المولد، بعيدًا عن التنظير الفلسفي والبعد العقيدي والأنثروبولوجيا وبقايا اللاهوت الأرضي الباحث عن آلهةٍ صُغرى وشفعاء وأولياء قريبين، هو البديل المصري لثقافة الكرنفال، والبديل أيضًا عن أجواء المصايف.
هكذا ينطلق الغلابة بلا قيود في التعبير عن حبهم الروحي، ويدمجون كل ما هو مادي بطابع ديني؛ فالرقص يصبح دورانًا مع الأرض في حلقة تسبّح الله، والأغاني أناشيد، والأكل نذور، والشرب هروبٌ من جفاف وقسوة الأيام نحو الارتواء.
كما يتحوّل الأولياء إلى قضاة يُحتكم إليهم في مظالم يعجز الناس عن التصدي لها. لا فرق في ذلك عن الشكاوى التي تُرفع للإمام الشافعي، والتي حلّلها اجتماعيًا العالم القدير الدكتور سيد عويس، والتقط خيطها دراميًا المبدع إبراهيم عيسى في فيلم صاحب المقام.
وتتجلّى الفكرة بصور أخرى في الطلبات التي يكتبها الأقباط فوق أجساد القديسين وعلى المذبح في الكنائس، وهم يصلّون للنجاة من "الغلاء والوباء وسيف الأعداء".
إنّ المولد رحلةُ بحثٍ عن شفاءٍ من أمراض مستعصية، وبحثٌ عن عدلٍ مفقود، وقوتٍ لا يسدّ الرمق، ودعاءٌ على ظالمٍ لا حيلة في مواجهته، بانتظار انتقام السماء.
إذن، فالمولد – في جملةٍ شاملة – هو حالةُ تنفيسٍ عن ضغوطٍ جسديةٍ ونفسيةٍ وعصبية، مع سرقةِ بهجةٍ لا موقع لها في أيامٍ سوداء حالكة الظلام، كئيبة الليالي، كثيرة الفشل.
ورفض المتشددين لدنيا الموالد قديمٌ أيضًا؛ فكثيرًا ما حاربت الكنيسة مظاهر غير لائقة في موالد العذراء ومارجرجس والقديسين، وأصبحت تسميها "نهضات روحية". كما قام بعض السلفيين بهدم عددٍ من مقابر وضرائح الأولياء، وتُحرِّم فتاواهم الصلاة في مساجد بها أضرحة.
فيلم الليلة الكبيرة
وجسّد فيلم الليلة الكبيرة (تأليف أحمد عبد الله، وإخراج سامح عبد العزيز، وبطولة نحو 22 نجمًا) مباراةً دراميةً بين سلفيين وصوفيين حول الاحتفال بختام مولد وليٍّ يُدعى "عرش الدين"، حيث تجتمع المتناقضات مع الأحلام:
فهناك الزوجة التي تنجب البنات وتحلم بالولد الذكر لينتهي حلمها بموتها، ولاعبة السيرك التي تتعرّض للخديعة من العامل بسيرك والدها، الحالم بالزواج منها، والذي يوافق عليه الأب فورًا ثم يأمر العامل بطلاقها تحت تهديد السلاح (وينسى السيناريو أن طلاق الإكراه لا يقع).
وهناك المنشد الديني الذي يتزوّج من ابنته! وهناك الشاب المختلّ نتيجة لانحراف أمه (أفضل ثنائي في الفيلم كتابةً وأداءً: أحمد رزق وصفية العمري). وهناك المنقبة التي تخدع والدها بالنقاب لتفعل ما تريد، مستغلةً كونه ستارًا للكذب والانحراف. وهي شخصية قريبة جدًا من شخصية جومانا مراد التي كانت تخدع أمها في فيلم كبارية، ومن الفتاة التي كانت تخدع أباها سائق القطار في فيلم ساعة ونص.
إذن، نحن أمام استنساخ ميلودرامي لأفلام سابقة، حيث تدور الشخصيات بين الأحلام والشهوات والانحرافات. وحتى محاولة السيناريو الردّ على الفكر السلفي إزاء المقامات والموالد جاءت بشكل تسجيلي ووعظي فَجّ، وكلامٍ مكرر عن أهمية وروعة الموالد لا يُفيد.
فمع كل هذه الانحرافات المشينة التي قدّمها الفيلم دراميًا في المولد، تنتصر عمليًا وواقعيًا وجهةُ نظر السلفيين المتشددين، وهو عكس الرسالة التي هدف إليها الفيلم.
إفيه قبل الوداع:
الكمساري تذاكر.. تذاكر!
مش عايز.
تذاكر!
ما قلتلك مش عايز.. إنت عبيط؟
يحيى الفخراني في أكثر مشهد كوميدي في فيلم مبروك وبلبل.
0 تعليق