فى السنوات السياسية الاستثنائية التى تشهد تحولاتٍ واضطراباتٍ كبرى، وتختفى خلالها قوى تقليدية وتظهر قوى جديدة، وتسقط فيها دولٌ وتبقى أخرى، وتتعرض فيها منطقة الشرق الأوسط لعواصف عاتية، فى تلك الفترات العصيبة لا يلتفت التاريخ لكثيرٍ من التفاصيل الصغيرة، لكنه يكترث فقط بالنتائج الكبرى، ويحترم أولئك الذين استطاعوا الصمود فخرجوا بأوطانهم منتصرة بعد أن يطوى التاريخ صفحات تلك السنوات. إننى أرى كل ما تمر به مصر منذ أن ضربت أعاصير الخريف العربى هذه المنطقة فى هذا السياق الكلى، لأن اقتطاع مشهد أو مشاهدٍ بعينها من هذا السياق ومحاولة بتره من الفترة السياسية قد يكون خطيئة كبرى تُجهض انتصارٍ أعظم. أرى مشهد الانتخاب الذى تمر به مصر هذه الأيام هو مجرد خطوة من خطوات سابقة ولاحقة توثق لانتصارٍ مصرى أعظم.
(1)
حاول بعضهم – عمدا أو جهلا – إفساد هذا المشهد وقلب الطاولة على المصريين، وحاولوا استغلال تدخل الرئيس - فى بيانه الأهم عن العملية الانتخابية - بعكس ما يمكن أن يمثله هذا التدخل. يقول بعضهم أن بيان الرئيس شهادة على فساد العملية الانتخابية، وفى هذا القول قلبٌ للحقائق. والمنطق هو أن هذا التدخل الرئاسى هو من تمام توثيق نزاهة العملية الانتخابية وتوثيق حرص الإدارة المصرية الحاكمة على أن تحمى إرادة المصريين. ولقد أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات بعد بيان الرئيس عن بطلان عملية الانتخابات فى دوائر بعينها بما يمثل ردا قويا على محاولة التشكيك فى المشهد الانتخابى. بعض البسطاء يعتقدون أن موجات التشكيك الحالية تأتى من منطلق الحرص على إرادة المصريين. لكن الحقيقة هو أنها محاولة للتشكيك فى شرعية مؤسسات الدولة بما يمثل محاولة للتشكيك فى منظومة الحكم ذاتها. وظهر ذلك بهذه الدعوات لإلغاء الانتخابات برمتها، وبعضهم حاول الزج باسم الرئيس فى هذه الدعوات المشبوهة بأن طالبوه بهذا الإلغاء وأن يتولى هو مسؤلية التشريع عبر تعطيل المجلس النيابى ثم القيام بإعلان دستورى يمكنه من خلاله أن يقوم بالتشريع عبر إصدار قوانين. دعوة شيطانية خبيثة لن تجد قطعا أى صدى لها فى دوائر الحكم، لكن يجب التنويه إلى خبثها الباطن. فهى دعوة لأن تنقلب الدولة المصرية على ما تحقق من خطوات دستورية عبر السنوات الماضية لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة بشكل ديمقراطى يتفق مع الدستور ويمثل ركائز قوية لجمهورية تمتد لعقودٍ مستقبلية. وهذه الدعوة التى لن تتحقق، وحسب أوهام مطلقوها، هى مرحلة أولى فى المخطط الشيطانى تتلوها المرحلة الثانية الأهم بالنسبة لهم. وهذه المرحلة الثانية – فى حال تحقق الوهم باستجابة الرئيس – هى مرحلة الصراخ على اغتيال السلطة التشريعية فى مصر وتحول نظام الحكم إلى نظام ديكتاتورى، واستعداء كل أفاعى الكرة الأرضية ضد مصر! إن الذين أطلقوا هذه الدعوة الخبيثة يحاولون القيام بدور الشيطان فى النص القرآنى والذى يوسوس للإنسان بالكفر ثم يتبرأ منه! قطعا لا مؤسسة الرئاسة المصرية ولا أى مؤسسة مصرية بهذه السذاجة ولا يريدون لمصر هذا الطريق، لكن حديثى هذا موجه لمن قد يقع فى فخ الحديث الذى يشبه فحيح الأفاعى والذى يتوسل – على بعض الصفحات الموجهة – للرئيس بهذا التدخل إنقاذا للديمقراطية ولشرعية الحكم!
(2)
يسقط البعض فى خطأ الخلط بين الدور الذى يجب أن تقوم به الدولة – حسب الدستور والقانون – فى فعالية العملية الانتخابية من خطوات قانونية محددة، بدءً بتحديد المواعيد والدعوة للانتخاب ثم الإشراف بشكل حدده القانون على العملية الانتخابية حتى إعلان النتائج، وبين ما يحدث فى العملية الانتخابية ذاتها من ممارسات تخص الناخبين والمرشحين. فدور الدولة محدد ومشروع بدءً من الموافقات الأمنية والإدارية على المرشحين، مروروا بتوفير ظروف انتخابية تسمح لكل مواطن بممارسة حقه الدستورى، وصولا لاتخاذ إجراءات قانونية ضد أى ممارسات انتخابية يثبت أنها تخالف القانون. هذا هو دور الدولة الذى لا يتخطاه إلى التداخل فى العملية الانتخابية ذاتها أو توجيه الناخبين أو منع المرشحين من القيام بدعاياتهم الانتخابية بشكل قانونى أو منعهم من ممارسة حقوقهم فى متابعة عمليات الانتخاب وفرز الأصوات. أما ما يتعلق بممارسات الناخبين والمرشحين مثل طريقة الاختيار أو طرق الدعاية، أو حتى طرق الاحتفال بفوز مرشح ما فهذا كله أعمق من تعليقه فى رقبة الدولة بمعنى الإدارة أو مؤسسات الحكم. هذا كله معلقٌ فى رقاب جميع المصريين مواطنين ومؤسسات وهيئات، بما فيها المؤسسات والهيئات الإعلامية والثقافية والصحفية والسياسية كالأحزاب. ما يحدث من ممارسات هو نتاج ما استطعناه ووصلنا إليه جميعا سواء كان نجاحا أو فشلا.
فإذا كان هناك مثلا من يقوم ببيع صوته الانتخابى بالمال، ولم يثبت ذلك قانونا لكنه معروف، فهل من المفترض أن تعين الدولة شرطيا على كل مواطن لمنعه من بيع صوته؟! الذى يبيع صوته بالمال مثل الذين يجلسون على مقهى (شهود الزور) فى مشهد سينمائى ساخر! ومثل الموظف المرتشى. محاولة تنظير البعض بأن سوء الأحوال الإقتصادية هو الدافع لهذا السلوك هى محاولة سمجة لأن نفس هؤلاء تراهم يتغنون برخص الأسعار فى دولة مبارك مثلا، دون أن يمنع ذلك من تفشى الرشوة بين الموظفين ودون أن تكون هناك نفس الممارسة الانتخابية الفاسدة. هى محاولة لتبرير فساد الضمير، لأن هناك الآن موظفون شرفاء يعيشون نفس الظروف الاقتصادية ولم تمتد أيديهم للمال الحرام. هذا المشهد يدين الساسة والمثقفين الذين فشلوا فى تصويب الوعى لدى قطاعات من المصريين وفشلوا فى إفهام هؤلاء خطورة ما سوف يترتب على ممارستهم، وفشلوا أولا فى توعية هؤلاء بأهمية دور المجلس النيابى ذاته.
(3)
فى مشهد تم تسجيله بإحدى الدوائر الانتخابية بمحافظة من شمال صعيد مصر، رأينا مجموعات من السلفيين يتوجهون لانتخاب مرشحين سلفيين وهم يهتفون لحزب النور السلفى. هذا المشهد – بعد كل ما شهدته مصر فى السنوات الأربعة عشر الماضية – هو شهادة فشل للمؤسسات الفكرية والثقافية فى مصر فى إقناع المصريين بضرورة فصل ممارسة السياسة عن الشعارات الدينية. حزب النور اكتسب شرعية وجوده بحكم قضائى بناءً على ما قدمه من أوراق كحزب سياسى لا يخلط الدين بالسياسة، فلماذا لم يقم المثقفون والمفكرين فى هذه المحافظات بدورهم لتفنيد أفكار الحزب السلفى لعوام الناس حتى يتلاشى واقعيا ويصبح مجرد ورقة تتلاشى بعد ذلك؟!
الانتخاب القبلى أو العائلى هو واقعٌ فى محافظات مصرية عديدة. كان هذا أيام الحزب الوطنى وبعده والآن، وسوف يستمر لعقودٍ تالية حتى تمر مصر بالتطور الطبيعى ويكتمل الوعى السياسى للمصريين. لكن حتى حدوث هذا فى عقود أو قرون، يجب التعامل مع الواقع. فعلى الأقل نضمن أن يكون الاختيار للأفضل حتى لو كان قبليا أو عائليا. وحتى يحدث هذا فلا بد من إعداد كوادر سياسية إعداد جيدا قبل الدفع بها لصفوف المرشحين. لماذا لا تقوم الأحزاب بعمل ورش سياسية فى المحافظات ذات التصويت القبلى لبعض الشباب الذين يُتوقع الدفع بهم فى انتخاباتٍ قادمة؟! وعلى طريقة الفيلم العربى فلنأخذ من كل قبيلة أو عائلة شابا أو شبابا نقوم بتعليمهم السياسة والدستور وتاريخ المجلس النيابى العريق فى مصر وتاريخ مصر والملفات السياسية المعاصرة واللغة العربية حتى إذا ما حان وقت الدفع بهم يكونون محصنين بكلٍ من التأييد الشعبى القبلى والإعداد السياسى الجيد! كم كان مخجلا منذ سنواتٍ حين كان أحدهم يترأس منبرا برلمانيا عريقا ولا يجيد اللغة العربية ولا هو يتحدث باللغة المصرية العامية! كان يتحدث بلغة عربية لا علاقة لها بضوابط اللغة الصحيحة.
إن ما نشاهده من ممارسات انتخابية هو واقع مصر الذى نتحمل جميعا مسؤلية وجوده وطموح تغييره للأفضل. وهو مثل باقى المشاهد المصرية فى شتى مفردات الحياة. طريق مصر للحداثة بمفهومها الشعبى الصحيح مايزال طويلا. هذه هى الحقيقة. وربما تكون الدولة بمفهومها السياسى كنظام حكم هى الأصدق فى الوفاء بوعودها أو العمل الدؤوب على الإيفاء بهذه الوعود. فلقد وعدتْ بحفظ مصر وبناء اقتصاد وبناء مؤسسات الدولة واقتحام ملفات التعليم والصحة والتنمية والبنية الأساسية ودفع الاستثمار والتصنيع وتسليح مصر بما يحفظ لشعبها وطنه، وعدت بهذا وأوفت به فى سنوات تعتبر قليلة جدا مقارنة بحجم ما كان ينتظرها من تحديات. فأين ما قامت به باقى المؤسسات والهيئات من أحزاب وكيانات ثقافية وفنية واعلامية وصحفية رسمية من الإضطلاع بمسؤلياتها فى تغيير أو تصويب بوصلة الوعى المصرى؟!
(4)
رغم كل تلك المشاهد – التى أراها طبيعية قابلة للتغيير تدريجيا – فإننى أتخيل هذه السنوات بعد عقودٍ من الآن وكيف سيكون الحديث عنها فى صفحات التاريخ. أولا لا يمكن إطلاقا فصل مشهد أى استحقاق انتخابى مصرى عن الوهج السياسى الذى تمر به مصر والمنطقة منذ عام 2011م. فى نظرة كلية لهذه الانتخابات ما حدث هو أن المصريين لم يستجيبوا لدعوات التشكيك والمقاطعة، وبذلك فلقد أجهضوا خطة نزع الشرعية عنها وعن مؤسسة التشريع فى مصر. ولقد فاز من اختارهم المصريون بالفعل. هؤلاء الفائزون هم اختيار المصريين وهذه هى الحقيقة، ولو ثبت على أحدهم بعد أشهر من ممارستهم لدورهم النيابى خللٌ من أى نوع، فهذا يعنى أنه سوء اختيار من جانب بعض المصريين لممثليهم فى البرلمان ولن يعنى بأى حالٍ إدانة للدولة التى لم تتدخل فى هذا الاختيار. حين يحدث هذا فأتمنى أن يتمتع المصريون بموضوعية وأن يراجعوا طريقة اختيارهم ليروا سبب الخلل وهو الطريقة الصعبة والأسهل منها هو إدانة الدولة!
حين تتم دعوة البرلمان لعقد أول جلساته، فسوف يعنى هذا أن مصر انتصرت فى جولة جديدة ضد محاولات خلخلة الشرعية. وسوف يعنى هذا أن يتماهى هذا المشهد مع باقى مشاهد وشواهد انتصار مصر. لن يتوقف التاريخ أمام بعض ما يتم نشره على صفحات السوشيال ميديا أو حتى بعد الوقائع التى ثبتت، لأنه لا يوجد انتخابات على مستوى العالم لا تخلو من مشاهد تشكيك أو شك، لكن الفارق أن كل مشهد شك يتناسب مع مفردات الدولة اجتماعيا وسياسيا. فلدينا الآن مثلا رئيسٌ فرنسى مدان بتهمة المال السياسى فى انتخابات رئاسية بعد أن قضى مدته رئيسا لفرنسا بالفعل! ولدينا مشاهد مماثلة فى أعتى ديمقراطيات الغرب وعلى مستوى الانتخابات الرئاسية!
ربما تحتوى بعض المؤلفات التاريخية المفصلة بعض الأوراق عن بعض المظاهر الانتخابية السلبية، لكن التاريخ بمفهومه الأقوى سوف يقيم ما قامت به مصر ككل فى مواجهة ما عصف بالدول الأخرى. وفى هذا يمكن لأى مصرى أن يطمئن تماما ويفرح بانتصار مصر. لقد خاضت مصر هذه المواجهات وكيانها ذاته على المحك، وحدودها مهددة، واقتصادها مهدد بالإفلاس، وتماسكها الإجتماعى فى مرمى النيران. خاضته ثم خرجت منه دولة قوية راسخة. ليس هذا فقط، بل أصبحت بلا منازع هى القوة الإقليمية السياسية الأهم فى الإقليم. هذا هو الأهم من وجهة نظرى. مشاهد الانتخاب رأيتها مشاهد احتفائية بالنصر المصرى واستكمال تدشين أركان وركائز الدولة المؤسسية.
(5)
نعم لدينا ملفات كثيرة تحتاج لعمل شاق وسوف تستغرق سنوات، وهذه طبيعة الدول والأمم. لم تتغير دولة فى عقدٍ أو عقدين من الزمن. لقد استغرق تحول بعض دول الغرب من ثقافة العصور الوسطى إلى العصور الحديثة قرونا. لم تبدأ تلك الدول طريقها كما يعتقد البعض بعد الحرب العالمية الثانية. هذه خديعة. ما بدأته بعد هذه الحرب كان البناء المادى لدول عصرية تعرضت للخراب والتدمير، لكنها كان قائمة بالفعل واحتلت كل دول الشرق الأوسط. لكن البناء الفكرى والعقلى فى تلك الدول الغربية بدأ قبل ذلك بعقود طويلة. بدأ بالتحرر من هيمنة رجال الدين على مفردات السياسة والحياة والعلوم والفنون. ثم تلته الثورة الصناعية العلمية. رغم استغراقهم هذه العقود الطويلة، لكن ديمقراطياتهم تقع فى نفس الخطايا التى نقع فيها نحن مثل فكرة المال السياسى! أى أننا نناطح من سبقونا بقرون، وفى هذا انتصارٌ للمصريين.
إجمالا لم يتخلص كثيرٌ من المصريين حتى الآن من معضلة فكرية كبرى وهى الفصل بين فكرة الدين وبين فكرة الدولة ومفرداتها. يلقى هذا بظلاله على شرعنة بعضهم لبعض الممارسات السياسية. تكمن فى عقول البعض فكرة أن الدولة القانونية الدستورية هى كيانٌ لا يتفق مع الدين، وبالتالى أى ممارسة ضدها بمنطق نفعى أنانى خالص هو ممارسة مشروعة. لا يمنح بعض المصريين نفس الاحترام الأخلاقى والضميرى لفكرة القانون كما يمنحها لفكرة الضوابط الدينية. فمثلا بعضهم قد ينحنى ليلتقط قطعة خبز من الأرض قبل أن يرتكب خطيئة وطئها بقدمه ويقبلها ويضعها جانبا، ثم لا يتورع عن بيع صوته الانتخابى لأنه يعتقد أن هذا البيع حلال ولا غبار عليه! تماما كما يعتقد بعضهم فى أن تجارة الآثار حلال مثلا! ستظل هذه الممارسات طالما ظلت هذه الإزدواجية قائمة فى العقل المصرى الجمعى. بعضهم لم يدرك حتى الآن معنى المجلس النيابى ولا أهمية دوره ولا شرعية وجوده الدينية ويراه يقوم بدورٍ ضد الشرع ويأخذ كل تفاصيل العملية الانتخابية باستخفاف.
لدينا ملفات كبرى تتعلق غالبيتها بدور منظومات الفكر والثقافة والإعلام فى مصر سواء كانت منظومات خاصة أو رسمية. لكن حين نضع مصر فى مقارنة مع ما سبقها من دول غربية أقول مطمئنا أن مصر سابقة فى تحقيق بعض الخطوات فى سنوات قليلة ما حققته تلك الدول فى عقود. وهذا ما يدعو للأمل فى أن مصر قادرة تماما على استكمال باقى الخطوات.
(6)
أمام المتداخلين والمسؤلين عن صياغة الوعى فى مصر مسؤلية ثقيلة. تثقيف المصريين سياسيا وفض الاشتباك العقلى بين فكرة قداسة القانوان ووجوب احترامه وقداسة القيم والأوامر الدينية وبيان عدم التضارب بين المعنيين. لدينا مسؤلية نشر أو إعادة بعث إحدى ثروات شخصية مصر فى عقول المصريين، وهى فكرة أن مصر أرضٌ تضم جميع المصريين وليست قبيلة أو عائلة، وأن الإعتزاز بالعائلة أو القبيلة لا غبار عليه ومن طبائع الأمور بشرط ألا ينازع الانتماء للأرض بصورة كلية وألا تكون الأفضلية للقبيلة أو العائلة حين يتعلق الأمر بوطن. عيهم دور بتثقيف الشباب سياسيا بأساليب علمية موضوعية. عليهم الخروج من أبراجهم العاجية التى يشاكسون فيها أنفسهم أو صفحات وشاشات وهمية والنزول للقرى والنجوع والأزقة والمساجد! عليهم تصويب أفكارٍ تكلست فى عقول بعض المصريين وأن يتقبلوا ردود الفعل الأولى المنتظرة!
على مثقفى مصر أن يغيروا بوصلتهم لوجهة تمثل القبلة الحقيقية التى يجب أن يتجهوا إليها. فكثيرٌ منهم يهدر جهده ووقته فى الجبهة الخطأ، لأن الدولة بمعنى نظام الحكم ليس فى خصومة مع المثقفين، لكن المثقفين فى خصومة حقيقية مع بعض الأفكار الراسخة فى التربة المصرية والتى تم غرسها فى فترات تاريخية سابقة.
هذا هو جهاد المثقفين الحقيقى وهو الجهاد الأكبر! هو جهادٌ فكرى ووطنى وضميرى لكنه بدون بريق شعبى أو هتافات شعبوية تطرب لها آذان المراهقين سياسيا! بعض المثقفين فى مصر يخوضون المعركة الخطأ لأنها التى تمنحهم البريق والهالة والألقاب! لكن كل ذلك لن يغير عقل وأفكار أمة لأن مفتاح التغيير الذى أتحدث عنه لا يوجد فى مكتب مسؤل سياسى تنفيذى مهما طمح هو شخصيا لذلك. مفاتيح هذا التغيير – كما حدث فى كل فترات التاريخ – تقبع فى عقول المثقفين والمفكرين وفى ضمائرهم وتجردهم وقبولهم القيام بهذا الدور دون أن ينتظروا أى مقابل أو أوسمة أو جوائز، ودون أن تكون غاياتهم أضواء الكاميرات وميكروفونات المظاهرات الشعبوية! هو دورٌ ثقيل بلا حافز سوى القناعة الشخصية للقيام به، وبلا مقابل سوى إرضاء الضمير الذاتى أو حتى الحلم المشروع بإنصاف التاريخ لهم يوما ما! أى أن المقابل مؤجل لما بعد رحيلهم!
بهذا الطريق وحده تغيرت الأمم وخطت خطواتها نحو الحداثة. لقد أُعدم مفكرون فى عصورٍ مختلفة لأنهم اتخذوا قرارات بخوض معركة تغيير مجتمعاتهم. لقد قامت سلطاتٌ فى دول مسلمة ومسيحية برعاية الجمود وضحت برقاب المفكرين والفلاسفة حتى دفعت الثمن هى ومن دافعت عنهم. لكن الوضع فى مصر الآن هو نموذجى ومثالى لكل مفكر قرر أن يقوم بما يجب القيام به وهو آمنٌ تماما على رقبته. لذلك فأنا وبكل وضوح أعلق الجرس فى رقاب مثقفى مصر ومفكريها فى أى مشاهد ينتقدها هؤلاء أنفسهم وفى المسؤلية المستقبلية عن تحديث وعى المصريين السياسى والدينى! هل هناك بيئة سياسية مناسبة للمفكرين أكثر من أن يقوم رئيس الدولة بنفسه وبكل شجاعة منذ أكثر من عشر سنوات بالخطوة الفكرية الأولى والأقوى؟! ارجعوا لكلمته فى حفل افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة حتى تدركوا أيها المفكرون أنكم أهدرتم فى تلك السنواب السابقة منذ ذلك المشهد، وتهدرون الآن فرصا كبرى لتحديث عقل شعب مصر!
















0 تعليق