لم يكن عابرا ما جرى مع قائد الجيش رودولف هيكل من إلغاء مواعيده في العاصمة الأميركية. الرسالة كانت أوضح من أن تُخفى: واشنطن تريد القول إن الضغوط التي تمارسها على لبنان لن تفقد أثرها، وإن الدولة اللبنانية لم تبتعد عن دائرة المتابعة الأميركية كما يعتقد البعض.
Advertisement
وفي خلفية هذا المشهد، يظهر سياق أوسع يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة بكل ما يجري في الداخل، خصوصًا ما يتصل بحزب الله، حيث يبدو أن واشنطن تشدد على أن المرحلة المقبلة لن تحمل أي تساهل أو غضّ نظر.
وفق هذا المنطق، يمكن قراءة خطوة الغاء مواعيد هيكل كجزء من مقاربة أميركية جديدة تقوم على الإيحاء بأن لبنان الرسمي لن يكون بمنأى عن المحاسبة إذا اختار سياسة "التغاضي" أو "عدم المواجهة" مع "حزب الله". فالرسائل الأميركية المتراكمة منذ أشهر تشير إلى اتجاه واضح: الضغط المالي والسياسي سيزداد، والهوامش ستضيق، ولن يكون هناك أي مساحة رمادية يمكن للدولة اللبنانية أن تختبئ خلفها.
هذا التوجه يعني أن الموقف الأميركي حيال الملفات المرتبطة ب"حزب الله" يأخذ منحى أكثر حدّة، وأن واشنطن قررت صراحة عدم منح لبنان استثناءات إضافية.
في المقابل، ثمة كلام في الكواليس السياسية عن أن الأميركيين "لن يضغطوا على الدولة الحليفة لهم بالكامل"، وأن بعض الجهات الرسمية باتت تعتبر نفسها محاطة بغطاء خارجي يكفي لتخفيف حدة هذه الضغوط. إلا أن التجربة تُظهر أن هذا الاعتقاد غير دقيق، وأن الولايات المتحدة عندما تريد توجيه رسالة، تفعل ذلك من دون تردد، حتى لو كان الطرف المعني محسوبًا ضمن دائرة “الأصدقاء”. وبالتالي، فإن ما حصل مع قائد الجيش لا يمكن عزله عن سياق الضغط نفسه، بل يُعدّ جزءًا من سياسة تذكير دائمة بأن واشنطن تراقب وتقيّم وتعدّل تحركاتها وفق ما تراه مناسبًا.
هذا المشهد يتقاطع مع مسار آخر مستمر منذ فترة، وهو تراجع الاهتمام الأميركي برئيس الجمهورية جوزاف عون. ففي الأشهر الماضية، ظهر بوضوح تراجع الاهتمام الأميركي بالرئاسة اللبنانية وبالدور المتوقع من رئيس الجمهورية في إدارة المرحلة. وهذا الانكفاء لا يتعلق فقط بالتوازنات الداخلية، بل بقراءة أميركية تعتبر أن موقع الرئاسة لم يعد قادرًا على إنتاج ما تريده واشنطن أو التفاعل مع توجهاتها في ملفات أساسية.
وعليه، فإن ما نشهده اليوم ليس حدثًا منفصلًا، بل يمثل فصلاً جديدًا من مرحلة عنوانها "لا تساهل أميركي". وهذا ما يجعل العاصفة السياسية تبدو أكبر مما يُقال في العلن، والرياح الآتية نحو لبنان أكثر قسوة، سواء في الاقتصاد أو السياسة أو التعاطي مع مؤسسات الدولة. فالمشهد واضح: واشنطن رفعت مستوى التشدد، والمرحلة المقبلة لن تكون سهلة على الإطلاق، لا في الشكل ولا في المضمون





0 تعليق