمان توجيه الموارد نحو مشروعات إنتاجية تخلق فرص عمل وتدعم النمو.

تأتي هذه الإجراءات في إطار التزام مصر بخطة إصلاح اقتصادي متكاملة تستهدف تعزيز الاستدامة المالية، وجذب استثمارات جديدة، وتحويل الاقتصاد الوطني إلى مسار أكثر استقرارًا ومرونة في مواجهة التحديات المحلية والعالمية.

محمد باغه: مبادلة الدين مقابل الاستثمار تعزز النمو وتخفف أعباء الدين العام

أكد الدكتور محمد باغه، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة قناة السويس، أن آليات مبادلة الدين التي تنوي الحكومة تطبيقها تشمل عدة أشكال يمكن تكييفها بحسب طبيعة الدائن، مثل مبادلة الدين مقابل استثمار (debt-for-investment)، حيث يُقبل الدائنون على خفض أو إعادة هيكلة الدين مقابل تمويل مشروعات بنية تحتية أو تطوير عقاري تُدار بالشراكة، بالإضافة إلى مبادلة الدين مقابل التنمية (debt-for-development) التي ترتبط بمشروعات اجتماعية أو بيئية، كما تشمل هذه الآليات إعادة جدولة الدين، إطالة آجال السداد، وشراء الديون بخصم عبر سوق ثانٍ أو قنوات حكومية.

وأشار باغه، إلى أن مصر تمتلك خبرة سابقة في تنفيذ صفقات مماثلة مع جهات أوروبية وصينية، منها اتفاقيات مع الصين وألمانيا وإيطاليا، موضحا أن نجاح التنفيذ يعتمد على تقييم دقيق لقيمة الدين الحالية، تحديد خصم مناسب للدائنين، ووضع سياسة واضحة لاستخدام الوفورات الناتجة، مثل توجيهها لمشروعات إنتاجية أو لتعزيز الاحتياطيات من العملات الأجنبية، مع ضمان آليات متابعة شفافة لمخرجات المشروعات.

وذكر أن الفوائد الاقتصادية والمالية لهذه الأدوات تتلخص في ثلاث نقاط رئيسية: أولًا، خفض تكلفة خدمة الدين عن طريق تقليل سعر الفائدة الفعلي أو تحويل جزء من الدين لأدوات أقل تكلفة وأطول أجل، مما يخفف الضغط المالي على الخزانة. ثانيًا، إطالة آجال الدين لتحسين هيكل المديونية وتقليل مخاطر التمويل في أوقات ضيق السيولة الخارجية، وهو أمر بالغ الأهمية لمصر. ثالثًا، ربط جزء من الدين بمشروعات إنتاجية وتنموية يعزز النمو الاقتصادي الحقيقي من خلال زيادة الصادرات، خلق فرص العمل، وتحسين إيرادات الضرائب.

وأكد أن هذه الآليات يجب أن تُدار بحذر لتجنب فقدان السيطرة على نوعية المشروعات أو تحميل الموازنة أعباء تشغيلية إضافية إذا لم تُدار المشروعات بكفاءة، مشيرا الي أن مبادلة الديون، إذا ما نفذت بشفافية وكجزء من استراتيجية شاملة تشمل ضبطًا ماليًا، وإصلاحات هيكلية، وتحسين بيئة الأعمال، ستسهم في تحسين الاستدامة المالية، دعم ثقة المستثمرين، وتحسين تصنيف مصر الائتماني، مما يهيئ الاقتصاد المصري لتحقيق نمو مستدام ومواجهة التحديات المستقبلية بفعالية.

مبادلة الديون فرصة استراتيجية لخفض الدين العام وتعزيز النمو الاقتصادي

أكد الدكتور وليد جاب الله أن مبادلة الديون تمثل خطوة ضرورية وحيوية في استراتيجية مصر لإدارة الدين العام وخفض نسبته بشكل مستدام، موضحا أن هذه الآلية تتيح للدولة تحويل جزء من التزاماتها المالية إلى استثمارات إنتاجية تنعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني من خلال تعزيز البنية التحتية وخلق فرص عمل جديدة.

وأشار جاب الله إلى أن خفض الدين العام لا يمكن أن يكون مجرد هدف رقمي فقط، بل يجب أن يقترن بتحسين جودة الإنفاق العام وتحفيز النمو الاقتصادي الحقيقي، مضيفًا أن مبادلة الديون مع الدائنين الدوليين، خصوصًا من الدول العربية والأوروبية، توفر فرصة لتخفيف الأعباء المالية على الموازنة العامة وتقليل تكلفة خدمة الدين.

وأكد على أهمية وجود شفافية تامة في تنفيذ هذه العمليات، وضرورة وضع آليات متابعة دقيقة لضمان توجيه الاستثمارات نحو مشاريع تحقق عوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة، موضحا إلى أن النجاح في هذه الخطوة يتطلب تنسيقًا فعالًا بين وزارة المالية والجهات ذات الصلة، إلى جانب التعاون المستمر مع المؤسسات الدولية، لضمان توافق المبادرات مع الأهداف الاقتصادية الوطنية وتعزيز الثقة لدى المستثمرين.

وشدد جاب الله على أن مبادلة الديون ليست فقط وسيلة لخفض العبء المالي، بل فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد نحو مسار أكثر استدامة وفاعلية في دعم التنمية الشاملة.

مصر قادرة على خفض الدين العام إلى 30% من الناتج المحلي خلال 3 سنوات بخطة طموحة

قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن تصريحات وزير المالية المصري أحمد كجوك الأخيرة تعكس الإنجازات التي حققتها الحكومة في مجال الإصلاحات المالية والاقتصادية، إضافة إلى الخطط المستقبلية التي تتوافق مع رؤية صندوق النقد الدولي ومتطلباته لإتمام المراجعات المدمجة للبرنامج الاقتصادي المصري.

وأوضح الشافعي، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن دمج المراجعتين الخامسة والسادسة مع صندوق النقد يمثل خطوة مهمة لتقييم أثر الإصلاحات التي نفذتها الحكومة حتى يونيو المقبل، وقياس مدى فعاليتها في تحقيق الأهداف المشتركة بين وزارة المالية والصندوق، مؤكدًا أن المرحلة القادمة يجب أن تركز على النتائج الحقيقية للإصلاح وليس فقط على الإجراءات الشكلية.

وأضاف أن الوزير استعرض خطط الحكومة لطرح ثلاث إلى أربع صفقات كبرى في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة، تكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية، مما يعكس توجه الدولة لتعزيز دور القطاع الخاص. لكنه شدد على أن الأهم هو تحقيق مردود اقتصادي مباشر يُسهم في تحسين مستوى المعيشة ودعم الاقتصاد الوطني، وليس مجرد تلبية متطلبات الصندوق.

وأشار الشافعي إلى أن خفض الدين العام من 85% إلى 75% من الناتج المحلي خلال ثلاث سنوات خطوة إيجابية، لكنها ليست كافية. موضحًا أن مصر تمتلك القدرات الاقتصادية والإمكانات الإنتاجية التي تمكنها من الوصول إلى نسبة دين تبلغ 30% من الناتج المحلي الإجمالي، إذا تم وضع خطة طموحة ومدروسة تعتمد على توسيع قاعدة الإنتاج والتصدير وزيادة الإيرادات الدولارية.

وأكد أن تحقيق هذا الهدف يتطلب من وزارة المالية تبني رؤية شاملة أكثر دقة وواقعية، تراعي توازن احتياجات المواطن مع متطلبات المؤسسات الدولية، بحيث يتم خفض الدين بالتوازي مع تحسين الخدمات العامة ودعم النمو الصناعي والاستثماري.

وفيما يتعلق بخطة التمويل، أشار الشافعي إلى أن طرح سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار بعد إصدار الصكوك الإسلامية بقيمة 1.5 مليار دولار يمثل خطوة مهمة، لكنه أكد ضرورة تنويع مصادر التمويل وتقليل تكلفة الاقتراض، مشيرًا إلى أن الفائدة الحالية التي تصل إلى 7% تعتبر مرتفعة وتستوجب وضع استراتيجية أكثر كفاءة في إدارة الدين.

ودعا إلى تفعيل آلية مبادلة الديون باستثمارات مباشرة مع الدول العربية والأوروبية الدائنة لمصر، مؤكدًا أن هذا المسار يحتاج إلى تنسيق حكومي متكامل بين وزارات المالية، الاستثمار، والخارجية، بهدف تحديد الفرص الاستثمارية المتاحة وتوجيه هذه الاستثمارات نحو قطاعات إنتاجية تحقق عوائد اقتصادية مستدامة.

وختم الشافعي بالتأكيد على أن الاقتصاد المصري يسير بخطى ثابتة نحو الاستقرار، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب تحويل الإصلاح المالي إلى عوائد ملموسة يشعر بها المواطن من خلال خلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، بالإضافة إلى تعزيز مكانة مصر كوجهة جاذبة للاستثمار في المنطقة.

في نفس السياق، أكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن خطة الحكومة المصرية لمبادلة الديون بالاستثمارات تمثل تحولًا نوعيًا في إدارة ملف الدين العام، وتسير ضمن استراتيجية أوسع تستهدف تحقيق استدامة مالية وتقليل الاعتماد على التمويلات التجارية باهظة التكلفة.

وأشار إلى أن المفاوضات الجارية مع عدد من الدول العربية، وعلى رأسها الكويت وقطر، بالإضافة إلى شركاء أوروبيين، تُظهر توجهًا عمليًا نحو تحويل جزء من المديونية إلى استثمارات مباشرة في مشروعات إنتاجية ذات قيمة مضافة، بما يسهم في خلق فرص عمل جديدة ودعم الاحتياطي النقدي.

وأوضح السيد أن هذه الخطوة تواكب إعلان وزارة المالية عن إطلاق استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة الدين العام في ديسمبر المقبل، تستهدف خفض نسبة الدين من 85% إلى أقل من 75% من الناتج المحلي خلال ثلاث سنوات، مع إطالة متوسط آجال السداد إلى خمس سنوات، وخفض عبء خدمة الدين إلى 7% من الناتج.

وأضاف أن تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية بالتوازي مع اتفاقيات مبادلة الديون يعكس توجهًا مزدوجًا لدى الحكومة: الأول يتعلق بتحقيق التوازن المالي عبر خفض الدين، والثاني يهدف إلى تنشيط القطاع الخاص وضخ استثمارات في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة، الاتصالات، والخدمات اللوجستية.

ونوّه السيد إلى أن حجم الفائض الأولي البالغ 856 مليار جنيه، بما يمثل 3.6% من الناتج المحلي، يعكس نجاح الدولة في السيطرة على الإنفاق وترشيد المصروفات دون فرض أعباء جديدة على المواطنين. كما ذكر أن نسبة خدمة الدين التي تصل إلى 47% من المصروفات لا تزال مرتفعة، ما يجعل من مبادرات خفض الدين أولوية قصوى في المرحلة المقبلة.

ولفت إلى أن التحسن في المؤشرات المالية، ومنها ارتفاع معدل النمو إلى 3.8% وتحسن التصنيف الائتماني لمصر إلى "B" مع نظرة مستقرة، يمنح الثقة في قدرة الحكومة على تنفيذ خطتها الطموحة لمبادلة جزء من ديونها باستثمارات، خاصة في ظل تجاوز تحويلات العاملين بالخارج 36 مليار دولار، وارتفاع الصادرات لأكثر من 46 مليار دولار.

وألمح السيد إلى أن النجاح في هذا المسار يتطلب شفافية في تنفيذ الصفقات، وحوكمة مالية دقيقة لضمان توجيه الاستثمارات نحو قطاعات إنتاجية تحقق عوائد طويلة الأجل.

واكد على أن مبادلة الديون تعد أداة فعّالة ليس فقط لخفض الدين، بل لإعادة هيكلة الاقتصاد ككل، مشددًا على أهمية المضي قدمًا بهذه الخطة لتحقيق معدلات نمو مستدامة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

من جانبه، أكد الدكتور منجي علي بدر، الوزير المفوض وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، أن تصريحات الدكتور أحمد كجوك، نائب وزير المالية، خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، ترسم ملامح مرحلة جديدة في إدارة السياسة المالية المصرية، ترتكز على استراتيجيات مدروسة تهدف إلى خفض الدين العام، وتنشيط سوق الطروحات، وتحقيق الاستدامة المالية على المدى المتوسط.

وأشار بدر إلى أن الحكومة بدأت في تبني رؤية متكاملة تقوم على تحويل أصول الدولة غير المستغلة إلى موارد إنتاجية، من خلال برنامج طروحات يستهدف تنفيذ 3 إلى 4 صفقات كبرى سنويًا في قطاعات استراتيجية، منها الطاقة المتجددة، التأمين، التمويل، إدارة المطارات، والخدمات اللوجستية. ولفت إلى أن هذا التوجه يعكس تحولًا عمليًا في التفكير الاقتصادي، حيث أصبح التركيز على تعظيم العائد من الأصول بدلًا من الاستمرار في الاعتماد على أدوات الدين التقليدية.

وأوضح أن برنامج الطروحات لا يهدف فقط إلى تحصيل عوائد مالية فورية، بل يتعداه إلى أهداف هيكلية تتعلق بتحسين كفاءة إدارة الأصول العامة، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، ما يُسهم في تحسين بيئة الأعمال وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة. واستشهد بصفقة "رأس الحكمة" التي رأى فيها نموذجًا ناجحًا لتحويل جزء من الدين الخارجي إلى استثمار مباشر طويل الأجل، مع إمكانية تكرار التجربة مع دول أخرى.

وأضاف بدر أن إعلان وزارة المالية عن إطلاق استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة الدين العام في ديسمبر المقبل، يؤكد أن الدولة تتحرك برؤية استراتيجية، وليس بردود فعل. وذكر أن هذه الاستراتيجية تستهدف خفض الدين العام من 85% إلى أقل من 75% من الناتج المحلي خلال ثلاث سنوات، بالتوازي مع إطالة متوسط آجال السداد إلى خمس سنوات، والاعتماد بشكل أكبر على التمويلات الميسرة، ما يقلل من كلفة خدمة الدين على الموازنة.

ونوّه بدر إلى أهمية تنويع أدوات التمويل، مثل إصدار سندات خضراء وسندات ساموراي وباندا، بهدف جذب شرائح جديدة من المستثمرين، خصوصًا من الأسواق الآسيوية، وهو ما سيوسع قاعدة التمويل ويقلل من المخاطر المرتبطة بالأسواق التقليدية.

كما أشار إلى أن مبادلة الديون باستثمارات تعد أداة ذكية تعكس تحولًا جوهريًا في فلسفة الاقتراض، حيث تُعزز من الشراكات الاقتصادية وتقلص الأعباء طويلة الأجل. وأكّد أن المفاوضات الجارية مع عدد من الدول العربية والأوروبية لاستبدال الديون باستثمارات حقيقية تمثل فرصة كبيرة لتحفيز النمو وخفض العجز، بشرط حسن التفاوض وضمان التوجيه السليم للاستثمارات.

ولفت إلى أن توقعات صندوق النقد الدولي بشأن تحسن معدل النمو إلى 4.5% واستقرار سعر صرف الدولار عند 51.5 جنيهًا، تُعد إشارات إيجابية من المجتمع الدولي على سلامة المسار الاقتصادي، لكنها مشروطة بجدية التنفيذ وسرعة الإنجاز.

واكد على أن المرحلة الحالية تتطلب الانتقال من إدارة الأزمات إلى تأسيس بيئة نمو مستدام، مشددًا على أهمية الشفافية، وضمان استقرار السياسات الاقتصادية، وتكامل الأدوار بين الوزارات، لضمان نجاح خطة خفض الدين وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.

في حين، أكد الدكتور حسام الغايش، الخبير الاقتصادي، أن توجه الدولة نحو مبادلة الديون باستثمارات يمثل أحد أبرز ملامح التحول النوعي في السياسة المالية لمصر، ويعكس فهمًا عميقًا لطبيعة التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، خاصة في ظل ارتفاع كلفة خدمة الدين وتباطؤ تدفقات رؤوس الأموال عالميًا.

وأشار الغايش إلى أن تصريحات نائب وزير المالية أحمد كجوك، على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، أوضحت بجلاء أن الحكومة المصرية تتحرك في إطار خطة استراتيجية متكاملة تهدف إلى خفض الدين العام من 85% إلى أقل من 75% من الناتج المحلي خلال ثلاث سنوات، مع العمل على إطالة آجال السداد إلى خمس سنوات، وهو ما يُعد تحركًا محسوبًا نحو الاستدامة المالية.

وأوضح أن مبادرة استبدال جزء من الديون باستثمارات مباشرة مع دول مثل الكويت وقطر وبعض الدول الأوروبية تمثل أداة ذكية تتيح تخفيف الضغط على الموازنة دون اللجوء إلى حلول تقشفية قد تضر بالنمو أو الإنفاق الاجتماعي، موضحا أن هذه المبادلات، إذا تمت بشفافية وتوجيه صحيح، يمكن أن تُحدث نقلة في إدارة ملف الديون، عبر تحويل الالتزامات المالية إلى شراكات تنموية طويلة الأجل.

برنامج الطروحات الحكومية

كما نوه الغايش إلى أن ربط هذه المبادلات ببرنامج الطروحات الحكومية يعزز من جاذبية السوق المصرية، حيث تخطط الحكومة لتنفيذ ثلاث إلى أربع صفقات كبرى سنويًا في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة، التأمين، اللوجستيات، والمطارات، وهي قطاعات تملك إمكانات نمو واعدة وقادرة على جذب استثمارات أجنبية مباشرة.

وأضاف أن برنامج مبادلة الديون يتكامل مع إصدارات السندات الدولية المزمع طرحها قبل نهاية العام المالي، والتي تشمل سندات خضراء وسندات "ساموراي" أو "باندا"، وهو ما يعكس تنويع أدوات التمويل والبحث عن حلول غير تقليدية لتمويل عجز الموازنة وتقليل الاعتماد على القروض التجارية مرتفعة الفائدة.

وشدد الغايش على أن نجاح هذه الخطة مرهون بعوامل أساسية، أبرزها الشفافية، وسرعة التنفيذ، ووضوح الأطر القانونية لحماية المستثمرين، بالإضافة إلى ضرورة وجود رقابة صارمة لضمان توجيه العوائد الناتجة عن الطروحات أو المبادلات إلى مشروعات إنتاجية تدعم النمو وتخلق فرص عمل.

واختتم الغايش رأيه بالتأكيد على أن الخطة الحكومية الحالية لا تمثل فقط حلًا لأزمة الدين، بل تُعد نقلة نوعية في فلسفة إدارة الاقتصاد، حيث يتم استبدال الدين بالتنمية، والعبء المالي بالشراكة الاستثمارية، ما يؤهل الاقتصاد المصري لتحقيق نمو أكثر توازنًا واستدامة خلال السنوات المقبلة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق