الثلاثاء 14/أكتوبر/2025 - 04:11 م 10/14/2025 4:11:19 PM
ليس كل من حصل على درجة الدكتوراه، وهى أرفع الدرجات العلمية، كان أهلًا للحصول عليها، كلنا نعرف الأمر المهين، لكننا نخجل من الكلام حوله، ربما احترامًا للدرجة العلمية الرفيعة نفسها، لا لأولئك الذين نالوها وليسوا بجديرين بها.
قال لى صديق ريفى: أخى نال الدكتوراه لتحسين وضعه فى العمل، صحيح أن المرتب لن يزيد زيادة مأمولة، لكن سيقول الناس فى العمل: «ذهب الدكتور وجاء الدكتور، وتكون معاملة لها وقارها، ولن يتعرض للإهانة التى يتعرض لها الموظفون الآخرون»!
المفروض أن الحاصل على الدكتوراه طالب بلغ درجة الامتياز فى البحث مما مكنه من تأليف رسالته العلمية، ولكن المعروف أن الاعتماد الكلى يكون على المشرفين الذين يعتبرون رسوب هذا الطالب بمثابة إخفاق لهم؛ وعلى هذا يحرصون على إجازته أيًا كان إحساسهم بانحدار مستواه، وهم أصلًا مَن يقترحون عليه الرسالة من الأول، يقترح هو عنوانًا، إن كان يستطيع الاقتراح، ويقترحون هم عناوينهم، وفى الآخر تتم الموافقة على عنوان من بين ما كانوا اقترحوه بالذات، وفى طريق البحث تكون مساعداتهم وافرة، من خلال آرائهم الشخصية الخبيرة وإمدادهم الطالب بجميع المراجع المطلوبة لبحثه المختار. نصيب الباحث نفسه من العمل يكون الأقل، باستثناء كتابة يده، وغالبًا ما يلجأ إلى مصحح لغوى لمعالجة الأخطاء المتناثرة الجمة التى لا تليق بتلميذ فى التعليم الأساسى، فضلًا عن جامعى يتأهب لشأن عظيم، مر بى مثل ذلك كثيرًا بكامل الأسف!
لا يصح البتة وصف الطاقم الجامعى المعتبر كله بتمرير الموضوع الكبير الحساس بهذه السهولة والمجانية؛ فأكثر الأساتذة الجامعيين راسخون فى علومهم وذوو ضمائر يقظة، ولأنهم يعرفون طلابهم حق المعرفة؛ فلا يسمحون لموضوع مهم كهذا الموضوع، يعلمون أن البناء الشخصى عليه لاحقًا سيكون عاليًا، أن يمر هكذا بلا إعداد عظيم للطالب حتى يكون ذا أهلية للدرجة التى هو متقدم لنوالها، ولا ينفذون الأمر إلا إذا نجح هذا الإعداد نجاحًا أرضى نفوسهم وطمأن قلوبهم.
نعانى، منذ سنوات بعيدة، من ضحالة جماعات من الحاصلين على الدرجة العلمية الأعلى، ولا نعرف ماذا نفعل حيال الأمر؛ فالناس يصدقون الدكتوراه والجامعة،
وما أثقلهما، ولا يصدقون مثقفًا طاعنًا فى رتبة تعليمية بالحق، وما أخف ثقل المثقف فى المجتمعات التى تعترف باللقب والورقة ولا تعترف بالفكرة واللسان.
حرف الدال، وهو اختصار درجة الدكتوراه كالمتداول، صار جواز مرور من يعرف ومن لا يعرف، جواز مرور إلى كل ما لا يصل إليه الآخرون تقريبًا، وما دامت الجامعة بجلال قدرها وافقت أن تمنحه لشخص، أيًا كان، فما قيمة معترض أيًا كان أيضًا؟!
أنا والله أعرف حاصلين على الدكتوراه، وفى اللغة العربية نفسها، بينهم وبين القراءة الصحيحة ما بين السماء والأرض، وبينهم وبين الإملاء السليم ما بين السماء والأرض، ولا حديث بعد ذلك عن ما بينهم وبين البلاغة والنحو والأدب... فالمسألة هكذا واضحة وضوح الشمس فيما أصابوه أو أصابهم من التردى، وإن بقى السؤال الناصع: كيف انتهوا إلى ما انتهوا إليه من الحصول على الحرف المهيب «حرف الدال» وهم بكل هذه الركاكة؟!
0 تعليق