لطالما طارد كابوس ما يُسمى بـ«التمثيل المُشرِّف» المنتخب الوطنى لكرة القدم فى البطولات الكبرى خلال السنوات الأخيرة، خاصة بطولة كأس أمم إفريقيا، التى تدق الأبواب خلال أسابيع قليلة فى المغرب، ويبحث فيها «الفراعنة»- الأكثر تتويجًا بالبطولة- عن لقب غائب منذ ١٥ عامًا. يتزامن هذا الحديث مع فترة توتر يعيشها منتخب «الفراعنة»، تحت قيادة مدربه حسام حسن، الذى بدأ يتسرب له بعض القلق والخوف على بطولة يأمل المصريون فى تحقيقها بشدة، خاصة بعد خسارة نهائيين، والخوف من كتابة نهاية جيل استحق التتويج باللقب القارى ولو مرة.البطولة المقبلة قد تمثل نقطة تحول حقيقية، إما نحو استعادة الهيبة القارية، أو نحو ترسيخ واقع «المشاركة الشرفية»، الذى بات يطارد الجيل الحالى. وهنا تبرز الحاجة إلى رؤية شاملة تضع منتخب «الفراعنة» على المسار الصحيح، قبل أن يجد نفسه فى مواجهة واقع لا يليق بتاريخه.
حسم هوية «الفراعنة» داخل الملعب.. والاستعانة بخبرات محمد شوقى
قدّم المنتخب الوطنى الأول لكرة القدم تصفيات مثالية مع حسام حسن، واستحق التأهل إلى مونديال ٢٠٢٦. لكن ما بعد ذلك كان ناقوس الخطر، فقد تراجع الأداء بشدة فى المباريات الأخيرة من التصفيات بعد حسم التأهل، مرورًا ببطولة كأس العين الدولية الودية، التى لم يكن فيها الأداء مُرضيًا للجميع، ووضعت «هداف مصر التاريخى» فى اختبار قد يكون الأصعب فى مسيرته مع المنتخب قبل المونديال، بل وقد يهدد بقاءه حتى المحفل الكبير فى الولايات المتحدة.
والأزمة الحقيقية لا تكمن فقط فى تراجع الأداء الفنى، بل فى غياب الملامح الواضحة لشخصية منتخب مصر داخل الملعب. فحتى حين يحقق «الفراعنة» نتائج إيجابية، تبدو الصورة باهتة وغير مُطمئنة، وكأن الأداء يسير على حافة الطموحات لا فى قلبها.
وحتى الآن، لم ينجح حسام حسن فى تثبيت رؤية فنية واضحة أو شكل تكتيكى مستقر مع المنتخب الوطنى. لا يبدو أن هناك طريقة لعب محددة، أو آليات واضحة لبناء الهجمة، وهو ما يجعل الأداء يعتمد بدرجة كبيرة على خبرات اللاعبين داخل الملعب أكثر من اعتماده على منظومة مدروسة.
لذا، يحتاج المدير الفنى إلى حسم هوية المنتخب بشكل واضح، سواء بالاعتماد على نهج هجومى صريح، أو تبنى أسلوب دفاعى منظم، بدلًا من التنقل بين أكثر من شكل فى فترات قصيرة، وهو التذبذب الذى ظهر بوضوح فى عدة مباريات، وأربك اللاعبين داخل الملعب، وأفقدهم القدرة على التحكم فى إيقاع اللعب والسيطرة على مجريات اللقاء فى لحظات حاسمة.
وفى ظل هذا القصور، يبرز الدور الحيوى للجهاز المعاون، ما يفرض ضرورة ضم عنصر شبابى يمتلك الخبرة الفنية والقدرة على التواصل مع اللاعبين. ويأتى هنا اسم محمد شوقى كأبرز المرشحين لأداء هذه المهمة.
«شوقى» يعد من أكثر المدربين الواعدين فى جيله، وراكم خبرات فنية مميزة، فضلًا عن تجربته المهمة كمساعد للبرتغالى كارلوس كيروش فى بطولة أمم إفريقيا قبل الماضية، وهى تجربة أكسبته فهمًا عميقًا لطبيعة المنافسات القارية ومتطلباتها.
وجود محمد شوقى، ولو بشكل مؤقت خلال بطولة أمم إفريقيا فقط، يمكن أن يمنح المنتخب إضافة فنية ومعنوية مهمة، بحكم قربه السنى من اللاعبين، وقدرته على قراءة التفاصيل داخل الملعب، ليكون بمثابة «العين الثانية» لحسام حسن، ويوفر توازنًا يحتاجه الجهاز الفنى فى هذه المرحلة الدقيقة.
تجديد الدماء بـ«أكرم توفيق وناصر ماهر وعمر فايد»
حصر حسام حسن نفسه فى قائمة لاعبين لم تتغير كثيرًا منذ توليه مهمة تدريب المنتخب الوطنى. ومع مرور الوقت أصبح ذلك صداعًا كبيرًا فى رأس المدرب، صداعًا ظهر بقوة فى بطولة كأس العين الودية، بعد كم الإصابات والغيابات الفنية التى ضربت «الفراعنة»، حتى رأينا مراكز دون بديل حقيقى، وأصبح العنصران الأساسى والبديل متواضعين للغاية.
لذا، يجب على حسام حسن الآن العمل على قائمة قوية تضم أكثر من اسم فى جميع المراكز، خاصة الخط الدفاعى، الذى أصبح أزمة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما ظهر فى مشاركة محمد حمدى كقلب دفاع فى بطولة العين، وهو ظهير أيسر، فى ظل الإصابات والغيابات، رغم وجود مدافعين على الدكة مثل حسام عبدالمجيد.
على حسام حسن مراجعة نفسه، وضم أكثر من لاعب فى الخط الخلفى، خاصة من المنتخب الثانى بقيادة حلمى طولان، وعلى رأسهم الأسماء التى لديها خبرات اللعب فى أكثر من مركز، مثل أكرم توفيق، لاعب الشمال القطرى، وكريم فؤاد، لاعب الأهلى، الذى يجيد اللعب فى مركزى الظهيرين الأيسر والأيمن، ويحيى زكريا، ظهير أيسر المحلة، بجانب عمر فايد كقلب دفاع، فى ظل احتمالية غياب محمد عبدالمنعم، الذى لم يشارك مع فريقه نيس الفرنسى حتى الآن بسبب إصابته بقطع فى الرباط الصليبى منذ فترة طويلة.
يجب العمل أيضًا على تدعيم خط الوسط، فى ظل احتمالية عدم الجاهزية الكاملة لنجم الأهلى إمام عاشور، الذى لم يلعب مع فريقه بعد، وقد تكون جاهزيته الفنية غير مكتملة. لذا يمكن الاستعانة بلاعب مثل محمد الننى، الذى يملك خبرات كبيرة، إلى جانب ناصر ماهر، لاعب وسط الزمالك.
ويمثل خط الهجوم أزمة كبيرة للمنتخب الوطنى، فى ظل التراجع الفنى الكبير للمحترفين، وعلى رأسهم محمد صلاح، نجم ليفربول الإنجليزى، ومصطفى محمد، مهاجم نانت الفرنسى. وهنا قد يبرز دور بعض اللاعبين الشباب، وعلى رأسهم حمزة عبدالكريم، مهاجم الأهلى ومنتخب الشباب تحت ١٧ عامًا، الذى تألق فى كأس العالم للناشئين.
التحضير النفسى لتخفيف الضغوط الإعلامية والجماهيرية
يمر المنتخب الوطنى ولاعبوه بحالة نفسية وفنية ليست الأفضل فى السنوات الأخيرة، فى ظل تراجع مستوى عناصره المحلية والمحترفة، وتسجيلهم الأداء الأسوأ لهم منذ سنوات، قبل انطلاق بطولة بحجم كأس أمم إفريقيا. لذا، العامل النفسى سيكون أولوية قبل شهر من انطلاق المنافسات.
يمثل التحضير النفسى أحد أهم الأسلحة التى يحتاجها منتخب مصر قبل انطلاق كأس الأمم الإفريقية ٢٠٢٥، فى ظل ما يحيط بلاعبيه وجهازه الفنى من ضغوط جماهيرية وإعلامية متزايدة، وتاريخ طويل يرفع سقف التوقعات إلى الحد الأقصى. فالأزمة لم تعد فنية فقط، بل تمتد إلى الجانب الذهنى، الذى يعانى اهتزازًا واضحًا عند المواقف الحاسمة، وهو ما ظهر فى أكثر من مباراة خلال العام الأخير، سواء عند تلقى هدف مفاجئ أو عند العجز عن كسر تكتل دفاعى أثناء فترات الضغط النفسى.
التحضير النفسى الحقيقى يبدأ من داخل المعسكر، عبر خلق أجواء إيجابية تدعم الثقة وتقلل من القلق الزائد، مع جلسات منظمة تهدف إلى تعزيز الهدوء الذهنى لدى اللاعبين، وإعادة بناء الشخصية التى اشتهر بها المنتخب عبر تاريخه.
المطلوب ليس مجرد محاضرات، بل برنامج عمل شامل يشمل التدرب على سيناريوهات الضغط، وكيفية التعامل مع اللحظات الحرجة، وإدارة المشاعر داخل الملعب حتى لا يتحول التوتر إلى أخطاء فردية أو قرارات متسرعة.
كما يجب أن يتعامل الجهاز الفنى بذكاء مع الخطاب الإعلامى المحيط، ويعزل اللاعبين عن أى انتقادات سلبية قد تؤثر على استعدادهم، لأن المنتخب لن ينافس على اللقب إلا إذا دخل البطولة بشخصية قوية، وثقة متجددة، وإيمان حقيقى بالقدرة على تجاوز الأزمات داخل المباراة مهما كانت الضغوط.
وعلى منتخب مصر إدراك أن الجماهير المصرية لم تعد تتعامل مع البطولة القارية باعتبارها تحديًا رياضيًا فقط، بل هى امتداد لإرث طويل من الأمجاد، لذلك فإن سقف التوقعات يرتفع، ومعه يتضاعف الضغط على الجهاز الفنى واللاعبين لتقديم ما هو أكثر من مجرد أداء مقبول. فمنتخب مصر لا يدخل البطولة باعتباره منافسًا عاديًا، بل كمرشح تاريخى مهما تراجع مستواه، وهو ما يجعل أى هزة، أو أى ضعف فنى بمثابة جرس إنذار مبكر لسقوط لا يحتمله الشارع الكروى، ويحتاج إلى تعامل نفسى من نوع خاص.















0 تعليق