Advertisement
وبحسب الموقع، "تتزامن الموجة الأخيرة من الضغوط المالية والسياسية على حزب الله مع تسريبات إعلامية إسرائيلية تلمح إلى إمكانية توسيع جبهة الحرب باتجاه لبنان، في حين تتجاهل واشنطن بشكل واضح مبادرة رئيس الجمهورية جوزاف عون لاستعادة المفاوضات غير المباشرة. إن التوقيت يكشف عن تنسيق محكم: تصعيد عسكري من جانب، واختناق اقتصادي من الجانب الآخر، وكلاهما يعملان في تناغم لفتح الجبهة الشمالية للحرب والساحة الداخلية لحصار مالي بطيء وطاحن. وفي إطار هذه القيود المشددة، يطالب التعميم الأخير الذي أصدره مصرف لبنان المؤسسات المالية غير المصرفية بجمع بيانات تفصيلية عن العملاء لأي معاملة تفوق الألف دولار. ورغم أن هذا الإجراء صيغ بلغة "الامتثال المعزز" المألوفة، فإنه يمتد بشكل لا لبس فيه إلى ما هو أبعد من التنظيم المالي إلى عالم تتبع تدفقات السيولة داخل البيئة الاجتماعية للمقاومة، وخاصة في مجتمع عاد بعد انهيار القطاع المصرفي إلى اقتصاد قائم على النقد".
وتابع الموقع، "في ذكرى استشهاد الإعلامي محمد عفيف النابلسي ورفاقه، كانت رسالة قاسم واضحة: لا تسمحوا للضغوط الدولية بالتسلل إلى الأنظمة الداخلية بطرق تخنق المجتمعات التي تخلت عنها الدولة. ويؤكد تحذير قاسم قناعة حزب الله بأن الضغط الاقتصادي ما هو إلا فصل واحد من مواجهة سياسية أمنية أوسع نطاقاً تهدف إلى تقويض المقاومة من خلال أدوات غير عسكرية. ولكي نفهم خطورة التعميم الأخير، يتعين علينا أن نتذكر أنه ليس حدثا معزولا بل هو جزء من سلسلة تشريعية يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مدفوعة في المقام الأول بواشنطن ومجموعة العمل المالي".
وأضاف الموقع، "لقد تم إدراج لبنان تدريجيا في بنية الامتثال الدولي تحت راية مكافحة غسل الأموال وتمويل مكافحة الإرهاب، وهو الإطار الذي تم تسويقه على أنه إصلاح، لكنه في الممارسة العملية حول لبنان من "مشارك" إلى "تابع" داخل النظام المالي العالمي. إن سلسلة القوانين، من القانون رقم 318 لعام 2001 إلى القوانين أرقام 44 و42 و55 في عام 2015، والتعريفات المتوسعة لمصطلحي "التمويل" و"المخاطر"، والتي عززتها كلها متطلبات "اعرف عميلك" التي أصبحت أكثر تدخلاً، أدت إلى بناء نظام من المراقبة الدولية الدائمة على كل عميل، وكل مؤسسة، وكل قطاع اقتصادي. ومع توسع تعريف "تمويل الإرهاب" ليشمل الدعم غير المباشر أو حتى غير المقصود، فقد أصبح أي شخص أو شركة عرضة للشكوك استناداً إلى مجرد التخمين. وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تطور لبنان من مجرد دولة مطيعة إلى شريك كامل في شبكات الإبلاغ العالمية، الأمر الذي حوّل هيئة التحقيق الخاصة إلى بوابة إلزامية يجب أن تمر عبرها كل الحركة المالية".
وبحسب الموقع، "في الواقع، أصبح الاقتصاد اللبناني شفافاً ليس أمام مواطنيه، بل أمام الهياكل التنظيمية والاستخباراتية الخارجية القادرة على تسييس أي نشاط مرتبط بقاعدة دعم المقاومة. لقد حوّل هذا التصميم بأكمله، المقدم تحت شعار "الشفافية الدولية" النبيل، القطاع المالي اللبناني إلى أداة ضغط استراتيجية، خاصة بعد إدراج حزب الله في قانون حظر التمويل الدولي لحزب الله عام 2014 وتعديلاته عام 2017، والتي وسعت نطاق العقوبات لتشمل الشركات والمهنيين والمؤسسات التابعة لحزب الله. كما وقد أدى إدراج لبنان في نظام معلومات الضرائب المشترك إلى زيادة فتح تدفقات رأس المال إليه أمام التحليل الخارجي، وخاصة من جانب واشنطن. إن الضغوط التي نواجهها اليوم هي ببساطة امتداد طبيعي لمسار دام عشرين عاماً، وكان الهدف منه فصل المقاومة عن شرايين حياتها الاجتماعية والمالية من خلال تصنيع "مخاطر تشغيلية" لأي شخص يتعامل معها، لكن الاعتقاد الأميركي بأن الحرب المالية قادرة على خنق حزب الله انهار بعد عام 2019، عندما نجح الحزب في التحول إلى اقتصاد موازٍ قائم على النقد. فقد بنى نظامًا ماليًا فعالًا ومرنًا من خلال شبكات السيولة، وقنوات الصرف، والتحويلات غير المصرفية، وأنظمة إعادة التوزيع الداخلية".
وتابع الموقع، "إن المبلغ الذي يقارب المليار دولار والذي تم جمعه على مدى بضعة أشهر لم يأت من "البنوك الموازية"، كما زعم البعض، بل من قدرة حزب الله على تحويل النقد إلى إطار اجتماعي اقتصادي مستقر داخل دائرته. هنا يبرز القرض الحسن كأبرز المؤسسات المالية رسوخًا في اقتصاد لبنان الجديد، فهو ليس مجرد صندوق إقراض خيري، بل نموذج اقتصادي موازٍ متكامل، محصن ضد العقوبات، وقائم على النقد، وقادر على حشد مجتمع بأكمله حول رؤية مالية بديلة، ولذلك فإن أية محاولة لتقويضها تفسر باعتبارها عملاً مباشراً من أعمال الحرب الاقتصادية. في غضون ذلك، كثّفت واشنطن ضغوطها بدفع مصرف لبنان إلى توسيع نطاق تطبيق إجراءات "اعرف عميلك" إلى مستوى غير مسبوق، واضعةً حتى المعاملات البسيطة تحت التدقيق، ومن الواضح أن هذه الخطوة جزء من محاولة لخنق الاقتصاد النقدي الذي تعتمد عليه المقاومة".
وأضاف الموقع، "مع ذلك، فقد ترجم حزب الله، الذي أثبت قدرته على التكيف في ساحة المعركة، هذه المرونة نفسها إلى عالم التمويل. ويشير توجهه نحو مسارات مالية متنوعة، من الذهب، إلى الأصول المشفرة، إلى شبكات المانحين الإقليمية، إلى التصنيع العسكري المحلي، إلى أن كل تضييق مالي سيُقابل بحل مالي أكثر تعقيدًا. وهكذا تصبح الحرب الاقتصادية حرب استنزاف مطولة: حيث يتم مواجهة كل إجراء أميركي بتكتيك مقاومة جديد".
وبحسب الموقع، "إن المشهد اليوم يتسم بتصعيد خطير: واشنطن تشدد الخناق على لبنان لفرض "الامتثال الكامل"، وتلوح بتهديد القائمة الرمادية، في حين يرفع حزب الله سقفه، معلنا أن أي اعتداء على شبكاته المالية هو خط أحمر لا يقل خطورة عن محاولات نزع سلاحه. هذا ليس إجراءً ماليًا تقنيًا، بل هو مواجهة اقتصادية-سياسية-استراتيجية، آثارها تحاكي آثار الصراع العسكري. وفي الواقع، إن السيناريو الأكثر خطورة هو انفجار هجين، مزيج من الانهيار المالي والتصعيد العسكري، من شأنه أن يدفع لبنان إلى لحظة لا يمكن السيطرة عليها من الانهيار الوطني. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن المقاومة تحتفظ بشبكة أمان مالي متعددة الطبقات تجمع بين الدعم الإقليمي، والاقتصاد الموازي، والتصنيع المحلي".
وختم الموقع، "أدوات الضغط قوية، لكن أدوات البقاء راسخة الجذور بنفس القدر".








0 تعليق