نتيجة التطورات داخل قاعة 22.. عرض مبتكر لـ"أمنمحات الثالث" بالمتحف المصري بالتحرير

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحقيقا لرؤية الدولة المصرية لتطوير نظام العرض بالمتاحف على مستوى الجمهورية، يشهد المتحف المصري بالتحرير مرحلة جديدة من إعادة صياغة العرض المتحفي، ترتكز على دمج الأثر بسياقه الحضاري والديني والجغرافي، بما يقدّم للزائر تجربة معرفية شاملة تتجاوز فكرة المشاهدة التقليدية للقطع الأثرية. 

وتأتي هذه الجهود بالمتحف المصري بالتحرير ضمن مشروع التطوير الشامل الممول من الاتحاد الأوروبي بقيمة 3.1 مليون يورو، وهو أكبر مشروع تطوير يشهده المتحف منذ افتتاحه عام 1902، وبالتعاون مع خمسة من أهم المتاحف العالمية، متحف اللوفر، المتحف البريطاني، متحف تورينو، متحف ليدن، ومتحف برلين.

فكرة تطوير العرض المتحفي في المتحف المصري بالتحرير

يشمل التطوير تحديث البنية التحتية للقاعات، رفع كفاءة الإضاءة، إعداد مسارات زيارة جديدة، وتطوير بطاقات الشرح، إضافة إلى افتتاح قاعات ومعارض متغيرة يتم تحديثها كل عدة أشهر.

 ويمثّل هذا التوجه نقلة نوعية تليق بعراقة المتحف ومكانتة الثقافية كأول مبني صمم ليكون متحفا، والذي لم يعد مجرد صالة عرض، بل مركزًا ثقافيًا حيًا يعيد تقديم التاريخ المصري في صورته الكاملة، بما يعزز فرص المتحف للتقدم رسميًا لإدراجه على قائمة التراث العالمي لليونسكو.

وقد انعكس التطوير بشكل مباشر على تجربة الزائر؛ إذ أصبحت الحركة داخل القاعات أكثر انسيابية، وتنوّعت الأنشطة الثقافية، كما ازدادت جودة الخدمات المتحفية، ما جعل الزيارة أقرب إلى رحلة معرفية متجددة تتفاعل فيها التكنولوجيا مع الأثر التاريخي.

قاعة 22.. نموذج للتطوير الجديد

تُعد قاعة 22 في الطابق الأرضي بالمتحف المصري بالتحرير، إحدى أهم محطات مشروع التطوير، إذ شهدت تطبيقًا متكاملًا لفلسفة العرض السياقي.

 فقد تم إعادة تنظيم القاعة بالكامل، وتحديث الإضاءة والشرح، ووضع القطع في بنية معمارية تراعي المسار البصري والحركة الطبيعية للزائر، وقياس درجات الحرارة والرطوبة، بالإضافة إلى أعمال ترميم دقيقة للواجهات الرخامية واللوحات الأثرية.

وتأتي أهمية القاعة من كونها قادرة على تقديم نموذج واضح للهوية الجديدة للمتحف، التي تقوم على الدمج بين الفن القديم والسرد الحضاري المتكامل، من خلال تصميمات معمارية تفاعلية وشاشات تعريفية حديثة، إضافة إلى عرض العناصر في ارتباط وثيق ببيئتها الطبيعية والدينية.

ما هو العرض السياقي؟ ولماذا يُعد نقلة نوعية؟

العرض السياقي هو أسلوب متحفي يقوم على وضع الأثر داخل بيئته الأصلية، وربطه بالعقيدة والاقتصاد والجغرافيا والحياة اليومية للمصري القديم، بحيث لا يرى الزائر القطعة بوصفها مجرّد كيان مادي، بل كجزء من منظومة حضارية متكاملة.

هذا الأسلوب يمثل تحولًا جذريًا في فلسفة العرض داخل المتاحف المصرية، ويهدف إلى تعزيز الفهم، وزيادة تفاعل الزائر مع القطع العروضة،  وتحويل جولته إلى تجربة فكرية وفنية قادرة على توصيل الرسالة الحضارية بصورة أعمق.

طريقة عرض التمثال المزدوج للملك أمنمحات الثالث كنموذج للتطوير

لم يتم عرض قطعة أثرية فحسب، بل ستتحقق سياقية عرض متحفي متكاملة تحوّل الزيارة إلى رحلة تعليمية فنية تفاعلية لا مثيل لها.

 هذه هي الفرصة لربط القطعة الأثرية بـ العقيدة، والجغرافيا، والحياة اليومية للمصري القديم، مما سيجعل الزائر يخوض تجربة عودة إلى منبع الحياة في تجربة تفاعلية بينة وبين القطع المعروضة.

يُعد التمثال المزدوج للملك أمنمحات الثالث محور العرض السياقي في القاعة، حيث تم وضعه في قلبها ليعيد تقديم أحد أهم ملوك الدولة الوسطى داخل سياقه التاريخي والجغرافي الحقيقي.

وُجّه التمثال نحو الشمال محاكاةً لاتجاه جريان النيل، الذي كان يمثل شريان الحياة ومركز العقيدة لدى المصريين القدماء.

 كما صُمّم محيط التمثال ليشبه المقصورة الصخرية أو "كهف بيجة" في أسوان، الذي كان يُعتقد قديمًا أنه منبع النهر المقدس.

بهذا التصميم، لا يشاهد الزائر التمثال بصفته قطعةً فنية فقط، بل يدخل في عالم رمزي يجمع بين الألوهية، والملك، ومفهوم الخلود، وفلسفة تدفق النيل كمصدر للحياة والبعث.

الرسالة التي يريد المتحف إيصالها للزائر

يركّز المتحف من خلال هذا النمط الجديد في العرض، على إيصال رسالة مفادها أن كل قطعة تحمل قصة متكاملة، وأن فهم الحضارة المصرية لا يتحقق بمجرد النظر إلى الأثر، بل بأستيعاب علاقته بالطبيعة، والدين، والاقتصاد، وطبيعة الحكم، وسيكتمل عرض الاثار بأدماجة مع اساليب العرض الجديدة لسرد القصص المتعلقة بالاثار لتحقيق اكبر استفادة للزائر.

ويهدف المتحف المصري بالتحرير إلى جعل زيارة الزائر رحلة إلى العقل المصري القديم، وليس مجرد مرور بين القطع الاثرية، عبر تقديم رؤية متكاملة تعكس عبقرية المصري القديم في فهم الكون والحياة، وبين عبقرية المصري الحاضر في طريقة العرض التفاعلية.

وقد تبينت نتيجة هذة التطورات في الاقبال المتزايد علي المتحف في الفترة الاخيرة من الجمهور المصري والاجنبي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق