وبحسب الموقع، "بدأ برنامج الغواصات الإسرائيلي في أواخر خمسينيات القرن الماضي، حيث تم إخراج غواصتين بريطانيتين من طراز إس من الخدمة، مما مهد الطريق لغواصات من طراز غال ودولفين الألمانية الصنع. وبذلك، بلغ البرنامج ذروته بامتلاك أسطول بعيد المدى، قادر على تنفيذ عمليات نووية محتملة في البحر الأبيض المتوسط. إن كلمة "محتملة" تحمل غموضاً، نظراً للنظرية الاستراتيجية السرية الكامنة وراء الردع الإسرائيلي، وقد تم تطبيق هذه النظرية فعلياً في غواصات دولفين-2 منذ العقد الثاني من الألفية، حيث "هناك تكهنات مستمرة بأن الغواصات الإسرائيلية قد أعيد تجهيزها لحمل صواريخ مزودة برؤوس نووية للحفاظ على خيار الضربة الثانية القابل للنجاة". ونتيجة لذلك، فإن توسيع نطاق الردع ليشمل المجال البحري قد منح إسرائيل منصة متنقلة محصنة ضد نقاط الضعف التي قد تؤدي إلى الضربة الاستباقية. في العقود الثلاثة الماضية، وخاصة منذ حرب الخليج عام 1991، برز شرق البحر الأبيض المتوسط كمسرح استراتيجي تتلاقى فيه سياسات الطاقة والمنافسة العسكرية ومصالح القوى العظمى في توازن واحد غير متكافئ، بل وغير مستقر، مع الإيرانيين. وبالتالي، هناك أسباب تدعو إلى اعتبار مسرح البحر الأبيض المتوسط جيوسياسياً بقدر ما هو تقني".
وتابع الموقع، "هناك ثلاثة أسباب جعلت البحر محورياً في الاستراتيجية النووية البحرية الإسرائيلية. أولاً، العمق العملياتي، فالتواجد في "الظل" يوفر التمويه. ثانياً، تربط جغرافية الحوض بلاد الشام بالجناح الجنوبي لحلف الناتو بالقرب من تركيا، مما يضع قوة الردع الإسرائيلية ضمن مسرح الأمن الأوروبي. ثالثاً، يُعدّ البحر الأبيض المتوسط منصةً للإشارة. إن نشر منظومة دولفين 2 سيمثل استعراضاً للقوة يعكس العزم والقدرة، وينطبق هذا بشكل خاص على خصوم مثل إيران، التي يعتمد نفوذها العسكري بشكل أساسي على الوكلاء من خلال حزب الله وحماس وغيرهما".
وأضاف الموقع، "لطالما تمحورت استراتيجية طهران البحرية حول الخليج العربي ومضيق هرمز، إلا أنه خلال العقد الماضي تقريباً، شهد تحول إيران من استخدام التكتيكات الأفقية (السيطرة بالوكالة، وبسط النفوذ الخارجي) إلى موقف أكثر عمودية (استعادة الصدقية الاستراتيجية) استخداماً أكثر تواتراً للبحر الأبيض المتوسط. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث عام 2011، عندما قامت البحرية الإيرانية بانتشار نادر في البحر الأبيض المتوسط، حيث رست في ميناء اللاذقية. ومؤخراً هذا العام، تم إعادة تموضع خمس مدمرات أميركية مزودة بصواريخ موجهة وقادرة على الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، وذلك رداً على استمرار القوات الإيرانية في إطلاق صواريخ باليستية على أهداف إسرائيلية رداً على الضربات الإسرائيلية المتواصلة على أهداف إيرانية خلال عملية الأسد الصاعد. وقد أكد ذلك مؤخراً اللواء محمد بابكور، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، في توضيحه بأن أي تحرك من جانب الأعداء في البحر سيُقابل برد كامل وحازم، وهذا من شأنه أن يربط إيران وحلفاءها من الخليج إلى بلاد الشام. ومع ذلك، لا تزال إيران بحاجة إلى مواصلة تحديث أسطولها البحري، وتحويله من أسطول بحري محلي إلى أسطول بحري دولي، مما يُظهر وجود قيود هيكلية، ويشمل ذلك سفنها القديمة وتفكك حلفائها منذ نهاية الحرب الأهلية السورية، الأمر الذي أثر على سيطرتها على الموانئ السورية، بما فيها اللاذقية. ولذا، فإن وجود الغواصات الإسرائيلية في الجوار يُضعف حاليًا قدرة إيران البحرية على الحفاظ على نفوذها البحري".
وبحسب الموقع، "إن قوة الردع البحرية الإسرائيلية مصممة لأغراض وجودية، إذ تستطيع إسرائيل التهديد بشكل موثوق بشن ضربة ثانية انتقامية من البحر الأبيض المتوسط، بينما لا تستطيع إيران الرد بالمثل في البحر. علاوة على ذلك، فإنها تقيد حسابات طهران البحرية، حيث يتعين على قادة البحرية الإيرانية الموازنة بين مخاطر التصعيد في مواجهة خصم مسلح نووياً قادر على الرد البحري الدقيق من موقع غير معلن، مما يعيد التوازن إلى ديناميكيات الردع الإقليمية. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وشركاء إقليميين مثل مصر واليونان، فإنّ الردع النووي الإسرائيلي يُمكّن من وجود كيان مُستقرّ يُحدّ من قدرة إيران على التوسع البحري. ومنذ حرب الأيام الاثني عشر هذا العام، أجبر ضعف القدرات النووية الإيرانية إيران على الاعتماد على صواريخ قادر-380 المضادة للسفن لاستهداف السفن الصغيرة".
وتابع الموقع، "إن امتلاك إسرائيل لحقول الغاز ليفياثان وتامار وكاريش جعل من شرق المتوسط مركزًا جذابًا لمصالح الطاقة والأمن. ونتيجة لذلك، فإن حماية هذه الأصول تعني تعزيز القدرات البحرية، وقد دأبت إسرائيل على القيام بذلك عبر أسطولها من الغواصات النووية، لردع عمليات النفوذ الإيراني المتضررة عبر حزب الله وحماس والوكلاء العراقيين والسوريين السابقين، ويمثل هذا امتداداً لتوسع إسرائيل في بسط سيطرتها البحرية خارج حدودها. وتعمل تركيا ومصر واليونان على تحديث أساطيلها البحرية بوتيرة متسارعة لتعزيز هيمنتها والاستفادة من حقول الغاز، متوغلةً بذلك في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. وقد أضافت مصر وحدها سفينتين هجوميتين من طراز ميسترال عام 2016 وفرقاطتين من طراز فريم بحلول عام 2020، ما يشير إلى طموحاتها الاستراتيجية. في الواقع، سيمثل هذا تحدياً للقيادة العليا الإسرائيلية لاحتواء الوضع، فضلاً عن منع أي تحالفات مع إيران، بالنظر إلى الإدانة الدولية وانهيار الدبلوماسية في ما يتعلق بالحرب في غزة".
وبحسب الموقع، "يمكن القول إلى حد كبير إن القدرة النووية البحرية الإسرائيلية قد أعادت تشكيل الأمن في شرق المتوسط من خلال ربط الردع وحماية الطاقة والإشارة الجيوسياسية. إضافة إلى ذلك، فإن امتلاك إسرائيل لقدرة ردع ثانية من الغواصات يمنحها قوة ردع متنقلة تشمل أصولاً من الغاز البحري ضد وكلاء إيران المدعومين، مما يجبر إيران على اتباع نهج دفاعي شامل. ويُعاني الأسطول الإيراني من محدودية قدراته في أعالي البحار، فضلاً عن اعتماده على موانئ متدهورة، مما يُظهر عجزه عن ضمان بسط نفوذه بشكل مستدام في شرق المتوسط، مقارنةً بجيوش أخرى كجيوش تركيا ومصر وليبيا ولبنان. ونظراً لغموض موقف إسرائيل، قد ترد هذه الجيوش الأخرى بقوة وشيكة، عسكرياً وسياسياً".
ورأى الموقع أنه "مع ذلك، يمكن استخدام الحرب في غزة كذريعة لممارسة الضغط من خلال تعزيز الفصائل المتبقية وتسليحها بصواريخ مضادة للسفن، أو إطلاق النار من موقع داخلي باستخدام صواريخ قادر-110، قادر-380، ضد أهداف بحرية في بحر عمان، وربما يمتد ذلك إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. إلى جانب ذلك، يمكن لإيران استغلال التوغلات الإسرائيلية لكسب المزيد من الدعم من المجتمع البحري الدولي، ونتيجة لذلك، قد تُمكّن هذه الحرب البحرية في المنطقة الرمادية، وما يصاحبها من توترات، إيران من مواصلة تخصيب اليورانيوم وتصنيع غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية ضد إسرائيل، مما يُشكّل مخاطر انتشار نووي".












0 تعليق