مدير الموساد السابق يعترف: السيسي أحبط خططنا!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نهاية سبتمبر الماضي، صدر كتاب المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، يوسي كوهين. يحمل عنوان «بالأحابيل تصنع لك حربًا» في نسخته الصادرة باللغة العبرية، فيما اسم الكتاب باللغة الإنجليزية «سيف الحرية: إسرائيل الموساد والحرب السرية» Sword of Freedom: Israel، Mossad، and the Secret War.. يكشف كوهين، في كتابه، أنه هو صاحب خطة تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة خلال الحرب الحالية، لكنه يزعم أن فكرته لا تتعلق بتهجير دائم، بل «مؤقت»، ردًا على هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023.. يقول، إن خطته كانت تقضي بأن «تكون هذه الهجرة مؤقتة»، وأن الكابنيت الإسرائيلي وافق على الخطة، وعلى تكليفه بإقناع دول عربية بها، باعتبار أنها تهدف إلى خفض عدد الإصابات بين المدنيين.. وبالفعل، سافر كوهين، كما يقول، إلى عواصم عربية، لكنه وجد أن العرب يخشون أن يتحوّل الترحيل «المؤقت» إلى ترحيل أبدي.. فقال لهم إنه مستعد لجلب ضمانات دولية بأن تكون الهجرة مؤقتة.. وأقام اتصالات بهذا الشأن مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والصين والهند، لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حسم الأمر، ورفض الخطة بشكل قاطع، وهو نفس ما أكده الكاتب الأمريكي بوب وودوارد، في كتابه «الحرب» The War.. وعندها، كان هناك اقتراح أن يتولى كوهين نفسه مهمة رئيس فريق التفاوض حول صفقة تبادل أسرى، لكن رفاقه من قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل أجهضوا الخطة.

يروي يوسي كوهين في كتابه، أنه قبل بضعة شهور، كان عائدًا من رحلة عمل في نيويورك، وكالعادة تأخر إقلاع الطائرة.. كنت أجلس بجانب بروفسور مرموق من جامعة إسرائيلية معروفة ـ في الفصل الأخير من الكتاب يؤكد أنها جامعة حيفا ـ نحن نعرف بعضنا بعضًا من الاسم؛ لكننا نلتقي للمرة الأولى، فدار بيننا حوار ثقافي سياسي جميل.. لكنه حرص على أن يقول لي إنني «جنرال يميني»، مضيفًا، «نحن نختلف بعضنا عن بعض.. أنت يميني جدًا وأنا يساري جدًا.. إنني مؤيد للسلام، مؤيد للتعايش اليهودي ـ العربي.. كثير من طلابي عرب». رحت أشرح له، «أنا يميني ليبرالي.. لكنني أولًا يهودي مؤمن، وإسرائيلي وطني، وصهيوني مخلص، لكنني ديمقراطي بحق.. أنا لا أكره العرب، ولا حتى من يكرهونني.. لكنني مستعد لأن أقطع رأس من يريد أن يقضي على دولتي وكياني.. وفي الوقت ذاته أنا معجب بنيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينج والمهاتما غاندي».. وهكذا ظللنا نتناقش، حتى قال لي، «يوسي. أنت يجب أن تكون رئيسًا للحكومة»، فأجبته، »وهل تأتي معي؟». فضحك وقال: »لا طبعًا.. ستقتلني زوجتي».

قبل ذلك بنحو ثلاثين صفحة، يروي كوهين قصة أخرى عن عمله كان يخبر بها زوجته، آية، مؤكدًا أنها عبرت اختبار جهاز الأمن الصعب الذي يصنّفها على أنها كاتمة أسرار، ولذلك فإنها تصلح لتكون زوجة ضابط في الموساد.. يقول، «كان تعليقها كما يلي: يوسي أنت يجب أن تصبح رئيسًا للموساد».. وصار كوهين رئيسًا لهذا الجهاز، الذي يُعدّ من أهم أجهزة الأمن الإسرائيلية.. وفي الحرب الأخيرة مع إيران وحلفائها في المنطقة، تم الكشف عن نجاحه في زرع خلايا كبيرة من العملاء على الأرض الإيرانية.. نفّذ هؤلاء العملاء عمليات دقيقة، وجمعوا معلومات دسمة عن المشروع النووي الإيراني وعن قيادات الحرس الثوري، وهي عمليات رفعت من شأن كوهين وجعلت منه اسمًا لامعًا، خصوصًا في أروقة أجهزة الأمن الغربية.

●●●

بعد صدور الكتاب، الذي عرضته صحيفة «الشرق الأوسط» مؤخرًا، سارع محللون إلى القول، إنه جاء ليكون بمثابة بساط أحمر يريد كوهين أن يفرشه أمامه، في طريقه إلى منصب رئيس الوزراء.. قد يكون هذا طموحًا مشروعًا، وقد يكون تعبيرًا عن نرجسية عالية، لكن الأكيد أنه يأتي في وقت تعاني فيه الدولة العبرية من أزمة قيادة حادة.. كانت كل كلمة في الكتاب تصب في هدف إبراز مزايا كوهين وخصاله، في حال أراد أن يلعب دورًا سياسيًا في المستقبل.. فعندما يتحدث عن سيرته الذاتية، يُبرز ماضيه كابنٍ للصهيونية الدينية، فيكسب بذلك اليمين، ويُبرز قيمة التضحية لخدمة الوطن ليكسب الوسط الإسرائيلي واليسار، ويُبرز المغامرات الكبيرة والخطيرة التي قام بها ليكسب الشباب، ويتحدث عن العمليات الناجحة للموساد، حتى تكون ندًا للإخفاقات التي وقعت فيها إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، عندما وقع هجوم حماس المباغت، الذي احتل فيه مقاتلوها إحدى عشر موقعًا عسكريًا ووإثنين وعشرين قرية وقتلوا بعض الإسرائيليين.

في كل فصول الكتاب، يتحدث كوهين عن حاجة إسرائيل إلى قيادة جديدة تتمتع بصفات قيادية، تتغلب فيها المصلحة الوطنية على الذاتية، ويتجلى فيها القائد الجديد في تحقيق مهمة مقدسة؛ هي توحيد صفوف الشعب والقضاء على روح الفرقة والعداء الداخلي.. ويتخذ كوهين من قصص جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية «الموساد»، نموذجًا يُثبت فيه، أنه هو بالذات القائد الذي يصلح لإسرائيل؛ فيتحدث عن صفاته بوصفه رجلًا قويًا يتحكم بمرؤوسيه، وصاحبَ أفكار جهنمية خلاقة، وإنسانًا قديرًا على تفعيل شبكة واسعة من العملاء من بعيد، وإنسانًا مُضحّيًا يجنّد إلى جانبه أناسًا مضحّين مثله.. يُبرز نفسه بوصفه شخصًا لا يخشى المغامرات ولا الصدامات، وبوصفه شخصًا يستطيع ترويض أناس، حتى في صفوف العدو.

يروي كوهين، أنه في ذات مرة، قال له الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، في البيت الأبيض، «كيف حال أقوى رجل في الشرق الأوسط؟».. ثم يروي عن لقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واصفًا إياه بـ «الزميل»، باعتبار أن كليهما قادم من أجهزة المخابرات.. ويقتبس كوهين من رؤساء للمخابرات الأمريكية ممن عمل معهم، أنهم يعدّونه «أكبر وطني إسرائيلي، وأكبر صديق لواشنطن».. في الكتاب، يقول، «زوجتي تقول إنني منذ البداية وضعت هدفًا لأن أكون قائدًا للموساد، لكنني لا أتذكر أنني قلت هذا.. بيد أنني في قرارة نفسي أردت أن أكون قائدًا، بل أن أكون قائدًا لكل القادة».. ويؤكد أنه يستلهم الروح القيادية من ثلاث شخصيات سياسية في التاريخ الإسرائيلي؛ ديفيد بن جوريون، مؤسس الدولة الذي ينتمي إلى الليبرالية الاشتراكية، وزئيف جابوتنسكي ومناحيم بيجين، مؤسسي اليمين الصهيوني، ومن شخصية أمنية، هي مائير دجان، الرئيس الأسبق للموساد.. ويقصد كوهين بذلك وحدة الحركة الصهيونية بطرفيها؛ الاشتراكي الليبرالي، واليميني الصهيوني، ومعهم جنرال أمن.. وتبدو هذه رسالة تحاكي الشغف اليهودي اليوم في إسرائيل، إذ إن الناس ملّوا الخلافات والصراعات ويطالبون السياسيين بتوحيد صفوفهم.. ويقول كوهين، إن الجنرال دجان أثّر عليه بشكل خارق.. ويوضح أن من أهم المبادئ التي علّمه إياها، «يجب ضرب عدوك بمشرط الجرّاح.. وظيفة أجهزة الأمن أن تعمل كل ما في وسعها لكي تؤجل الحرب المقبلة، لأطول وقت ممكن، لكن من خلال استغلال الوقت لاستخدام الوسائل السرية بشكل موضعي».

●●●

جاءت قضية الاختراق الأمني لإيران مركزية في كتاب كوهين.. يقول، إنه تم وضع هذا الاختراق مهمة أولى منذ مطلع سنوات الألفية الثانية، وهي مهمة سجّلت نجاحًا مذهلًا، كما يروي قائد «الموساد» السابق.. كانت المعلومات المتوافرة للإسرائيليين آنذاك تحدثت عن قيام باكستان، وفيما بعد كوريا الشمالية، بتزويد طهران بالخبرة النووية.. فقام رئيس الموساد، مائير دجان، بتعيين قائد لوحدة جديدة، هدفها كشف المشروع النووي الإيراني، ومشروع إنتاج الصواريخ الباليستية وتصفيتهما.. اكتشفت الوحدة، في إطار عملها، تفاصيل عن قيام إيران بإسناد تنظيمات وأذرع؛ مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، فكانت المهمة الأولى، ادخال أجهزة وعتاد «مخترق» إلى قلب حزب الله ـ تم استخدام قسم منها في حرب عام 2006 ـ وإلى قلب إيران، بالإضافة إلى استخدام السلاح السيبراني ضد الإيرانيين وحلفائهم.. وهكذا، تمكنت الوحدة من متابعة نشاط عدد من القادة العسكريين وعلماء الذرّة، ووضع ملف لكل منهم، يشمل أدق التفاصيل عن عاداته وسلوكه اليومي والأماكن التي يتردد عليها.

كان كوهين أحد الضباط الأكثر انشغالًا بهذه المهمة، وهو يتحدث عن ذلك بكثرة في كل فصول الكتاب.. يشير إلى أن رئيس الحكومة الذي أشرف على هذه المهام لـ «الموساد»، كان بالأساس بنيامين نتنياهو، وهو يعطيه رصيده في ذلك، لكنه لا ينسى الإشارة إلى أنه هو صاحب الأفكار الأساسية وليس نتنياهو.. ويوجد سبب لذلك كما يبدو، يتعدى مسألة النرجسية التي تتسم بها شخصية كل منهما.. فكوهين يحاول في الكتاب التحرر من ارتباط اسمه بنتنياهو كموالٍ له.. ويبدأ ذلك بالتصريح بأنه اقترح مرات عدة، المبادرة بالهجوم على إيران وعلى حزب الله، كل على انفراد أو على كليهما معًا، وكان رؤساء أركان الجيش الإسرائيلي المتوالون يعارضون الواحد تلو الآخر اقتراحه هذا.. وكان نتنياهو، رئيس الحكومة في تلك الفترة، يقف مع رؤساء الأركان ويجهض الهجوم، بدعوى أنه قد يجر إلى حرب يتم فيها تدمير بنايات عدة في المدن الإسرائيلية.

في مكان آخر من الكتاب، ينتقد كوهين، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على التوصل إلى هدنة مع حماس عام 2014.. يقول، «يومها كان يجب اتخاذ قرار بتصفيتها».. لكن كوهين يقدم هدية كبرى لنتنياهو، عندما يعفيه من مسئولية الفشل في السابع من أكتوبر 2023، ويحمّلها لقادة أجهزة الأمن.. في هذا الإطار، يكتب كوهين محاضرة في ثقافة تحمّل المسئولية، ويلوم قادة الأجهزة الأمنية على خلافاتهم مع نتنياهو، ويقول، إنه حرص على أن يكون مخلصًا للدولة وليس للشخص، لكنه احترم نتنياهو، وكان معجبًا به بوصفه رئيس حكومة برجماتيًا.. والأمر نفسه ينطبق على اغتيال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني.. يقول كوهين، إنه قدم خطة مفصلة لذلك أيّدها كل رؤساء أجهزة المخابرات، لكن رئيس الأركان أفيف كوخافي، اعترض، ونتنياهو أيّده، وطلب من كوهين أن يبلغ الأمريكيين بذلك.. اغتاظ الرئيس دونالد ترمب ـ في دورة حكمه الأولى ـ من قرار نتنياهو.. كذلك استاءت رئيسة وكالة الاستخبارات المركزية CIA، جينا هاسبيل، التي قالت لكوهين ـ بحسب ما ينقل عنها ـ «الجنرالات عندكم مثل الجنرالات عندنا، لا يحبون القتال».. يقول كوهين، «قمت بزيارة عاجلة إلى الولايات المتحدة، وقدّمت لهم معلومات وفيرة جدًا عن سليماني.. وقد كنت أسميه (الأمير الصغير)، وقد اختار الأمريكيون هذا الاسم ليطلقوه على عملية الاغتيال.. وبعد نجاحها ـ في يناير 2020 ـ قدم الأمريكيون لي ميدالية عرفان بالجميل.. وخلال حرب الإثنتا عشر يومًا، في يونيو 2025، انتقم الإيرانيون بقصف بيتي في تل أبيب».

وعن تلك الحرب، يقول كوهين، إنها أدت إلى تدمير قدرات الدفاع الجوي الإيراني، «والدليل أنها لم تطلق النار على الطائرات الإسرائيلية المهاجمة، وتدمير غالبية اليورانيوم المخصب والمفاعلات المتخصصة في التخصيب، وحققت الردع.. فإيران اليوم لم تعد حصينة، وتعرف أن إسرائيل والولايات المتحدة تحررتا من الخوف من مهاجمتها».. ولكنه يستغرب: لماذا لم يُتخذ القرار في تل أبيب أو واشنطن، بعد، بإسقاط «نظام الملالي».. وبجملة واحدة، بلا تفاصيل، يقول إن الحرب الأخيرة فوتت فرصة إسقاط النظام الإيراني.

●●●

في الفصل السادس من الكتاب، يروي يوسي كوهين كيف قام بتجنيد عميل لبناني للموساد، كان مقربًا من عماد مغنية، الذي كان رئيسًا لأركان العمليات في حزب الله، فيقول، إنه وضع عينه على «شخص متعلم من قدامى المخربين في لبنان»، الذي كان يكبره بعشرين سنة من العمر.. ولغرض الكتابة، يطلق عليه الاسم المستعار «عبد الله».. كان مقربًا جدًا من الحزب.. اكتشف أن الرجل يبحث عن مستقبل اقتصادي آمن يضمن له مستقبله، في أمريكا اللاتينية.. وزيادة في الاحتياط، التقاه في المرة الأولى وهو غير مسلّح، لكنه حمل مسدسًا في اللقاء الثاني، ثم ألصق به مراقبًا عن بُعد يتابع تحركاته وتنقلاته، كما لو أنه باحث يراقب فأر التجارب في مختبره.. وقد تبيّن له أن انتماء عبد الله لحزب الله انتماءٌ عقائدي من خلال العقيدة الدينية، ومن خلال إيمانه بأنه يحمي لبنان، «وهذا عز الطلب».

الحقبة الزمنية كانت في مطلع التسعينات من القرن الماضي.. الغطاء الذي اختاره الضابط في الموساد، يوسي كوهين، لنفسه، أنه رجل أعمال أرجنتيني يفتش عن شريك لعمل مشروع تجاري في الشرق الأوسط.. وبعد عدة لقاءات، شعر فيها كوهين بأن الرجل أحبه ويثق به، عرض عليه أن يكونا شريكين.. وبعد لقاءات عدة، جاء بعرض حول ماهية العمل، فقال إن هناك شركة تعرض عليهما القيام بعمل استقصائي عن حزب الله، لقاء مبلغ محترم من المال.. لأول وهلة رفض عبد الله المهمة بشكل قاطع، وقطع الاتصال مع كوهين لعدة أيام.. لكنه بشكل مفاجئ عاد إليه وأبلغه موافقته.. وزارا إسرائيل معًا، وتجولا في تل أبيب، ولم يعرف عبد الله أن شريكه الأرجنتيني ضابطٌ في الموساد.

كانت المهمة الكبرى، معرفة مصير الجنديين الإسرائيليين؛ رحميم الشيخ ويوسي فينك، اللذين وقعا في أسر حزب الله بعد وقوعهما في كمين للحزب سنة 1986.. كان برند شميد لاور، المستشار الأمني للمستشار الألماني هلموت كول، يتوسط بين إسرائيل وحزب الله لصفقة تبادل بشأنهما.. ورفض حزب الله الإفصاح إن كانا ميتين أو على قيد الحياة، وطلب مقابلهما عددًا كبيرًا من الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين.. وقد نجح عبد الله في جلب الخبر اليقين، بأنهما توفيا متأثرين بجراحهما.. وقد غيّر هذا «سعر الصفقة» بشكل حاد.. عندئذ أدرك كوهين، أن عبد الله صيد ثمين جدًا؛ له علاقات ممتازة وقدرات عالية ومخلص في أداء الدور.. لكن الأهم حصل في الشهور والسنين المقبلة؛ فقد تمكن عبد الله من جمع معلومات مذهلة عن عماد مغنية، الذي كان مطلوبًا في إثنين وأرؤبعين دولة حول العالم، وخصصت الولايات المتحدة جائزة مقدارها خمسة وعشرين مليون دولار، لمن يأتي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه، بسبب مسئوليته عن مقتل كثير من الأمريكيين في لبنان.. وكانت إسرائيل معنية بتصفيته.. ولا يتحدث كوهين كثيرًا عن تفاصيل هذه العملية، التي تمت عام 2008 بدمشق، إذ اغتيل بتفجير سيارته.. لكن رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، اعترف عام 2024، بأن حكومته مسئولة عن العملية، وبأن خلية من الموساد هي التي وضعت الخطة ونفذتها، بشراكة مع المخابرات الأمريكية.

●●●

يعتبر موضوع سرقة الأرشيف النووي الإيراني، أهم إنجاز حققه كوهين في قيادته لـ «الموساد».. وفي كتابه، لم يفوّت هذه الفرصة التي تكرّس مكانته على أنه قائد أشرف على عملية ضخمة ومعقدة وبالغة الحساسية وكبيرة المخاطر مثل هذه.. فهو يعتبرها نموذجًا لأفضل قائد يدير العمليات.. إنها مشروع حياته، والسلّم الذي يؤهله ربما لمنصب رئيس الحكومة، في حال قرر خوض غمار العمل السياسي مستقبلًا.. والطريقة التي يعرض فيها كوهين القصة تبدو خريطة طريق مفصلة، يرسمها بهندسية دقيقة، وتحتل حيزًا كبيرًا من الكتاب، ويعود إليها، ويذكرها في عدة فصول.

يقول كوهين إنه منذ عام 2016، اتخذ قرار سرقة الأرشيف النووي في طهران.. يؤكد أن هذا القرار اتخذ بعد نحو عشر سنوات من النشاط داخل إيران.. ويكشف أن خلية «الموساد» التي تضم رجالًا ونساء، بدأت تعمل على الأرض الإيرانية، وتنمو رويدًا رويدًا، حتى نجح في اختراق منظومة الحكم في طهران.. وهو هنا، لا يعطي كثيرًا من التفاصيل، لكنه يقدّم صورة تقريبية يبنيها على الفكرة القائلة، «لنفترض أنك سينمائي تريد وضع سيناريو لفيلم جديد عن هذا الاختراق، فماذا تفعل؟».. وهنا يرد على الادعاء الإيراني القائل، بأن إسرائيل لم تخترق إيران بواسطة عملاء، بل عن طريق قدرات تكنولوجية عالية، فيقول، إنه استخدم فعلًا التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. لكنه يضيف، «من المستحيل أن تنجح العمليات الإسرائيلية في إيران، دون استخدام العنصر البشري».. ويؤكد أن «عالِم الذرة الذي كان يعمل بسرية بالغة، لم يكن يدرك أن عدوه زرع له عملاء، حتى في قلب المفاعل النووي في نطنز، القائم على ألف دونم مربع في عمق ثمانية أمتار تحت الأرض».

يبدأ كوهين روايته بالقول، إنه نجح في تجنيد عدد من العملاء الإيرانيين، عندما قدّم نفسه على أنه محامٍ ورجل أعمال لبناني باسم «أوسكار».. وأحد الذين وقعوا في حبائله، هو عالِم في الذرة، عمل مساعدًا للعالِم المسئول عن المشروع النووي، الدكتور محسن فخري زاده، الذي تم اغتياله عام 2020 في قلب إيران.. ويؤكد أن فخري زاده، حُسب في الغرب على أنه رجل هامشي، لكن الأرشيف الذي سرق من إيران كشف أنه الرجل الأول في المشروع النووي.. يُطلق كوهين على هذا المساعد لفخري زاده اسم «فريد».. ويقول إنه جلب إليه تقريرًا عن صناعة أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، يتضح منه أن الخبرة الأساسية جاءت من باكستان، وليس من كوريا الشمالية، بعكس ما كانت المخابرات في العالم الغربي تعتقد.

ويتحدث كوهين عن وحدة «الموساد» التي تعمل في الأراضي الإيرانية، وضخامة عددها وعملها، بحيث لا يصدق كيف تمكنت من العمل طيلة سنوات، دون أن تكتشفها المخابرات الإيرانية، مشيرًا إلى أنها ضمّت موظفين كبارًا، ومحاضرين جامعيين، ومهندسين، ومهنيين.. ويروي كيف تم اغتيال فخري زاده، بعملية إعداد دامت شهورًا طويلة، بعد التيقّن من دوره في إدارة المشروع النووي.. يقول، «كان يجب إدخال الأسلحة والعتاد بالتدريج إلى الأراضي الإيرانية.. تلك أسلحة أوتوماتيكية تعمل بالتشغيل الذاتي.. رشاش يُشغّل عن بُعد، مزود بحاسوب يعمل بالذكاء الاصطناعي، وزنه لا يقل عن طن مع كل ما يلزم من أدوات مكملة.. وتم تهريب كل هذا قطعة تلو قطعة، من خلال تغيير طرق التهريب حتى لا تكتشف.. وبعد إعادة تركيبها، كانت تحتاج إلى نقلها إلى المكان المخصص لتنفيذ العملية، على قاعدة شاحنة، ومعها جهاز تدمير ذاتي يضمن إخفاء الآثار».

اعتاد فخري زاده على السفر في قافلة طويلة من السيارات.. لكن، في أيام الجمعة، كان حرّاسه يكتفون بخمس سيارات.. وهو يصرّ بعناد على قيادة سيارته بنفسه، وهي من نوع «نيسان تيانا» عائلية سوداء، لم تكن محصنة، وشبابيكها غير مزودة بزجاج يحمي من الرصاص.. وحدة «الموساد» العاملة في إيران تعطي البلاغ أن الموكب تحرك.. عناصرها، وهم إيرانيون وأجانب، يتفرقون.. وسيارة الحرس الأولى، كعادتها، تسير بسرعة إلى الأمام، لاستكشاف الطريق.. ثم تبطئ السير ليلحقها الركب.. وفخري زاده يضطر لإبطاء السرعة، لوصوله إلى المكان الذي يقصده دون إعاقة في الشارع، تمامًا كما توقّع «الموساد». ومن بعيد، حيثما يجلس القناص ويراقب كل شيء ببث حي مباشر يشاهدونه في تل أبيب، يتم إطلاق النار.. تتوقف السيارة وينزل العالم النووي فخري زاده من السيارة ليحتمي ببابها.. فيواصل القناص إطلاق النار.. خمسة عشرة رصاصة تسببت في إصابته بجروح بليغة.. ومات.. زوجته، التي كانت بجانبه في السيارة ولم تصب حتى بخدش، ركضت نحوه، وحضنت رأسه.. شاهد الإسرائيليون من تل أبيب، ببث حي، كيف حضر الحراس مرتبكين.. وراحوا يصرخون الواحد ضد بعضهم، ولم يُسكتهم سوى انفجار الشاحنة التي كانت على بعد عشرات الأمتار من المكان، ضمن خطة التدمير الذاتي.. ومعها انفجرت حرب داخلية بين المخابرات والحرس الثوري: من المسؤول عن هذا الاختراق الأمني؟.

●●●

يعود كوهين إلى الأرشيف النووي ليقول، إن الوحدة التابعة لـ «الموساد» في إيران، وبعد أن أتمت الاستعداد للاقتحام وسرقة الأرشيف، اكتشفت أن السلطات نقلت الأرشيف بواسطة ثلاث شاحنات إلى مبنى آخر في حي شهرباد في طهران.. كان ذلك في يناير 2017.. وكان عليه أن يعيد رسم الخطة من جديد، ويقيم قاعدة مراقبة جديدة.. ويوضح أن عملية كهذه تحتاج إلى مئات الأشخاص، قسم يراقب ليس فقط مقر الأرشيف، بل أيضًا الحي الذي يقع فيه، والذي كان يجب رصده لعدة أشهر حتى تطلع على تصرفات أهله، وتميزهم عن قوى خارجية تداهم فريق العمل، وقسم ينتشر في مخابئ مع شاحنات لخدمة «الموساد»، وفريق عمل مهني خبير في اقتحام الأماكن السرية المحروسة، وفك رموز الخزنات المقفلة التي بلغ عددها إثنتين وثلاثين خزنة، وفريق للحراسة الأمنية، وفريق يدير العملية اللوجستية ويرتب الوضع في حال اكتُشفت العملية، وأدوات عمل، وأجهزة نقل وتشويش.. يكشف كوهين، أن إحدى الآليات التي استخدمها «الموساد» في العملية كانت رافعة بارتفاع ستة أمتار.. ويقول، إن فريقه هذا أقام حقل تدريب في إيران على كل جوانب هذه العملية.. قسم من أعضاء الفريق تم إعفاؤهم لأنهم لم يصمدوا خلال التدريبات.

كان على الفريق أن يقوم بهذه العملية خلال مدة قصيرة، من العاشرة ليلًا، في يوم الحادي والثلاثين من يناير وحتى الخامسة صباحًا، والهرب السريع، إذ إن الحرّاس في النوبة التالية سيحضرون في السابعة صباحًا.. وفي نهاية المطاف، أتم عملاء «الموساد» عمليتهم في الساعة الخامسة إلا دقيقة فجرًا.. ويكشف، أن العملية كانت تحتاج إلى وقت أكبر، لكن معلومات وصلت مفادها، بأن السلطات الإيرانية قررت نقل الأرشيف مرة أخرى إلى مخزن ثالث، لذلك سارع إلى تنفيذها، وحدد يوم الثلاثين من يناير موعدًا لها، لكن قائد العملية الميداني طلب منحه فترة أخرى، فمنحه كوهين فقط يومًا واحدًا.. وتمت العملية بالفعل في الحادي والثلاثين من يناير.

يقول كوهين، إنه كان مطلعًا على تنفيذ العملية بالتفصيل من بدايتها إلى نهايتها، إذ تم تصوير كل شيء ببث حي مباشر إلى تل أبيب ـ مثلما حصل في اغتيال فخري زاده ـ وبسبب كثرة الوثائق، كان الفريق يصوّر بعضها حتى يفحصها فريق الخبراء في غرفة العمليات في تل أبيب، فإذا صادق عليها يحملونها وإذا لم يصادق يبقونها في مكانها.. وللاحتياط، تم تصوير الوثائق ومسحها على أسطوانات، ثم حمل عملاء «الموساد» النسخة الأصلية، حتى تكون وثيقة أمام لجنة الطاقة الدولية.. ويشير كوهين إلى أن الإيرانيين وضعوا الوثائق في ملفات مقسمة إلى ألوان، فأمر بجمع كل الوثائق الحمراء والسوداء، وهي وثائق كانوا يعرفون أن تصنيفها يدل على مدى خطورتها.. وكانت حصيلة الغنيمة خمسة وخمسين ألف وثيقة ومائة وثلاثة وثمانين أسطوانة ضمت إثنين وخمسين ألف وثيقة أخرى.. ويؤكد أن معظم الأوراق المهمة تم جلبها إلى إسرائيل كما هي، وتتضمن براهين على أن إيران خططت لمشروع تسلح نووي كامل، بما فيه صنع رؤوس نووية للصواريخ.

وهنا يروي كوهين كيف تصرّف الإيرانيون بعد العملية، فقال، «بقينا نراقب المكان أيضًا بعد أن غادرت الوحدة مع الأرشيف.. كنا نشاهد كيف صُعقوا وأصيبوا بالهستيريا.. نشروا عشرات آلاف رجال الشرطة والمخابرات والحرس الثوري، بحثًا عن قوتنا، التي كانت مؤلفة من خمسة وعشرين عنصرًا من عدة جنسيات.. أقاموا الحواجز، وأوقفوا حركة السير البرية والطائرات.. وعلمنا فيما بعد أن المرشد الأعلى، علي خامنئي، اعتبر سرقة الأرشيف كارثة قومية.. يقول كوهين، إن القوة الإسرائيلية استغلت الساعتين ـ من الخامسة حتى السابعة صباحًا ـ للاختفاء.. ويكشف أن القوة تفرقت في الحال لعدة مناطق في طهران.. بعضهم اختبأ في شقق سكنية معدة سلفًا، وبعضهم غادر البلاد فورًا، والباقون تم تهريبهم لاحقًا رغم كل الإجراءات الإيرانية.

يقول مدير «الموساد» السابق، إنه بعد دقيقة من العملية، أُبلغ نتنياهو بها، ثم اتصل بوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الذي كان ذات مرة رئيسًا لوكالة الاستخبارات المركزية CIA، فكان تعليقه، «هذه واحدة من أجرأ العمليات الاستخباراتية في التاريخ».. ثم اتصل نتنياهو بالرئيس دونالد ترامب، وأبلغه بسرقة الأرشيف النووي الإيراني.. وبعدها تم منح كل من المخابرات الأمريكية والبريطانية والروسية والفرنسية والألمانية والصينية، وأيضًا لجنة الطاقة الدولية، نسخة عن مواد الأرشيف الإيراني، مرفقة بتقرير من ستة وثلاثين صفحة يشرح بالتفصيل محتويات الوثائق، ويبدد الشكوك التي كانت تساور بعضهم بشأن حقيقة المشروع النووي الإيراني.. وفي الثلاثين من أبريل، أعلن نتنياهو رسميًا عن العملية في مؤتمر صحفي كان عنوانه، «إيران تكذب».. وبعد المؤتمر بثمانية أيام، أعلن ترامب إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.

●●●

كرر يوسي كوهين، في كتابه، عدة مرات ضرورة أن يتمتع القادة الإسرائيليون بصفة التواضع، لكنه في الوقت نفسه يبدو كأنه يقوم بتكرار أخطاء الغرور.. فعلى سبيل المثال، يستغرب كيف يقف كثيرون في العالم ضد إسرائيل بسبب حربها ضد قطاع غزة، وكيف ينشرون الأفلام الواردة من القطاع بكميات كبيرة.. وبدلًا من أن ينتقد كوهين الأعمال الوحشية التي طالت الغزيين، وأودت بحياة عشرات الآلاف منهم بحجة ضرب حماس، يرى أن المشكلة تكمن في فشل الدعاية الإسرائيلية، معتبرًا أن حكومة بلاده لا تكرس ما يكفي من الجهد لإظهار الحقائق، وتسويق مواقف إسرائيل.. وفي المقابل، يتجاهل أن اللوبي الإسرائيلي في العالم يتمتع بنفوذ هائل في الإعلام الأجنبي، كما أنه يتجاهل أن يهودًا كثيرين انضموا إلى حملات الاحتجاج على تصرفات إسرائيل.

ويذهب كوهين أبعد من ذلك، إلى القول إن القادة الإسرائيليين يبتعدون عن الشعب، ويفتقرون للأحاسيس الإنسانية، والرحمة إزاء المواطنين الإسرائيليين، ولذلك لا يشعرون بآلامهم بشكل كافٍ، وبالتالي لا يعرفون كيف يعكسون للرأي العام العالمي، وحتى المحلي، حقيقة المعاناة التي يعيشها الناس.. وهذا يجعل العالم، برأيه، عرضة لتأثير حماس ودعايتها.. ويقول إنه رغم العمليات الوحشية التي تعرض لها سكان بلدات غلاف غزة الإسرائيلية، الذين عُرفوا بأنهم أنصار سلام، راح العالم يطالب إسرائيل بوقف الحرب. ويكذب كوهين هنا، بقوله، إنه من المعلوم أن إسرائيل تؤكد أن مقاتلي حماس قاموا بالاغتصاب الجماعي، وقطع الرؤوس، والتمثيل بالجثث، وإحراق الأطفال، خلال عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحركة تنفي ذلك.. وما نفاه العالم بعد ذلك.

يعرض كوهين، في هذا الإطار، شكل الدعاية التي يجب على إسرائيل أن تتبناها.. يقدّم تصريحات القائد في حماس، خالد مشعل، مثالًا لذلك، فقد قال إنه يرفض حل الدولتين، ويريد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين من النهر إلى البحر.. يؤكد كوهين، هنا، أنه لا يمكن إقامة السلام مع من لا يعترف بحقك في الوجود.. لكنه يتجاهل بالطبع أن القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترفت بإسرائيل في اتفاقات أوسلو وتطالب بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على مساحة 22 في المائة من فلسطين، هي أيضًا تتعرض لتنكيل إسرائيل، التي تعمل كل ما في وسعها حتى تضعفها وتقصيها.

ويعبر كوهين عن إعجابه بالملاكم العالمي الراحل محمد علي كلاي، الذي كان يقول إن النصر أو الهزيمة يتحققان بعيدًا عن أنظار الجمهور، أي قبل أن يعتلي حلبة الملاكمة، «عندما أكون في مرحلة التدريب، أو أسافر بالسيارة، قبل أن أبدأ الرقص على الحلبة بكثير».. يقول كوهين، «كنت صبيًا يتخيل نفسه وكيلًا يتجسس بعيون صقر، وبخبث الثعلب، وبقدرة النمر على الوثوب.. وعندما يقوم بالمهمة، يتمتع بصبر القناص، وعفوية الساحر، ويواجه حظوظ القيام بمهمات في بيروت، وغزة، والخرطوم، وغيرها».. وويتحدث عن ضرورة أن يحرص رجل «الموساد» على التفوّق أمام مقابليه.. ويروي كيف تقلّد شخصية «خبير آثار» في بعلبك اللبنانية، وشخصية «هاوي جمع أكياس شاي» أمام تاجر شاي لبناني في السودان.. ويكشف عن أساليب عمل المخابرات الإسرائيلية في تجنيد عملاء، ليتبين أنها نفس الأساليب القديمة جدًا التي استخدمت منذ بداية الجاسوسية قبل آلاف السنين، من خلال التفتيش عن نقاط الضعف الإنساني، واستغلال السلوكيات الشاذة، والبحث عن المصالح، وتضارب المصالح، والدوافع، مالية، آيديولوجية، جنسية، غراميات، كراهية وحسد، وغيرها.. ويقول، مبررًا هذه الأساليب، «يجب أن يعرف الهدف أن لديه الكثير الذي سيخسره إذا لم يتعاون، وهكذا يتم الإيقاع به في أحابيل المخابرات الإسرائيلية.. وفي أحيان كثيرة، عندما يكون الهدف ضابطًا كبيرًا في الجيش السوري، أو عالم ذرة إيرانيًا، أنت توقعه في أحابيلك، لدرجة أن يقوم بعمل يمكن وصفه بالخيانة.. فعندما يقع بالشرك، تستغله حتى آخر لحظة، لأنك تهدد بكشف خيانته».. والأحابيل، هي أهم شعار يستخدمه «الموساد»، «بالأحابيل تصنع لك حربًا»، وهو الذي اختاره كوهين اسمًا لكتابه باللغة العبرية.. ويقول إن مثله الأعلى هو كالان، بطل مسلسل «كالان» البريطاني.. وقد أصبح اسم «كالان» أحد أسماء التغطية التي استخدمها في عملياته.

ويؤكد كوهين، إن «الموساد» يتابع التطورات في كل مكان يؤثر على إسرائيل مباشرة، أو بشكل غير مباشر.. يهتم بشكل عميق بالتطورات في إيران ولبنان وسوريا والعراق واليمن، والتنظيمات المسلحة التابعة.. ولكنه يرى أن هناك خطرًا ماحقًا بالبشرية جمعاء، يجب أن يأخذ الحيّز اللازم من الاهتمام لدى المخابرات، وهو أزمة المناخ، مشيرًا إلى أنه شخصيًا اهتم ـ ولا يزال يهتم ـ به حتى بعد ترك منصبه.. لكن قضية التعاون الدولي في موضوع المخابرات، تعتبر أهم مشروع لـ «الموساد».. ويروي كيف قام بتطوير العلاقات مع المخابرات في جميع أنحاء العالم.. يقول إن ذلك بدأ عندما قام تنظيم «داعش» بتنظيم عمليات إرهاب في بلجيكا، عام 2016.. ففي نفس اليوم الذي تم فيه الهجوم الإرهابي، تلقى كوهين إنذارًا ساخنًا عن العمليات.. لكن الإنذار جاء متأخرًا.. إلا أنه لم يمنعه من الاتصال بنظيره البلجيكي وإبلاغه.. وأعطاه مزيدًا من المعلومات التي ساعدت في التحقيق.. ثم قام في السنة نفسها بإبلاغ أستراليا، بخطة لتفجير طائرة مدنية تعمل على خط أبوظبي ـ سيدني.. وبفضل ذلك، مُنعت العملية، وتم كشف الخلية مع أسلحتها ومواد التفجير الجاهزة.

يعدد كوهين دولًا كثيرة «مدينة» للموساد بالكشف عن عمليات وخلايا إرهاب، ويقتبس عددًا من زملائه في قيادة المخابرات الألمانية والبريطانية والفرنسية والألمانية، الذين قالوا له، إن شعوبهم مدينة لإسرائيل بفضل ما كشفه «الموساد» عن خلايا إرهابية.. ويقول إن إسرائيل استفادت أيضًا من تلك المخابرات.. ولا تخرج تركيا عن هذه القاعدة، التي رغم العلاقات السيئة معها فإن كوهين لم يتردد في إبلاغها بما يعرف عن خلايا إرهابية على أراضيها.. يقول، «في صيف 2018، ساعدت إسرائيل تركيا على كشف معلومات عن خلايا إرهابية نفذت ستة عشر هجومًا، رغم العلاقات السيئة بين البلدين».. واهتم كوهين بالتأكيد على أن قائد المخابرات التركية في ذلك الوقت، كان هاكان فيدان، وزير الخارجية الحالي.

●●●

■■ وبعد..

من الواضح أن كوهين يحاول في الكتاب، أن يقدم صورة جيدة عن «الموساد»، لكنه أبرز نفسه أكثر من أي شخص آخر في فصوله، وهذا أمر مفهوم، كون الكتاب يتناول مسيرته هو.. سيقول منتقدون إن هدف كوهين واضح، وهو أن يصل إلى منصب رئيس الحكومة.. فقد حاول أن يرد على كل سؤال يمكن أن يخطر ببال الإسرائيليين وغير الإسرائيليين، حتى يقنعهم بأنه أفضل من يصلح لهذا المنصب، خصوصًا في هذه الظروف العصيبة.. يمشي بين بحر من النقاط، كي يرضي جميع الأطراف، لكن الأهم أنه يقتبس أقوال المعجبين به، وبينهم يهود وعرب ويمينيون ويساريون ومتدينون وعلمانيون، إسرائيليون، وأجانب.. ولأولئك الذين يريدون أن تعيش إسرائيل في حرب أبدية، يقول إنه «بعد حرب أكتوبر 1973، لم يكن أحد ليصدق أنه بعد خمس سنوات فقط، تم توقيع اتفاق سلام تاريخي مع مصر».. ويؤكد، «القائد القوي هو الذي يقدّم تنازلات».. ويشير إلى أنه بكى عند التوقيع على الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل ودول عربية.. وهو يمتدح القادة العرب الذين التقاهم وأظهروا رغبة حقيقية في السلام.. لكن السلام، بحسب ما يرى، يكون فقط بعد إظهار القوة!!.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق