في المشهد الشعري المصري المعاصر، يظهر حضور الجسد الأنثوي بوصفه ساحة تتقاطع فيها الأسئلة الوجودية والثقافية والجمالية، وأشار النقاد إلى أن الجسد في قصيدة المرأة يتجاوز مجرد استعارة للغواية أو الحنين، كما كان في التراث الشعري العربي، ليطل علينا في صورة ذاكرة حية تستعيد عبرها الشاعرات تجارب الألم والولادة والغياب والتحول من خلال القصيدة، تُعيد المرأة المصرية كتابة جسدها المقموع اجتماعيًا والمراقب أخلاقيًا لتمنحه لغته الخاصة وقدرته على الشهادة.
غير أن هذا البوح الشعري لا يخلو من المخاطر؛ فثمة خطوط حمراء لا تزال تحاصر القلم الأنثوي، تُرسم باسم التقاليد أو الدين أو الحياء، لتقوض لغة الشعر وتجعله يسير في منطقة محظورة.
وقالت الشاعرة والناقدة الدكتور شيرين العدوي متحدثة عن سؤال: هل مازالت قصيدة المرأة تقوضها الخطوط الحمراء؟ في التالي تعرف عليها:
المجتمع المتحفظ يقف بالمرصاد للشاعرات
الخطوط الحمراء؟! نعم؛ الفعل الكتابي لدى الشاعرات فيه الكثير من الخطوط الحمراء وعلينا أن نعترف أن المجتمع المتحفظ يقف بالمرصاد للشاعرات إذا أفصحن عن كشف إنساني مغاير. ليس هذا في مصر فقط ولكن في كل أنحاء العالم وليس في زمننا الحالي فحسب بل في كل الأزمان؛ فقصة الشاعرة سافو التي نسجت حولها الكثير من الأساطير كانت خير شاهد على ذلك.
وأوضحت العدوي، أن النقاد اتهموها بالابتذال والانحلال لأنها وصفت بعض تلميذاتها اللاتي كن يتعلمن في مدرستها النسوية (Thiasos) التي أنشاتها لتعليم فتيات الطبقة الراقية في المجتمع فن الأنوثة والشعر والموسيقي لتحضرهن للزواج. فقد عبرت في قصائدها عن إعجابها بتلك الفتاة التي ستتركها أو تغار على أخرها، مما جعل النقاد يتهمونها بالمثلية. وهذه التهمة داحضة إذا تأملنا أن الطبقات الراقية في المجتمع كانت ترسل فتياتهن لها. هذا ما يفعله الشعر بأصحابه.
الشاعرات يبتكرن لغة خاصة للتعبير عن حق الجسد المسلوب
وأضافت العدوي موضحة: فكيف تخفي الشاعرات حقهن في التعبير عن حق الجسد المسلوب، وكيف يتمردن على ثقافة الصمت، والكبت الاجتماعي والأخلاقي. نجدهن يبتكرن لغة خاصة رامزة يعبرن فيها عن الهوية الفردية والجماعية فيخرجن من الخاص إلى العام في نفس الوقت، فيعبرن عن جسد الوطن المنهك، ووجع الذاكرة المهترئة. فهن يخلقن عالما موازيا موارا لا يمكن اختراقه. فهن يطلقن بيانا ثوريا يتجاوز المألوف في التعبير عن الهوية. فستجد أشعرهن مليئة بالجرح، والنزف، والدماء، والمخاض، والعظام المهشمة. إنها مقاومة ثقافية عليا.
الرجل حينما يعبر عن الجسد يتقبله الجمهور
ولفتت إلى أن الرجل حينما يعبر عن الجسد والشهوة باعتبارها فعلًا إنسانيًا نجده أكثر حنكة، بل ويتقبله الجمهور كنزار قباني مثلا ومن قبله عمر بن أبي ربيعة. مثلا زهرة حسين جينما قالت في إحدى قصائدها كل يوم "أمنحك غنجا جديدا" لم يرحمها المجتمع الأدبي وكانوا يتهامسون في الردهات بمدى جرأتها وانفلاتها الأخلاقي؛ ناهيك عن مدى ما قد تكون تعرضت له من تجاوزات بالفعل.
وأغلب الشاعرات عندما عبرن عن الجسد غلب الرمز والإيحاء، وسعين إلى تسليط الضوء عبر الجسر الدلالي مرتكزات على البؤرالضدية كما تناولت إحدى الدراسات النقدية مثل: الجسد (الناطق/ الصامت)، والجسد (المقدس/ المدنس)، والجسد (الحي/ الميت). وأشارت العدوي إلى أن هذه الضدية التي تظهر دائما في الأعمال مرتبطة بالسلطة الأبوية العليا للمجتمع الذكوري النقدي.
تجربتي الشعرية تحمل مفردات الجمال في حياتي
أما عن تجربتي الشعرية فهي تجربة تحمل مفردات الجمال في حياتي وإن عبرت عن الجسد فهو يشكل لي حالة من الإجبار على العيش في مجتمع أعرف أنه زائل ولذلك دائما أطالب القصيدة من الانعتاق من أسر الكون والتوحد بالنور الأعظيم ليس تعبيرا دلاليا زائفا ولكنها حالة حقيقية أعبر عنها دائما في منظومتى الشعرية. ففي قصيدة بنات الكرخ أتوجه للخالق إذا كان مصرا على خلقي أن يمنحني جذرا قويا وجناحين لأظل أحلق في مداراته العالية وأتمكن من تحقيق العدالة:
لك أن تعودي مرة أخرى
حماما قد كبلته سوءة الطين الجسد
لي مرة أخري أعيد الذاكرة
هي دهشة أخرى ولكل بدء دهشة
فلتبدؤها بالتحية
السلام عليك يوم ولدت
تتأطر الروح انتصر لي
يا أيها الطين الجسد
أعطنى جذرا قويا
أعطنى جذرا قويا وجناحين وأفقا قد تهيا
وخلال الروح جس طيفا خفيا
وعندما حاولت أن أعبر عن حالة الجسد في إحدى قصائدي التي تحمل عنوان يجرحنا النسيم حتى الوطن، قلت:
قمرٌ على كتفي
يقف السؤال على الشفة
كنا معا من قبل هذا الكون
كنا معا في دفتر الماضي البعيد
سرقوكَ من أحلامي
وضعوكَ في ناي حزين
أنا وأنت كوب من النعناع
شاهدتُ قوسَكَ سددَ الوقتَ وأفلتَ أسهمَه
شاهدته كان رماديًّا وجمريًّا ويبرق من بعيد
جسدي يحضِّرُ وقع مأتمه
ويلقى بالحجارةَ كلًّها
غصنٌ تكسًّر فوق منجله وغادر
أجراسُ وجهي أيقظت عصفورتي من نومها
كانت مخبأةً في عشِ قلبي في الوريدْ
لا جفنَ يغفو لا عناقْ
عيناكَ سورٌ من دخان
نورجين من الحنين
تتقمصان دورَ راهبةِ البراري
لا شئ أجملَ من عناقي
ختمت العدوي: لقد ارتبط العمل النقدي لمن تحمل جندرها الذي لم يكن يد فيه تحت وطأة التحليل النفسي، وأولعن بالتفكيك كجاك لاكان، وجاك دريدا. وأوضحت العدوي أن الرؤية الذكورية للمرأة كانت مصرة على التفكيك لإفقادها قدرتها الإبداعية، والتقليل من شأنها بكونها أنقص من الرجل. إن هذه النظرة أفقدت نصها الكثير من التقدير الجديرة به.
















0 تعليق