أثار الحديث عن نية تقديم جزء ثاني من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»، حالة واسعة من الجدل في الأوساط الفنية والإعلامية، إذ انقسمت الآراء بين مؤيد للفكرة يرى فيها محاولة لتجديد الإرث الدرامي القديم بروح عصرية، وبين معارض يعتبر أن إعادة إنتاج أحد أهم أعمال الدراما المصرية مغامرة مليئة بالمخاطر قد تضر بقيمة العمل الأصلي الذي حقق نجاحًا استثنائيًا منذ عرضه الأول في تسعينيات القرن الماضي.
ذاكرة الدراما المصرية
المسلسل الذي قدم من خلاله النجم الراحل نور الشريف والنجمة عبلة كامل واحدة من أبرز الثنائيات في تاريخ الشاشة الصغيرة، ترك بصمة لا تُنسى في وجدان الجمهور، حتى أصبح جزءًا من ذاكرة الدراما المصرية والعربية، وهو ما جعل فكرة تقديم جزء جديد منه تثير موجة من التساؤلات حول مدى جدوى إعادة تلك التجربة الفريدة.
في هذا السياق، استطلعت «البوابة نيوز» آراء عدد من النقاد الفنيين البارزين، من بينهم طارق الشناوي، ماجدة خير الله، حنان شومان، لمعرفة آرائهم حول إمكانية تنفيذ المشروع ومدى تقبّل الجمهور له بعد مرور أكثر من ربع قرن على عرض النسخة الأصلية.
وجاءت التصريحات متنوعة في رؤيتها، إذ حذّر البعض من الاعتماد على الحنين لاستنساخ نجاح الماضي، مؤكدين أن «العمل الذي اكتمل فنيًا لا يحتاج إعادة»، بينما فضّل آخرون التريث وعدم إصدار الأحكام قبل معرفة تفاصيل المشروع وأسماء صُنّاعه، في حين شددت بعض الآراء على ضرورة تقديم دراما جديدة تعبّر عن الواقع الحالي بدلًا من إعادة تدوير الكلاسيكيات التي شكّلت وعى أجيال كاملة.
ويستعرض هذا التقرير آراء النقاد الثلاثة كما وردت في تصريحاتهم الخاصة لـ«البوابة»، في محاولة لتقديم قراءة نقدية شاملة لرؤية أهل الخبرة تجاه واحدة من أكثر القضايا الفنية إثارة للجدل في الوقت الحالي.
مغامرة فاشلة
قالت الناقدة الفنية، ماجدة خير الله، لـ«البوابة نيوز» إنها ترفض تمامًا فكرة تقديم جزء ثانٍ من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي»، مؤكدة أن هذه الخطوة ستكون «مغامرة فنية غير مضمونة العواقب» وقد تؤدي إلى "فشل ذريع" لأنها تمس عملًا يعتبر من أيقونات الدراما المصرية التي يصعب تكرارها.
وأضافت خير الله: «المسلسل الأصلي كان حالة فنية استثنائية لا يمكن إعادة إنتاجها، لأن نجاحه لم يعتمد فقط على القصة أو السيناريو، بل على مجموعة من العناصر التي اجتمعت في توقيت مثالي، كان هناك أداء عبقري من الفنان الراحل نور الشريف، وكيمياء فنية نادرة بينه وبين عبلة كامل، إلى جانب رؤية إخراجية محكمة من أحمد توفيق، ونص متماسك من إحسان عبد القدوس تمت معالجته دراميًا بشكل ذكي ومؤثر».
وتابعت الناقدة قائلة: «الجيل الحالي من صُنّاع الدراما عليه أن يقدّم أعمالاً تعبّر عن واقعه وقضاياه، بدلًا من الاعتماد على الحنين للماضي، لا يمكننا أن نعيش على نجاحات التسعينيات، فالمناخ الفني تغيّر، والجمهور تغيّر أيضًا، وأي محاولة لاستنساخ عمل مثل لن أعيش في جلباب أبي ستكون ظالمة للتجربة الأصلية».
وأشارت خير الله إلى أن قوة المسلسل جاءت من صدقه وبساطته وقربه من الناس، وليس من كونه عملًا قابلًا للاستمرار بأجزاء أخرى، قائلة: «الدراما دي خلصت حكايتها، وأي محاولة لإضافة جزء ثانٍ هتكون مجرد تكرار مفتعل لا يحمل نفس الروح ولا المضمون، الجمهور ارتبط بالشخصيات الأصلية، ولن يتقبل بدائل أو تحديثات سطحية».
واختتمت خير الله حديثها مؤكدة: «أنا ضد فكرة استغلال اسم كبير لتحقيق نسب مشاهدة أو جدل مؤقت، الفن الحقيقي لا يُعاد، بل يُحترم ويُترك كما هو، لن أعيش في جلباب أبي عمل مكتمل لا يحتاج تكملة، لأن تاريخه ومكانته في وجدان الجمهور أكبر من أي محاولة لإعادة تقديمه».
إعادة الماضي ليست إبداعًا
وكشف الناقد الفني طارق الشناوي، عن إن فكرة تقديم جزء ثانٍ من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي" هي فكرة مليئة بالمخاطر، واصفًا إياها بأنها "مغامرة غير مضمونة النتائج» لأنها تتعامل مع واحد من أكثر الأعمال الدرامية رسوخًا في ذاكرة المشاهد المصري والعربي.
وأردف الشناوي أن العمل الأصلي الذي قدّمه الفنان الكبير نور الشريف والنجمة عبلة كامل يمثل حالة نادرة في الدراما المصرية، قائلًا: «هذا المسلسل لا يُقاس بالأرقام أو نسب المشاهدة، بل بقيمته الفنية والوجدانية، لقد أصبح جزءًا من وجدان الأسرة المصرية، ومن الصعب جدًا أن يأتي جيل جديد ليعيد إنتاجه دون أن يتأثر بالمقارنة القاسية مع النسخة الأصلية».
وأضاف: «الدراما لا تُقاس فقط بقدرتها على الإبهار أو الاستدعاء، بل بصدقها الفني، ولن أعيش في جلباب أبي كان صادقًا في كل تفاصيله؛ من السيناريو والحوار إلى أداء الممثلين والتناول الإخراجي، لذلك لا أرى أن تقديم جزء ثانٍ سيضيف شيئًا لتاريخ هذا العمل، بل ربما ينتقص منه».
وأكد الشناوي أن إعادة الماضي ليست إبداعًا، بل هي شكل من أشكال «الاستسهال الفني»، مشيرًا إلى أن الدراما المصرية تحتاج إلى أفكار جديدة تعبّر عن الواقع الحالي، بدلًا من تكرار قصص حققت نجاحًا في زمن مختلف، وقال: «الفن يتطور بالتجريب والتجديد، وليس بإعادة تدوير الكلاسيكيات، الجمهور اليوم لديه وعي مختلف، وتجاربه الحياتية لا تشبه جيل التسعينيات، وبالتالي لا يمكن أن يتفاعل بنفس الطريقة مع نسخة جديدة من عمل قديم».
وتابع الشناوي: «إذا كانت هناك رغبة في استلهام روح العمل أو إعادة تناول فكرته من زاوية جديدة تمامًا، فهذا مقبول بشرط أن يكون بوعي فني واحترام للأصل، أما تقديم جزء ثانٍ بنفس الاسم والشخصيات أو محاولة استكمال القصة فذلك سيضع المشروع في مقارنة ظالمة لا يمكن الفوز بها».
واختتم الناقد الفني طارق الشناوي حديثه مؤكدًا أن «لن أعيش في جلباب أبي» عمل مكتمل فنيًا ودراميًا، وأن محاولة إحياءه في شكل جديد قد تفقده قيمته التاريخية، مضيفًا: «الحنين للماضي لا يصنع فنًا عظيمًا، بل الإبداع هو الذي يحترم الماضي ويصنع حاضرًا مختلفًا، هذا العمل يستحق أن يُترك كما هو، كوثيقة فنية لا يمكن تكرارها بنفس السحر أو التأثير».
التقييم بعد العرض
قالت الناقدة الفنية، حنان شومان، إنها تتابع الجدل المثار حول فكرة تقديم جزء ثانٍ من مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي» باهتمام، لكنها ترى أن الحكم على المشروع في هذه المرحلة سابق لأوانه، مؤكدة أن «أي عمل فني لا يمكن تقييمه قبل معرفة تفاصيله كاملة من حيث السيناريو، الرؤية الإخراجية، وأسماء المشاركين فيه».
وأضافت شومان: «أنا شخصيًا لا أميل لفكرة إعادة إنتاج الأعمال الكلاسيكية، لكن في الوقت نفسه لا أستطيع أن أرفضها تمامًا قبل أن أرى ما إذا كانت هناك رؤية جديدة ومختلفة تستحق التجربة، الفن لا يعرف الثوابت المطلقة، والمهم هو كيف يُقدَّم العمل وليس فقط ما يُقدَّم».
وأوضحت شومان، أن المسلسل الأصلي الذي قدّمه نور الشريف وعبلة كامل أصبح جزءًا من وجدان المشاهد المصري، لأنه تناول ببراعة تحولات المجتمع والأسرة المصرية في مرحلة مهمة من الزمن.
وأضافت: «نجاح لن أعيش في جلباب أبي لم يكن فقط بسبب نجومه، بل لأنه قدّم نموذجًا واقعيًا لإنسان بسيط يسعى لتحقيق ذاته رغم التحديات، لذلك، أي محاولة جديدة يجب أن تُبنى على فهم عميق لتلك الروح وليس مجرد استنساخ للأحداث».
وأشارت شومان إلى أن الحكم على المشروع دون معرفة التفاصيل يُعد ظلمًا لصُنّاع العمل الجدد، قائلة: «نحن كَنقّاد من الطبيعي أن نحذر من تكرار الكلاسيكيات، لكن من العدل أيضًا أن ننتظر حتى تتضح الملامح، ربما يأتي فريق عمل مختلف يقدم رؤية معاصرة تمس الجيل الجديد وتعيد الفكرة بروح جديدة دون أن تسيء للأصل».
وتابعت بقولها: «الدراما المصرية في حاجة إلى أفكار مبتكرة تواكب التطورات الاجتماعية والنفسية التي نعيشها الآن، ولكن هذا لا يعني أن نغلق الباب تمامًا أمام إعادة تقديم أعمال ناجحة، بشرط أن تكون هناك مبررات فنية قوية تدفع لذلك».
واختتمت الناقدة حديثها مؤكدة: «لن أعيش في جلباب أبي سيظل عملًا خالدًا في ذاكرة الدراما، وأي محاولة جديدة يجب أن تُعامل بحذر واحترام، لأن النجاح لا يُقاس بتكرار الاسم، بل بمدى الصدق الفني الذي يصل إلى الناس، لذلك أنا أفضل الانتظار حتى نرى التفاصيل بدلًا من إطلاق الأحكام المسبقة».











0 تعليق