تحولت واقعة مدرسة “سيدز” الدولية بمدينة العبور إلى زلزال اجتماعي هزّ أركان أمان البيئة المحيطة بالأطفال في المدارس، بعد أن كشفت التحقيقات عن جريمة مروعة تمثلت في هتك عرض ستة تلاميذ بمرحلة "كي جي 2"، لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، على يد عدد من العاملين بالمدرسة.
هذه الفاجعة أشعلت موجة غضب عارمة ومطالبات شعبية ورسمية بضرورة تشديد الإجراءات العقابية والرقابية.
ويفتح هذا التقرير ملف الحماية الصامتة للأطفال، محاولًا الإجابة على التساؤل المؤرق: كيف يمكن للأسر والمؤسسات اكتشاف اعتداءات يتحفظ الضحايا الصغار عن الإفصاح عنها؟، ويتناول تداعيات الحادث على المنظومة التعليمية المصرية.
خبير حقوقي: رفع الوعي المجتمعي ضرورة عاجلة
أثارت الحادثة غضبًا شعبيًا واسعًا وقلقًا متزايدًا بين أولياء الأمور، وسط دعوات لضرورة اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة للتصدي لهذه الجرائم الصامتة التي غالبًا ما ترتكب في الخفاء وتترك آثارًا نفسية وجسدية طويلة الأمد على الأطفال.
وفي هذا الإطار، شدد هاني هلال، أمين عام الائتلاف المصري لحقوق الطفل ورئيس المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، على أن حماية الأطفال ليست خيارًا أو رفاهية، بل هي واجب أساسي يبدأ بالوعي المجتمعي وينتهي بتطبيق صارم لكل آليات الحماية المتاحة.
أكد هلال أن جرائم التحرش والانتهاكات الجنسية تمثل من أبشع الجرائم التي قد يتعرض لها الطفل، لأنها تكسر براءته وتترك آثارًا لا يمكن محوها بسهولة، مشيرًا إلى أن الصمت أو التجاهل يمنح المعتدي فرصة للاستمرار في استهداف الأطفال.
وأوضح أن مواجهة هذه الظاهرة تبدأ من الأسرة أولًا، من خلال تعزيز الحوار مع الطفل، ورفع وعيه بحقوقه وحدوده الشخصية، وتمكينه من رفض أي سلوك غير مناسب والإبلاغ عنه، كما يشدد على ضرورة دمج مفاهيم الحماية والوعي الجنسي المناسب للعمر ضمن المناهج الدراسية، وخلق ثقافة مدرسية تعلّم الطفل كيفية حماية نفسه، مع تطبيق سياسات صارمة داخل المدارس لحماية التلاميذ.
أضاف أن القانون يلعب دورًا مهمًا، لكن الدور الأكبر يبقى في أيدي المجتمع والبيئة المحيطة بالطفل، بما يشمل الأهالي والمعلمين والإعلام وصناع القرار.
وختم هلال رسالته بدعوة المجتمع بأكمله إلى المشاركة الفاعلة في حماية الأطفال من كل أشكال العنف والاستغلال، مؤكدًا: “أطفالنا ليسوا مجرد أرقام أو حالات عابرة، إنهم المستقبل، وهم البراءة التي تستحق الحماية، ومعًا يمكننا رفع الصوت وكسر جدار الصمت ووضع حدود أمان واضحة لهم”.
مطالب بإدراج مواد وقائية ضد التحرش داخل المناهج الدراسية
وفي هذا السياق، عبّر المحامي والخبير الحقوقي عبد الرازق مصطفى عن انتقاده الشديد لغياب محتوى علمي واضح داخل المناهج الدراسية يعالج قضية التحرش وكيفية حماية الأطفال لأنفسهم داخل المدرسة والشارع وفي المجتمع بشكل عام.
أضاف أن المناهج الحالية لا تقدم أي مادة مبسطة أو مفهومة تساعد الطفل على إدراك حدود جسده أو التعرف على السلوكيات غير المقبولة، الأمر الذي يترك الأطفال عرضة للانتهاكات دون امتلاك الحد الأدنى من المعرفة التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم.
وأشار مصطفى إلى أن تضمين المناهج دروسًا تربوية بسيطة ومناسبة لكل مرحلة عمرية بات ضرورة ملحّة، خاصة تلك التي تعرّف الأطفال بأجسادهم وحدودهم الشخصية وتمنحهم القدرة على قول "لا" لأي سلوك يثير خوفهم أو عدم ارتياحهم، كما أكد أهمية تعليم الطفل كيفية الإبلاغ بطريقة صحيحة عند تعرضه لأي تهديد أو محاولة اعتداء، وكذلك ضرورة وجود محتوى يعزز الثقة بالنفس ومهارات حماية الذات.
كما لفت الخبير الحقوقي إلى وجود نقص واضح في تناول موضوعات الصحة الإنجابية داخل المدارس، رغم أنها تُعد محاور أساسية عالميًا في تنمية وعي الأطفال والمراهقين حول أجسادهم وكيفية حمايتها، واعتبر أن النظر إلى هذه المواد باعتبارها ترفًا تربويًا هو خطأ جسيم، لأنها في حقيقتها تمثل أحد أعمدة حماية الطفل في الدول التي تتبع سياسات تعليمية متقدمة.
وشدد مصطفى على أن غياب الوعي يجعل الأطفال أكثر عرضة للاستغلال سواء داخل المدرسة أو خارجها، مؤكّدًا ضرورة أن تتبنى كل مدرسة سياسة حماية واضحة وملزمة لجميع العاملين، مع تدريب المعلمين والإداريين على كيفية اكتشاف حالات الاشتباه والتعامل معها بطريقة صحيحة تحفظ سلامة الطالب وحقوقه.
واختتم حديثه بدعوة وزارة التربية والتعليم إلى التحرك العاجل لإعادة النظر في هيكلة المناهج الحالية، والعمل على إضافة محتوى تربوي وتثقيفي يرسخ ثقافة الوقاية والحماية في نفوس الأطفال، حتى لا تتكرر المآسي المؤلمة التي شهدتها المدارس مؤخرًا، ولضمان أن تكون المؤسسات التعليمية حقًا بيئة آمنة للتعلم والحياة.

















0 تعليق