محمود حامد يكتب: لن ينكسر الحلم

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 بعض النقابيين لا يريدون  الاقتناع بأن المؤسسة أصبحت مفلسة.. والقضية أبعد ما تكون عن الحد الأدنى

هناك من يريد مع سبق الإصرار والترصد تجاهل الحقيقة ويتلذذ بالرقص على آلام الزملاء بدلًا من السعى فى البحث عن حلول ناجعة تصل بالجميع إلى بر الأمان

 

 

وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِبارًا

تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ

وَكَذا تَطلُعُ البُدورُ عَلَينا

وَكَذا تَقلَقُ البُحورُ العِظامُ

هكذا كانت الحكاية.. فالهمم الكبيرة والطموحات العالية تتطلب جهدًا كبيرًا وتعبًا مضاعفًا وقدرة على تحدى الصعاب لتحقيق المراد.. وهذا هو بالضبط ما فكر فيه صديقنا الكاتب الصحفى عبدالرحيم على، عندما انطلق يحقق حلمه فأنشأ مركزًا للدراسات وموقعًا الكترونيًا سرعان ما أثبت نفسه وسط تنافس إعلامى شريف.. لم يتوقف الحلم عند هذا الحد وبدأ التخطيط لصحيفة يومية، إلى أن صدرت فكانت نافذة أُضيئت قبل أحد عشر عامًا، وصار نورها يكبر عامًا بعد عام، ويتسع ليصل إلى كل قارئ يبحث عن الحقيقة. إنها حكاية «البوابة»؛ تلك المؤسسة الصحفية التي لم تولد لتكون مجرد مطبوعة، بل لتكون موقفًا، وروحًا، وشهادة.

اليوم، ونحن نقف على أعتاب عامها الثانى عشر، يحق لنا أن نقول إن «البوابة»  لم تكن صحيفة فحسب، بل كانت مدرسة للصلابة فى زمن هش، ومنبرًا يعلو فيه صوت الحق حين تتلعثم الأصوات.

مدرسة بدأت بحلم لم ينطفئ

فى بداية الطريق، حين كانت «البوابة نيوز» تخط أولى خطواتها، لم يكن أحد يتوقع أن تتحول إلى واحدة من أكثر المؤسسات الصحفية تأثيرًا فى المشهد العام. تحولت إلى ملاذ للباحثين عن المعلومة الموثوقة، وعن الصحافة التى لا تخاف، وعن المهنة حين تُمارَس بضمير.

وعلى مدى سنواتها الأولى، كانت البوابة تُعرف داخل الوسط الصحفى بكونها المؤسسة التى تمنح صحفييها أعلى الرواتب بين المؤسسات الخاصة والحزبية، اعترافًا بقيمة الصحفى قبل أى شيء، وتقديرًا لعرق من يقضى ليله بحثًا خلف معلومة أو يطارد خيطًا يقوده إلى كشف مهم.. لكن الدنيا "قلابة"، والصحافة أكثر ما تتأثر بعواصف السياسة والاقتصاد. وحين جاءت الأيام الصعبة، تراجعت الموارد، واشتدت الأزمة.. ومع ذلك، لم يُغلق عبد الرحيم على الأبواب، وتحمل العبء وحده رغم كل ما يعنيه ذلك من مصاعب عانى منها ولم يقدرها آخرون ولم يشعر بها كثيرون.

ففى زمنٍ انسحب فيه الجميع "ولهم أعذارهم"، وقف عبدالرحيم علي، كعادته، فى الصف الأول. ظلّ يدفع بما يستطيع وبما لا يستطيع من أجل استمرار المؤسسة، لأن البوابة بالنسبة له لم تكن مشروعًا اقتصاديًا، بل مشروعًا وطنيًا وفكريًا وإعلاميًا وحلمًا لا تخبو أنواره أبدًا.

والحقيقة أن الرجل لم يقدم دعمًا ماليًا فقط، بل قدّم فوق ذلك إنسانيةً لا يمكن إحصاؤها. يعرف العاملون معه كيف تتحول الأزمات أمامه إلى مساحة للحنوّ، وكيف كان يتدخل فى لحظات حرجة لمساندة صحفي أو موظف أو شاب فى بداية الطريق.. مواقفه الإنسانية ليست صفحات فى أرشيف، بل قصص حيّة يعرفها كل من عبر أبواب البوابة.

منبر ضد الإرهاب

ويعلم القاصى والدانى أن المؤسسة لم تكن محايدة حين مرّ الوطن بأخطر لحظاته. كانت فى طليعة من كشفوا حقيقة جماعة الإخوان قبل الزمان بزمان، وقدمت عشرات التحقيقات والوثائق التى أضاءت للناس الصورة كاملة. كان الخط الذى تبنته البوابة واضحًا: مواجهة الإرهاب بالفكر، وتعرية خطاب التنظيم، وفضح أدواته.

لم تكن أبدًا مجرد ناقل للأخبار، بل صانعة للرأى، ومُنتجة للمعلومة، ومُجاهِدة بالقلم فى معركة كان الوطن فيها على المحك.

ولأن حب الوطن ليس هتافًا، بل مسؤولية والتزام وضمير، فقد مارست البوابة دورها كما يجب: دعمت الدولة حين احتاجت من يدعمها، ونصحتها حين احتاجت من ينصحها. لم تكن صوتًا تابعًا، ولا منصة صدام، بل كانت عينًا يقظة وضميرًا صحفيًا يعرف أن الولاء الحقيقى للوطن لا يناقض النقد البنّاء.

جسرٌ إلى المستقبل

وخلال سنواتها الماضية، خرج من البوابة جيل كامل من الصحفيين الشباب الذين ينتشرون اليوم فى مواقع قيادية داخل مؤسسات حكومية وخاصة. كانت المؤسسة بالنسبة لهم ورشة خبرة، ومركز تدريب، ومنصة انطلاق.. ودون أدنى مبالغة، يكفى أن تسأل فى أى غرفة أخبار: «من خريج البوابة؟» لتجد الإجابات تتدفق.

قد تمر المؤسسة اليوم بظروف مالية صعبة، وقد يضطر العاملون فيها إلى احتمال ما لم يكن متوقعًا قبل سنوات "ولهم أعذارهم"، لكن الحقيقة الجوهرية هى أن الحلم لم ينكسر، ولن ينكسر. لأن المؤسسات الكبيرة لا تُقاس بما تملكه من مال، ولكن بما تملكه من معنى. والبوابة تملك معنى أكبر من أزماتها: تملك تاريخًا ناصعًا، ومواقف ثابتًة، وقلوبًا آمنت بها، وجمهورًا ما زال ينتظر منها الكثير.

هذه الظروف المالية الصعبة، شرحها عبدالرحيم فى مقاله المؤثر: («البوابة».. سَرابُ الزَّمانِ الجَميل) ليعرف الجميع الحقيقة بدون رتوش وبمنتهى الشفافية، وحتى لا تتوه الأزمة في قضية الحد الأدنى لأنها أبعد ما تكون عن ذلك.. فالأصل الذى لا يريد البعض تفهمه أن المؤسسة ببساطة أصبحت مفلسة ولا توجد رواتب أصلًا.. هذه الحقيقة المرة، والتى تؤرق أول من تؤرق عبدالرحيم على نفسه، يريد البعض مع سبق الإصرار والترصد تجاهلها عمدًا، ويتلذذون بالرقص على آلام الزملاء بدلًا من السعى بحبٍ وحرصٍ على الزملاء وعلى المؤسسة فى البحث عن حلول ناجعة تصل بالجميع إلى بر الأمان.

ومن حق الجميع أن يعلن تضامنه مع عددٍ من الزملاء المعتصمين، فهذا حق لا يخضع للقيل والقال، خاصةً بالنسبة لكاتب المقال الذى قضى عمره كله مدافعًا عن حقوق الناس وحرياتهم.. لكننا أمام حقيقة مؤلمة تتمثل بالفعل عن حالة الإفلاس التى وصلت إليها "البوابة" فى ظل ميزانية شهرية تصل إلى مليونين من الجنيهات، ظل عبدالرحيم على يتحملها وحده طوال خمس سنوات كاملة (باستثناء نحو عشرة أشهر تحملت معه جهة تابعة للدولة العبء إلى أن اعتذرت عن عدم الاستمرار، ولها فى ذلك أعذارها).

مزايدات رخيصة

هل يعى المزايدون أن الدولة نفسها لم تعد قادرة على تقديم العون فما بالكم بشخص يتحمل العبء وحده حتى صار فوق الاحتمال وفوق قدرة أى إنسان خاصةً إذا كان لا يملك سوى إيمانًا بالوطن وإيمانًا بالمهنة وإيمانًا بالزملاء وحقهم فى العيش الكريم لكنه فى النهاية ليس واحدًا من رجال الأعمال.

وللأسف الشديد، وصلت المزايدات الرخيصة إلى حد التطاول والعيب فى شخص عبدالرحيم على وعائلته بأسلوب يصل إلى حد الغثيان، خصوصًا عندما يأتى من بعض قيادات نقابية تتمثل مهمتها الأساسية (بشكل عام) فى تقريب وجهات النظر بين أى طرفين.. لكن هؤلاء البعض اختاروا صب الزيت على النار سعيًا وراء أصوات انتخابية حتى لو هدموا المعبد على من فيه، وهم يعلمون علم اليقين أن القضية لم تعد الحد الأدنى أو الأعلى أو أى حد من الحدود، فاستمرأوا الموقف وتجاوزا كل حدود الأدب واللياقة والذوق السليم.

 ماذا يريد هؤلاء البعض بالضبط؟.. لم يواجه الجماعة الإرهابية ويكشف دورها المخرب مثلما واجهها عبدالرحيم على و"البوابة" ومركزه البحثى، وخاطب الدنيا كلها بكل لغات العالم ولف عواصم الغرب محذرًا من خطورة هذه الجماعة المارقة، وفتح صفحات "البوابة" لفضح كل أساليب جماعة العنف والإرهاب بشكلٍ لم يجرؤ عليه آخرون.. هل يدرك هؤلاء البعض جُرم ما يفعلون، أم أن مزاجهم يميل ناحية الفكر الإرهابى أو أن تفكيرهم إخوانى الهوى؟.

لا أحد، فى هذه اللحظة، يعيش حالة من الفرح لما تتعرض له "البوابة" مثل جماعة الإخوان الإرهابية ومناصروها والباكون على أطلالها بعد أن انتصر الوطن على قوى البغى والإرهاب، وقدم فى سبيل ذلك دماءً ذكية من رجال قواتنا المسلحة العظيمة وشرطتنا الباسلة ومن المدنيين أيضًا.. هل تبخرت ذاكرة هؤلاء البعض أم أنهم يتعمدون ما يفعلون.

لا يعرف المستحيل

والمؤكد أن مشروعات عبدالرحيم على سلسلة مترابطة مثلت جميعها حلمًا لا يعرف المستحيل، فاستطاع هذا الحلم أن يشق طريقه على أرض الواقع بإصرار عنيد وعزيمة لا تلين، تميز بهما الصديق عبد الرحيم على ولم يساوره الشك للحظة فى صدق اختياراته وحسن توجهاته.. وقد يرى البعض أن شهادتى مجروحة بفعل صداقتى الممتدة بهذا "العنيد" لأكثر من أربعين عامًا، لكنها فى البدء والمنتهى شهادة "راجل عجوز" يقولها للتاريخ ومن أجل التاريخ أيضًا.

أكتب ما أكتبه وقد مر اليوم أكثر من ستة وعشرين عامًا، عندما قرر عبدالرحيم على تأسيس المركز العربى للصحافة، ولعله كان يحلم بتأسيسه منذ سنوات شبابه وهو يسرح بخياله على شاطئ النيل فى المنيا وظل الحلم يراوده ويعتمل فى عقله ويسيطر على تفكيره.. ولم يغب فى أية لحظة عن ذهنه بعدما جاء إلى القاهرة وبدأ مشواره الصحفى الذى حقق خلاله خبطات صحفية لا يتسع المجال لسردها لكنها كانت علامة بارزة على تميز هذا الشاب القادم من الصعيد والذى يجد راحته فى البحث عن المتاعب.. ولأن الحلم ما زال كامنًا فاختار أن يبدأ مشواره الممتد فى البحث والاستقصاء حول الحركات الإرهابية فى مصر أساسًا وفى عالمنا العربى ثم فى العالم بشكل عام، وكانت البداية شقة صغيرة فى وسط البلد وكتب العديد من الدراسات التى كشفت، لمن يجهل، حقيقة تنظيم الإخوان وما تفرع منه من تنظيمات تكفيرية وإرهابية تنشر الخراب فى العقول والدمار فى البلاد وتعيث قتلًا للأبرياء من المدنيين أو من رجال الجيش والشرطة الساهرين دفاعًا عن أرض الوطن.

ثم جاء الانتقال إلى مكان أكثر اتساعًا لاستكمال تحقيق الحلم على أرض الواقع فكان تأسيس موقع "البوابة نيوز" الذى وُلد عملاقًا وكان ترتيبه متقدمًا ويتراوح بين الترتيبين الأول والثانى بين المواقع المصرية.. وأعقب ذلك إصدار مجلة "البوابة" الأسبوعية والتى تحولت إلى صحيفة يومية أثبتت مكانتها بين الصحف المطبوعة فى أسرع وقت.

وكان طبيعيًا، أن يتواكب مع ذلك، إطلاق موقع "بوابة الحركات الإسلامية" عام 2014 لدراسة ظاهرة الإسلام السياسى وتبصير الجمهور بها وبمخاطرها، خاصةً أن مصطلح "الإسلام السياسى" كان إلى حد ما جديدًا على أدبيات الصحافة والسياسة والعمل الأكاديمى أيضًا.. وما زال الموقع يواصل دوره عبر مجموعة متميزة من الخبراء والباحثين بقيادة الخبير المتمكن الزميل عادل الضوى.

«البوابة» الدولية

وتستمر المسيرة ويواصل عبد الرحيم على نقل المعركة إلى قلب أوروبا، فيصدر الطبعة الدولية من «البوابة»، باللغة الفرنسية وكانت تطبع فى باريس، وباللغة الإنجليزية وكانت تطبع فى نيويورك، لتمثل بذلك قوة ضاربة ضمن قوة مصر الناعمة حول العالم.. وقد شرفنى عبدالرحيم على باختيارى مديرًا لتحرير الطبعة الدولية التى صدر العدد الأول منها فى أكتوبر 2017.. وفى افتتاحية عددها الأول، كتب عبد الرحيم على سطورًا تلخص دور الطبعة الدولية وجاء فيها "إنها رسالة سلام إلى كل الشعوب نحملها بكل اللغات من بلاد طالما أشعت بنورها منذ أزمان سحيقة على العالم عندما بزغ فجر الضمير من مصر ليعم الأرض شرقًا وغربًا.. لقد عانينا جميعًا من سرطان الإرهاب والحركات الملتحفة به. تم تشويه عقيدتنا وديننا واستخدم المتطرفون أسوأ ما أنتجه الفكر الإسلامى فى أسوأ عصور الانحطاط الفكرى ليواجهوا به العالم.. رسالتنا من وراء هذا الإصدار سنقولها بكل قوة وسنحاول توصيلها إلى أبعد مكان على وجه الأرض، سنشرح ونحلل ونسرد ونجيب عن السؤال الأهم لماذا حدث ما حدث من عمليات إرهابية طالت كل مكان فى العالم تقريبا، ولماذا نجح المتطرفون فى اختراق كل المجتمعات شرقا وغربا، ما الذى ساعدهم وماذا كانت أدواتهم وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه".

وكان استقبال القارئ الغربى للطبعة الدولية أكبر من توقعاتنا، فقد شهدت منافذ بيع الصحف في أوروبا والولايات المتحدة إقبالا شديدًا على شراء أعدادها بنسختيها الإنجليزية والفرنسية، مما أثبت تعطش المواطن الغربى لمعرفة الحقيقة من مصادرها الحقيقية.

تجربة متميزة

هل يتوقف العقل عن التفكير خارج الصندوق؟.. لم يكتف عبدالرحيم على بذلك بينما عقله مشغول ويفكر، ليل نهار، فى مشروعات أخرى تساعد فى نشر ما يدور فى ذهنه وما يعتمل فى فكره، فأنشأ عام 1998 المركز العربى للبحوث والدراسات كمركز علمى معني بدراسات الإسلام السياسي في العالم باعتبارها العمود الفقرى للمركز، وأثبت المركز نجاحه مبكرًا في عمل قاعدة بيانات وخريطة تفاعلية تنبؤية مهتمة بحركات الإسلام السياسي كافةً عبر العالم، حتى جاء عام 2012، فانفتح المركز بجانب دراسته لحركات الإسلام السياسي، على دراسة الظواهر والتغيرات في المنطقة من حوانبها المختلفة، فكانت انطلاقة جديدة بقيادة المفكر المصري الراحل السيد يسين مؤسس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، بجانب نخبة رائدة من الخبراء والمتخصصين المعنيين بالدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، وأصدر المركز مجلة "آفاق سياسية" الشهرية، كما أصدر العديد من الكتب والكراسات المتخصصة، ونظم العديد من المؤتمرات والندوات.

وفي 2017، بدأ المركز تجربة جديدة ومختلفة بإتاحة الفرصة أمام مجموعة متميزة من شباب الباحثين وإعطائهم الفرصة لفتح آفاق بحثية نوعية، وتحليل الظواهر المختلفة بمعطيات ومدركات جديدة، من خلال عدد من الوحدات البحثية التى تغطى ثلاث دوائر متكاملة ومتداخلة فيما بينها، وهى الدائرة الداخلية التى تهتم بالشأن المصرى بكل أبعاده، والدائرة العربية والإقليمية من خلال بحث ومعرفة التحولات الإقليمية وتأثيراتها على المحيط المحلي والعربي، وإدارة تلك التفاعلات، والدائرة الدولية العالمية باعتبارها الإطار الأوسع الذى تعيش فيه الدول العربية والإسلامية، ويشمل ذلك دراسة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والمنظمات الإسلامية الدولية، والتكتلات والتحالفات الاقتصادية والتنظيمية للحركات الإسلامية والجهادية.

خبطة إعلامية وسياسية

 وفى باريس أيضًا فى مارس ٢٠١٩، بعد انطلاق مركز دراسات الشرق الأوسط، وعقد العديد من الندوات والمؤتمرات، كان السؤال المطروح خلال كل تلك الفعاليات: أين أنتم؟ ولماذا لا تُقيمون حوارًا بين مثقفى البلدين “مصر وفرنسا” بل حوارًا باتساع الشرق والغرب.. حوارًا غير رسمي يشمل المثقفين والكُتاب والمبدعين والشعراء والصحفيين والسياسيين؟.

وظل السؤال يطارد عبد الرحيم على، وظلت الفكرة تدفعه باتجاه التخطيط الذى دام لأكثر من ثلاث سنوات، "تناقشتُ فيها مع كل أصدقائى فى عواصم أوروبا من باريس إلى جنيف، إلى ميونخ، إلى روما، وصولًا إلى لندن، ومنها إلى العاصمة الأمريكية واشنطن.. وفى القاهرة بالطبع" حسبما يقول.

كان الحوار يجرى ثنائيًا أحيانًا وجماعيًا فى أحيانٍ كثيرة، وشمل كل القضايا بلا استثناء.. الإسلام السياسي، والموقف من إيران، وقضايا الشرق الأوسط، وما عُرف بالربيع العربى ونتائجه، والإسلاموفوبيا وغزو الإسلاميين للغرب. إلى آخر تلك القضايا التى تشغل الطرفين.. واستقرت الفكرة فى الذهن وبدأ الشروع فى التنفيذ: لقد آنَ الأوانُ لإنشاء موقع«Le Dialogue»   وانطلق الموقع أوائل 2023 فى باريس باللغة الفرنسية.

وجاء هذا الموقع الجديد ليمثل منصة للحوار المجتمعي بين أطياف مختلفة من الكُتَّاب والمفكرين والسياسيين فى الغرب والشرق، لإقامة جسر من المشتَركات يساعد على مواجهة مشكلات العصر بعقل أكثر انفتاحًا على الآخر.. وشارك فى الموقع بكتاباتهم وأفكارهم مفكرون وكُتاب وخبراء من فرنسا ودول أوروبية أخرى ومن عدة دول عربية أيضًا إلى جانب مفكرين مصريين، من بينهم الدكتور على الدين هلال والدكتور زاهى حواس والدكتور عبد المنعم سعيد والدكتور إبراهيم نوار والدكتور حسام بدراوي وغيرهم.. ولا نبالغ إذا قلنا إن موقع «لوديالوج» كان خبطة إعلامية وسياسية كبيرة، أثبتت أهميتها وضرورتها فى ظل ظروف عديدة متشابكة وسط عالم يموج بالعديد من الأحداث التى تبعث على القلق والتوتر.. لقد تخطى الموقع الحدود وذهب إلى كل مهتم فى كل بقاع الدنيا حتى عقر داره، فكان بحق تحولًا تاريخيًا فى نهج التعامل الإعلامى والسياسى فى ظل متغيرات تكنولوجية متلاحقة ويلهث الجميع وراءها.

وبالمناسبة، ما لايعرفه أولئك المتخبطون أن مركز دراسات الشرق الأوسط تأسس كشركة فرنسية وفقًا لقوانين الدولة الفرنسية وله شخصيته القانونية والإدارية المستقلة. وليس كما يتصور البعض الذين تنطبق عليهم مقولة "اللى ميعرفش يقول عدس" ويتعامل معهما كأنهما كيان واحد، بينما الحقيقة أنه تم توقيع بروتوكول تعاون بين المركز وبين "البوابة"، أثمر العديد من الفعاليات وبالأخص فيما يتعلق بكشف حقيقة ذلك الفيروس القاتل للأوطان جماعة الإخوان.

دفاعًا عن الوطن

ونحن نستقبل العام الثانى عشر لـ"البوابة"، نقول بثقة: كل هذه الجهود دفاعًا عن الوطن وعن المهنة وعن الحلم، لا يمكن أن تتوقف وتنزوى بين طرفة عينٍ وانتباهتها.. ما دام فى هذه المؤسسة من يؤمن بها.. وما دام فى هذا الوطن من يحتاج صوتها، فإن البوابة ستبقى.. ستبقى لأنها ولدت من حلم، والحلم حين يسكن الناس لا يُهزم. ولأن الشمس التى تُشرق من بين حروف الصحافة الحقيقية، قد تغيب لحظة لكنها تعود فى ثوبٍ يليق بدورها التاريخى بعيدًا عن الغرق فى متابعات عادية تنتشر على كل المواقع.. ودروها التاريخى معروف: مواجهة كل الأخطار التى يواجهها الوطن وتقديم الدراسات الموثقة والمعلومات الدقيقة والتحليلات المعمقة لتكون أمام القارىء فى الغرب والشرق وبكل لغات العالم.. فالحلم لن ينكسر تحت أى ظرف من الظروف.

وسوف نظل نردد بعزيمة لا تلين ما بقى فينا نفس، مع شاعرنا العظيم محمود درويش:

ونحن نحبُّ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلا
ونرقصُ بين شهيدينِ نرفعُ مئذنةً للسحاب
ونزرعُ حيث أقمنا نباتًا سريعَ النموِّ
ونحصدُ حيث أقمنا قتيلًا سريعَ الزوال

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق