سباق بين التسوية والتصعيد

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تكثفت في الأيام الأخيرة الإشارات السياسية والدبلوماسية في المنطقة بطريقة توحي بأن خريطة التوازنات تتغيّر بسرعة غير مسبوقة. هذا الحراك، على تنوّعه وتشابكه، لا يبدو مجرد جولة جديدة من الاتصالات التقليدية، بل يحمل في خلفيته إدراكًا إقليميًا واسعًا بأن مرحلة ما قبل الأسابيع الماضية لن تعود كما كانت، وأن الأطراف جميعها تتعامل مع واقع يتّجه نحو منعطف حاسم.

Advertisement


اللقاءات المتسارعة بين السعودية وتركيا وإيران ليست تفصيلًا عابرًا. هذا النوع من الاجتماعات لا يتمّ إلا عندما تشعر الدول الثلاث أنّ هناك نافذة سياسية يجب استغلالها قبل أن تُغلق، أو أن هناك خطرًا كبيرًا يقترب يستدعي تحالفًا مرنًا يمنع تغييرات غير مرغوبة في التوازن الإقليمي. وقد ظهر واضحًا أن هذه المشاورات هدفت إلى رسم خطوط أولية لتفاهم عريض، أو ما يشبه “تكتلًا إقليميًا” قادرًا على كبح الاندفاعة الإسرائيلية التي تحاول منذ أسابيع فرض وقائع سياسية وميدانية تعيد تشكيل المنطقة وفق رؤيتها.

إسرائيل، من جهتها، تدفع بقوة نحو التصعيد العسكري، لا فقط لأنها ترى أن الظروف الدولية قد تساعدها على توسيع هامش عملياتها، بل لأنها تشعر أن أي تسوية تُفرض قبل انتهاء المواجهة الحالية قد تُلزمها بتنازلات تُعتبرها انتكاسة استراتيجية. لذلك تسعى بكل ما لديها لرفع سقف الاشتباك، وفرض أمر واقع يجعل أي طاولة مفاوضات لاحقة محكومة بشروطها هي.

لكن الصورة ليست أحادية الاتجاه. الولايات المتحدة، التي تراقب التطورات من زاوية أوسع، ليست بوارد السماح بانفجار شامل يعطّل أجندتها الدولية. واشنطن باتت في سباق مع الوقت: تريد إنهاء الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، أو على الأقل تجميدها عند حدّ مقبول، حتى تتفرغ لمواجهتها الأساسية مع الصين؛ مواجهة ترى فيها التحدّي الأكبر لموقعها العالمي. وهي تدرك أن استمرار التوتر في المنطقة، خصوصًا إذا ارتفع مستوى الاشتباك، سيجرّها مجددًا إلى مستنقع لا ترغب في العودة إليه.

هنا، يتقاطع المساران: رغبة إسرائيل في التصعيد، مقابل رغبة اميركية واسعة في ضبط الإيقاع، ورغبة عربية–إسلامية في منع تغيّر عميق في موازين القوى. هذا التداخل يُنتج سباقًا فعليًا بين احتمالين: إمّا تصعيد عسكري واسع تفرضه إسرائيل، أو تسوية سياسية سريعة تفرضها الظروف الإقليمية والدولية قبل اندلاع مواجهة أكبر.

ومع أن الطريق لا يزال ضبابيًا، إلا أن كثافة اللقاءات، وتبدّل لهجة بعض العواصم، وارتفاع مستوى القلق الدولي من انفلات الأمور، تجعل احتمال التسوية أقرب مما كان قبل أسابيع. وربما تكون المنطقة أمام لحظة مفصلية يتم فيها حسم الاتجاه النهائي: نحو انفجار أوسع، أو نحو تهدئة تُفرض حتى على المتحمّسين للحرب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق