تطبيق "تيك توك" أصبح في السنوات الأخيرة، منصة مفضلة للشباب لصناعة المحتوى وتحقيق الشهرة، لكنه في الوقت نفسه تحول إلى ساحة للفوضى الرقمية وسلوكيات غير منضبطة، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من صناع المحتوى – المعروفين باسم "تيكتوكرز" – في قبضة العدالة.
هذا السقوط لم يكن فقط على مستوى القانون، بل أيضاً أخلاقيًا واجتماعيًا، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة حول دور المنصات الرقمية في زعزعة الأمن المجتمعي، ودور الدولة في مواجهتها.
تيك توكرز خلف القضبان.. ما الذي يحدث؟
كانت الفترة الأخيرة قد شهدت حملات أمنية مكثفة أسفرت عن القبض على عدد من مشاهير "تيك توك" في مصر، بتهم تتراوح بين التحريض على الفسق، ونشر محتوى يخالف القيم الأسرية، ووصولاً إلى قضايا غسيل أموال واستغلال الأطفال.
وتحوّلت بعض الأسماء التي صنعت شهرة واسعة على المنصة، إلى عناوين رئيسية في صفحات الحوادث، ما يعكس خطورة غياب الوعي بالقوانين لدى هؤلاء المؤثرين الجدد.
وتظهر هذه الوقائع هشاشة الحدود بين الترفيه والتجاوز، خاصة في ظل سعي البعض وراء الشهرة بأي وسيلة.
بين الحريّة والمسؤولية.. معادلة يجب أن تُعاد صياغتها
يشار إلى أن ظاهرة سقوط التيكتوكرز ليست معزولة، بل تعبير عن خلل أوسع في فهم الحريات الشخصية والمجتمعية، فمنصات التواصل لا يمكن أن تكون مناطق خارجة عن القانون أو القيم. وبينما يجب احترام حرية التعبير، لا بد من تأكيد أن هذه الحرية مقيدة باحترام القانون والأخلاق. ويبقى التحدي الأكبر في تحقيق التوازن بين الانفتاح الرقمي، والحفاظ على الأمن المجتمعي، وهو ما يتطلب تعاونًا مشتركًا بين الدولة، والمجتمع، والمنصات ذاتها
رقابة قانونية وتربوية مزدوجة
من جانبه قال مساعد وزير الداخلية الأسبق وخبير الأمن العام اللواء محمد نور الدين : إن سقوط التيكتوكرز هو نتيجة طبيعية لترك الساحة مفتوحة دون توعية أو رقابة كافية، بعضهم لا يدرك أن ما يُنشر عبر الإنترنت يمكن أن يُحاسب عليه جنائيًا، وغياب الثقافة القانونية يجعلهم عرضة للانزلاق في محتوى مخالف".
وأضاف نور الدين لـ"البوابة نيوز" : الدولة تتحرك حاليًا في الاتجاه الصحيح عبر الرقابة الإلكترونية، لكن ينبغي أن يتوازى هذا مع دور تربوي في المنازل والمدارس .
منصة مفتوحة أم بوابة للفوضى الرقمية؟
وأوضح : ان تيك توك، كغيره من التطبيقات، بدأ كمنصة ترفيهية تعتمد على مقاطع قصيرة، لكنه سرعان ما أصبح ساحة لنشر سلوكيات لا تراعي القيم المجتمعية، غياب الرقابة الفعّالة على المحتوى، وسعي البعض لتحقيق أكبر عدد من المشاهدات، شجّع على ظهور محتويات مسيئة أو مخالفة للقانون. والأخطر أن بعض صناع المحتوى باتوا يستغلون صغار السن أو ينشرون وقائع مفبركة فقط لجذب المتابعين، في انتهاك صارخ للقيم والأخلاق العامة.
ضرورة توظيف التكنولوجيا للردع
وأكد الباحث في أمن المعلومات والجرائم الإلكترونية المهندس ياسر عبد اللطيف : "الذكاء الاصطناعي والتحليل الرقمي يمكن أن يكونا أداة فعالة لكشف المحتوى المخالف قبل انتشاره. وأوضح عبد اللطيف لـ"البوابة نيوز" أن المشكلة أن الكثير من هؤلاء التيكتوكرز يعتقدون أنهم في مساحة آمنة، لكن الحقيقة أن أي سلوك مخالف يُرصد، ويُوثق، ويمكن محاسبة صاحبه لاحقًا.
وقال ان الحل يكمن في تفعيل تكنولوجيا الكشف المبكر ومراقبة الأنماط السلوكية للمحتوى".
المجتمع في مواجهة ثقافة “التريند”
وأضاف عبد اللطيف : لا تتوقف الأزمة عند الجانب الأمني فقط، بل تمتد إلى التأثير المجتمعي الخطير لثقافة "التريند"، فبعض الشباب والمراهقين باتوا يقلدون هؤلاء المؤثرين في السلوكيات غير السوية، دون تمييز بين الترفيه والانحراف، وهذا يضع الأسر أمام مسؤولية كبيرة في توعية أبنائها، كما يتطلب تدخل المؤسسات التعليمية والإعلامية لغرس قيم الانضباط، والنقد الواعي لما يُقدّم عبر الإنترنت.
0 تعليق