بين "الميكانيزم" ولقاء باريس وزيارة مدبولي.. هل ينجح لبنان في تبريد جبهة الجنوب؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
صحيح أنّ اللبنانيين اعتادوا نسبيًا على الخروقات الإسرائيلية شبه اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار، بعدما دخلوا بما يصحّ وصفه بـ"التطبيع معها"، حتى إنّ إسرائيل نجحت برأي كثيرين في جرّ لبنان إلى التفاوض معها على تطبيق ما سبق أن تعهّدت بتطبيقه، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ التلويح الإسرائيلي بتوسيع اعتداءاتها وهجماتها لا يزال طاغيًا على المشهد، وهو ما يبدو أنّ كل الوساطات، بما ذلك لقاءات "الميكانيزم"، عاجزة عن تنحيته جانبًا.
 
في هذا المناخ، اتجهت الأنظار خلال الأيام الماضية إلى ثلاثة مسارات تحرّكت، أو تمّ تحريكها، بشكلٍ متوازٍ: لجنة "الميكانيزم" في الناقورة التي تحاول تثبيت وقف إطلاق النار وربط أي ترتيبات ميدانية بعودة السكان إلى بلداتهم، ولقاء باريس الرباعي الذي يضع على الطاولة فكرة "توثيق دولي" لحصر السلاح في الجنوب وربطه بدعم أكبر للجيش اللبناني، والحراك العربي الذي تُوّج بزيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بيروت.
 
وإذا كان مدبولي حمل وفق المعطيات المتوافرة، رسالة دعم سياسي واقتصادي للبنان، لا "تحذيرات" كما نقلت بعض وسائل الإعلام، ونفاه رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنّ الواضح أنّ لبنان الرسمي يحاول أن يقدّم نفسه بين هذه المسارات الثلاثة "شريكًا" في صناعة الاستقرار، وهو الذي كان أول المبادرين للدعوة إلى تفاوض "جدّي" مع إسرائيل. لكن هل يملك لبنان فعلاً هامش مناورة يسمح بتبريد الجبهة من دون دفع ثمن سياسي وأمني باهظ في الجنوب؟
 
المسار الأول: "الميكانيزم" وعودة السكان
 
في المسار الأول، برز اجتماع "الميكانيزم" الذي عقد في الناقورة نهاية الأسبوع الماضي، وهو الخامس عشر منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الثاني منذ توسيع هامش اللجنة، وقد خرج هذه المرة بعنوان واضح: "أهمية عودة السكان على جانبي الحدود إلى منازلهم". وفي الخلفية، إصرار على ربط أي تثبيت طويل الأمد لوقف الأعمال العدائية بخطة زمنية تسمح للنازحين من القرى الجنوبية بالعودة التدريجية، بالتوازي مع التزام بمنع استئناف العمليات من الطرفين.
 
لكن كواليس الاجتماع لم تكن أقل سخونة من الجبهة نفسها، وفق التسريبات التي تم تداولها إعلاميًا، ومن ضمنها ما أثير عن "تشدّد" الوفد العسكري اللبناني، ولا سيما موقف قائد قطاع جنوب الليطاني العميد نقولا تابت الذي شدّد داخل الجلسة على رفض سياسة تدمير المنازل، في وقت يتحدث كثيرون عن محاولة إسرائيلية لاستثمار خطاب "عودة السكان" الذي يتقاطع عليه الجميع، كورقة ضغط لدفع الأمور نحو ترتيبات أمنية أوسع، بما ينسجم مع خططها.
 
المسار الثاني: الجيش وخطة "حصر السلاح"
 
في الموازاة، يتحرك مسار داخلي–دولي عنوانه الأبرز خطة "حصر السلاح" التي يتولاها الجيش بتكليف من الحكومة. وفي هذا السياق، كان لافتًا إعلان رئيس الحكومة نواف سلام أن المرحلة الأولى من الخطة، الخاصة بمنطقة جنوب الليطاني، باتت على بُعد أيام من الانتهاء، وأن الدولة تستعد للانتقال إلى المرحلة الثانية بين الليطاني والأولي، على أن تشمل المراحل اللاحقة مناطق أوسع في الداخل.
 
هذا الإعلان ترافق مع جولات ميدانية للإعلاميين والسفراء في الجنوب في الآونة الأخيرة، لإظهار ما أنجزه الجيش على الأرض، في رسالة مباشرة إلى الداخل والخارج معًا. وهنا تحديدًا يبرز دور باريس الذي بدأ يتبلور أكثر فأكثر من خلال لقاء باريس الرباعي، الذي طرح فيه الفرنسيّون فكرة "توثيق دولي" لمناطق يعلن الجيش اللبناني أنها خالية من السلاح، بحيث تُسجَّل هذه المناطق ضمن آلية مراقبة معترف بها دوليًا، ما يعطّل جزءًا كبيرًا من الذرائع الإسرائيلية حول "استمرار انتشار السلاح جنوبًا".
 
لكن هذا المسار لا يمرّ من دون اعتراضات، في ظلّ مخاوف لدى الكثير من اللبنانيّين من أن يتحوّل التمدد التدريجي لخطة حصر السلاح إلى تنازل مجاني عن أوراق قوة استراتيجية، من دون مقابل سياسي حقيقي من إسرائيل ولا ضمانات بمنع حرب جديدة في المستقبل، علمًا أنّ هذا التوتر يزداد مع الاتهامات الأميركية المتكررة لـ"حزب الله" بإعادة تسليح نفسه، وآخرها جاء على لسان السيناتور ليندسي غراهام من تل أبيب.
 
المسار الثالث: زيارة مدبولي ورسالة القاهرة
 
وسط هذا المشهد، بدت زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بيروت أقرب إلى "رسالة دعم استراتيجي" للبنان، إذ تشير المعلومات إلى أنّ القاهرة تريد تأكيد أنها شريك في البحث عن الحل، بعيدًا عن التحليلات التي أشارت إلى أنّ الحراك المصري منسَّق مع الولايات المتحدة، بل جاء بطلب مباشر منها، من أجل زيادة الضغط على لبنان، وتأكيد "جدّية" التهديدات الإسرائيلية، ما "يفرض" التجاوب مع المساعي الأميركية لتجنّب الحرب.
 
وفي وقتٍ تعهّد مدبولي بالعمل على منع أي تصعيد جديد بين لبنان وإسرائيل، مستفيدًا من موقع مصر كوسيط تقليدي يمتلك علاقات مع الطرفين، يبدو أنّ المسؤولين اللبنانيين أرادوا من جهتهم، توظيف الزيارة لإبراز أن مسار "حصر السلاح" وضبط الحدود ليس فقط استجابة لضغط غربي، بل أيضًا جزء من محاولة إعادة إدماج لبنان في شبكة دعم عربية، حيث يُقدَّم الجيش كضامن للاستقرار وممر إلزامي لأي استثمارات أو مساعدات في الجنوب.
 
هكذا تبدو الصورة على "غموضها"، فالاستنفار الدبلوماسي على أشدّه، ولو فُهم من البعض بمثابة "ضغوط قصوى" على لبنان، تأتي لتكمّل التهديدات الإسرائيلية بالعودة إلى الحرب التي لم توقفها أساسًا، بدل أن تضع حدًا لها. وبين هذه العناوين الكبيرة، يجد لبنان نفسه أمام معادلة دقيقة، فهل ينجح في استثمار "اللحظة الدولية والعربية" لتثبيت معادلة تحفظ الجنوب وتعيد الأهالي إلى قراهم وتدعم الجيش، وتمنع الحرب وذرائعها التي لا تنتهي؟
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق