Advertisement
وبحسب الحصيفة، "رغم أن حزب الله أصبح الآن أضعف كثيراً من إسرائيل، فإنه يظل مع ذلك أقوى من أي فصيل داخلي في لبنان، بما في ذلك الحكومة اللبنانية. والنتيجة العملية لهذا هي التصعيد: حزب الله يسعى إلى إصلاح وإعادة بناء قدراته، ولا توجد قوة في لبنان راغبة أو قادرة على وقف هذا، وإسرائيل، التي تدرك نوايا حزب الله تجاهها، عازمة على إبقائه ضعيفاً وتمتلك القدرة على القيام بذلك. وتعكس هذه الديناميكية مدى التغيير الذي شهده الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين. فقبل العام الماضي، كان حزب الله يُعتبر غالبًا أقوى جهة عسكرية غير حكومية في العالم، وكان المحللون في مختلف القنوات التلفزيونية يُرددون أن قدرات المنظمة تفوق قدرات العديد من الدول. وهذا صحيح: قبل عام 2024، كانت الحزب السياسي-العسكري قد تمتع بثلاثة عقود من التقدم شبه المستمر".
وتابعت الصحيفة، "في السابق، وجّه حزب الله ضرباتٍ قاصمة ضد القوات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية في وسط لبنان في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ثم خاض تمردًا ناجحًا ضد إسرائيل استمر خمسة عشر عامًا، وأسفر عن انسحاب أحادي الجانب لقوات تل أبيب من جنوب لبنان عام 2000. وفي عام 2006، وبعد رفضه إنهاء حربه عقب الانسحاب قبل ست سنوات، خاض حزب الله مجددًا صراعًا داميًا غير حاسم استمر شهراً ضد إسرائيل، وجاء ذلك عقب غزوٍ دمويٍّ شنه الحزب عبر الحدود. في عام 2008، تجاهل حزب الله جهود خصومه المحليين لتقليص سلطته في لبنان، وكان العامل المُسرّع وراء ذلك هو مساعي الحكومة الرسمية لفرض سيطرتها على الترتيبات الأمنية في مطار رفيق الحريري الدولي، لكن الأمر سرعان ما تفاقم ليُصبح اختبارًا لمن الكلمة الفصل في البلاد".
وأضافت الصحيفة، "سرعان ما سيطر أنصار حزب الله وحلفاؤه، حركة أمل، على غرب بيروت، وتم تهميش أنصار حركة 14 آذار المنافسة، الموالية للغرب، وحُسم الأمر لصالح حزب الله. وفي الواقع، لا يزال الأمر محسومًا: يشهد على ذلك إصرار الحكومة الرسمية، المرعوبة، على تجنب أي مواجهة مع الحزب. ومع ترسيخ تفوقه في لبنان، وانضمام عدوه الجنوبي، على ما يبدو، إلى نمط ردع متبادل، أصبح حزب الله حرًا في خوض حملات أبعد. وبين عامي 2013 و2018، لعب مقاتلوه دورًا محوريًا في الدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا. وتجدر الإشارة إلى أنه بحلول ذلك الوقت، كان حزب الله قد اكتسب، على الأقل في نظر العديد من المراقبين الغربيين، المكانة الأسطورية التي أُشير إليها في البداية".
ورأت الصحيفة أن "هذا النجاح الطويل انكسر، والأشخاص الذين يتوجب على أنصار حزب الله محاسبتهم على هذا الأمر أصبحوا في عداد الموتى. أولًا، زعيم حماس يحيى السنوار، الذي اختار شنّ هجوم على إسرائيل من غزة في 7 تشرين الأول 2023 دون إبلاغ حلفائه المختلفين في المحور الإقليمي الذي تقوده إيران، وبذلك، أجبرهم على مساعدته في وقت لم يكونوا راغبين فيه ولا مستعدين لحرب شاملة ضد إسرائيل. وثانياً، الأمين العام لحزب الله التاريخي حسن نصر الله، الذي اختار في الثامن من تشرين الأول أن يفتح جبهة دعم ضد إسرائيل نيابة عن حماس. يبدو أن نصر الله لم يُدرك أن القواعد قد تغيرت، فصدَّق دعايته الخاصة بشأن تردد إسرائيل ومخاوفها من الخسائر، وظن أن هذا يعني أن القدس ستتجنب مواجهة شاملة مع حزبه. لكنه كان مخطئًا".
وبحسب الصحيفة، "اغتيل كلٌّ من السنوار ونصر الله على يد إسرائيل في الحرب التي تلت ذلك. وركّزت إسرائيل على حماس، ولم تردّ إلا دفاعيًا ضد حزب الله حتى أواخر صيف عام 2024، ثم انتقلت إلى الهجوم. وقد تم الكشف عن مدى استخدام المعلومات الاستخباراتية لاختراق الحزب من خلال تسليح الأجهزة الإلكترونية لحزب الله، مما أدى إلى تدمير الكوادر القيادية المتوسطة للحركة، وفي عمليات القتل المستهدفة لقياداتها العليا، بما في ذلك نصر الله. كما ودمرت حملة جوية قدرة حزب الله الصاروخية البعيدة المدى، وأبعدته مناورة برية عن الحدود. وبعد أن تضرر حزب الله، تراجع عن قرار نصر الله المعلن، ووافق على وقف إطلاق نار منفصل مع إسرائيل في تشرين الثاني من العام الماضي".
وتابعت الصحيفة، "منذ وقف إطلاق النار، تشهد المنطقة مواجهة ثلاثية. حزب الله، مثل بقية المحور الإقليمي الذي تقوده إيران، باستثناء نظام الأسد الراحل في سوريا، في حالة انهيار، لكنه لم يُهزم. فبعد أن أضعفته الحرب بشكل كبير، يحاول التنظيم استعادة توازنه، وهناك ضخ نقدي من إيران وجهود لاستبدال الأسلحة المضادة للدبابات والقدرات الصاروخية. واليوم، الأمين العام الجديد لحزب الله هو الشيخ نعيم قاسم، الذي كان في السابق المفكر والمنظّر الأبرز للحركة، وكان يُكلّف بلقاء الوفود الغربية وشرح حتمية انتصار حزب الله لهم. كقائد، يُعتبر أداءه، حتى الآن على الأقل، متواضعًا".
وأضافت الصحيفة، "يُخصَّص جزء كبير من الأموال الإيرانية لتعويض عائلات شهداء حزب الله، ويُقدَّر أن نحو 5000 عنصر من الحزب لقوا حتفهم خلال هذين العامين من الحرب. ومع ذلك، فإن نية الحزب واضحة، وهي إعادة بناء قوته المفقودة. إسرائيل عازمة على منع ذلك بكل الوسائل المتاحة، ومن الدروس الأساسية التي تعلمتها الدولة اليهودية من أحداث السابع من تشرين الأول أن السعي لتحقيق الهدوء من خلال الردع المتبادل مع الفصائل الإسلامية المسلحة على حدودها هو مسعى أحمق، فهذه المنظمات تتمسك برؤية دينية وأيديولوجية تتغلب على المصلحة الذاتية والبراغماتية. لذلك، يجب إبقاؤهم في حالة ضعف جسدي. منذ إنجازاتها في الأشهر الأخيرة من عام 2024، انخرطت إسرائيل في حملة نشطة لتعطيل قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته، واغتالت نحو 350 من عناصره، وكان آخرهم علي هيثم الطباطبائي".
ورأت الصحيفة أن "الضلع الأخير والأقل أهمية في المثلث هو الحكومة اللبنانية برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام. فمنذ آب من هذا العام، التزمت الحكومة بنزع سلاح حزب الله، وأُحرز بعض التقدم جنوب نهر الليطاني. وقد أوضح حزب الله أنه لن يسمح بنزع سلاحه شمال النهر. في الواقع، لا أحد يتوقع جدياً أن تواجه الحكومة في بيروت الحزب، وهذا يعني أنه حتى الآن، من المتوقع أن يستمر الصراع الثنائي الاتجاه بين إسرائيل ووكيل إيران في لبنان".
وبحسب الصحيفة، "الكرة الآن في ملعب حزب الله، لكنه يواجه معضلة. فالرد بقوة يُعرّضه لخطر انتقام إسرائيلي عنيف آخر قبل أن يتاح له الوقت الكافي للاستعداد بشكل كافٍ. أما عدم الرد، فيُعرّضه لمزيد من فقدان هيبته، سواءً في نظر قاعدته الشيعية أو خارجها. حتى الآن، يبدو من المرجح أن حزب الله سينتظر الفرصة المناسبة ويسعى لمواصلة إعادة الإعمار، لكن الصراع بينه وبين إسرائيل لم ينتهِ بعد، ويظل اندلاع جولة أخرى من القتال العنيف في مرحلة ما احتمالًا قائمًا".









0 تعليق