قبل الاجتماع المقبل.. هل يخضع الفيدرالي الأمريكي لضغوط ترامب؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال الخبير المصرفي الدكتور حسين العسيلي، إن ما يحدث داخل أروقة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لا يمكن النظر إليه كجدل فني حول أرقام التضخم أو النمو فحسب، بل هو «صراع حقيقي بين الاستقلال المالي وضغوط السياسة»، مؤكدًا أن القرار المقبل للفيدرالي لن يحدد فقط مسار الدولار وأسعار الفائدة، بل سيعيد رسم اتجاه الاقتصاد العالمي بأسره.

توقعات اجتماع الفيدرالي الأمريكي المقبل

وأوضح العسيلي في تصريحات صحفية، أن الفيدرالي الأمريكي يقف أمام معادلة معقدة: من جهة يسعى إلى دعم النمو الاقتصادي وتفادي الركود، ومن جهة أخرى يحاول كبح جماح التضخم الذي لا يزال يدور حول 3.3% حتى سبتمبر الماضي، أي أعلى بكثير من المستهدف البالغ 2%. وأشار إلى أن التوقعات تميل إلى أن يقدم الفيدرالي على خفض محدود في سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس (0.25%) لتستقر الفائدة المستهدفة بين 4.75% و5% بعد أن كانت بين 5% و5.25% منذ يونيو الماضي، وهو خفض «حذر وموزون» كما وصفه.

وأضاف، أن مؤسسات مالية كبرى مثل بنك أوف أمريكا وجيه بي مورجان تتوقع خفضًا تدريجيًا خلال النصف الأول من عام 2026 إذا استمر تباطؤ النمو وتراجع التضخم الأساسي دون 2.8%. وأشار إلى أن بيانات بورصة شيكاغو التجارية CME – التي تُستخدم عالميًا لاستشراف قرارات الفيدرالي – ترجّح استمرار دورة التيسير النقدي المحدود، مع بقاء المخاوف من الركود قائمة في حال أُفرط في الخفض.

وحول البعد السياسي للقرار، قال العسيلي، إن عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي أعادت معه الضغوط على استقلال الفيدرالي، موضحًا أن ترامب «يمارس نفوذه بطرق غير مباشرة من خلال تعيين شخصيات مؤثرة داخل المجلس» مثل الاقتصادي ستيفن ميران، العضو الجديد في لجنة السوق المفتوحة (FOMC)، الذي دعا في الاجتماع السابق إلى خفض أكبر للفائدة. وأكد أن مثل هذه التحركات تكشف رغبة إدارة ترامب في توجيه السياسة النقدية لخدمة أولويات النمو والصادرات على حساب الانضباط المالي.

وأشار إلى أن ترامب لم يُخفِ انتقاداته العلنية المتكررة لرئيس الفيدرالي جيروم باول، متهمًا إياه بالتباطؤ في خفض الفائدة و«التسبب في ركود مفتعل»، لافتًا إلى أن هذه اللغة السياسية تمثل ضغطًا غير مباشر على مؤسسة من المفترض أن تبقى مستقلة عن التأثيرات الحزبية، مضيفا أن الفيدرالي يواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا لقدرة استقلاله المؤسسي أمام رئيس يسعى إلى تحويل السياسة النقدية إلى أداة تخدم أجندته الاقتصادية والانتخابية.

أما عن التداعيات المحتملة على الاقتصادين العالمي والعربي، فيرى العسيلي أن خفض الفائدة الأمريكية حتى لو كان تدريجيًا سيترك آثارًا واسعة، أبرزها تراجع العائد على الدولار، مما قد يدفع رؤوس الأموال إلى التحول نحو الأسواق الناشئة، إلى جانب ارتفاع أسعار الذهب والنفط باعتبارهما ملاذين آمنين في أوقات التيسير النقدي. كما يمكن أن يؤدي هذا الاتجاه إلى تحسّن مؤقت في قيمة العملات المحلية بالأسواق النامية، ومنها الجنيه المصري، نتيجة تراجع الضغط الدولاري، إلى جانب احتمال زيادة تدفقات الاستثمارات قصيرة الأجل إلى أدوات الدين في المنطقة العربية.

التذبذب في سياسات الفيدرالي

لكنه حذر في الوقت ذاته من أن هذا التحسن قد يكون مؤقتًا، إذ إن التذبذب في سياسات الفيدرالي قد يخلق حالة من عدم اليقين المالي عالميًا، ما يدفع البنوك المركزية في الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في سياساتها النقدية للحفاظ على استقرار عملاتها. وأشار إلى أن مصر تحديدًا تتابع هذه التطورات عن كثب، لأن أي تغيّر في تكلفة التمويل أو اتجاه رؤوس الأموال الأجنبية يمكن أن ينعكس مباشرة على ميزان المدفوعات وسوق الصرف المحلي.

واختتم العسيلي تصريحاته قائلا، إن ما يجري في واشنطن اليوم هو معركة بين منطق الاقتصاد وصوت السياسة، موضحًا أن الفيدرالي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يثبت استقلاله التاريخي في مواجهة الضغوط السياسية، أو أن يستسلم لتحويل السياسة النقدية إلى أداة بيد السلطة التنفيذية، مما قد يفتح الباب لعصر جديد من «التسييس المالي» في أكبر اقتصاد في العالم، مضيفا «في كل الأحوال، العالم كله يترقب؛ لأن قرار الفيدرالي القادم لن يرسم فقط مستقبل الدولار، بل سيحدد ملامح النظام المالي العالمي في المرحلة المقبلة».

أخبار ذات صلة

0 تعليق