سلطت صحيفة الجارديان البريطانية الضوء على قرار مجلس الأمن الدولي الذي اعتمد واحدًا من أكثر القرارات غموضًا وإثارة للجدل في تاريخ المنظمة، في محاولة لتحويل الهدنة في غزة إلى إطار سلام دائم، إلا أن القرار بحسب الصحيفة بدا أقرب إلى «مشروع سلطة إدارة فوق أممية» بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دون وضوح في الآليات التنفيذية أو الأطراف المشاركة.
صلاحيات شبه مطلقة لادارة غزة
وأوضحت الصحيفة أن القرار يمنح ترامب صلاحيات شبه مطلقة لإدارة غزة لفترة انتقالية تمتد لعامين، عبر ما أُطلق عليه اسم «مجلس السلام»، الذي يُرجّح أن يشغل فيه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير منصب نائب الرئيس. وسيخضع هذا المجلس لتفويض من مجلس الأمن، لكنه لن يكون تابعًا بشكل مؤسسي أو قانوني للأمم المتحدة أو لقراراتها السابقة وهو ما وصفته مصادر دبلوماسية حسب الصحيفة بأنه «سابقة غير معهودة في مبادئ الحوكمة الدولية».
وأضافت الصحيفة أن المجلس سيشرف على «قوة الاستقرار الدولية» ISF، التي لم تُحدد مكوناتها حتى الآن، رغم المساعي الأمريكية لنشرها مطلع يناير المقبل.
وكشفت الصحيفة أن دولًا عدة بينها مصر، إندونيسيا، تركيا والإمارات، لم تُبدِ موافقة نهائية للمشاركة، نظرًا للمخاطر الأمنية وتعارض الأدوار مع قوات الاحتلال الإسرائيلية الموجودة حاليًا داخل القطاع. كما ينص القرار على أن القوة ستكون مكلفة بمهمة «نزع السلاح»، في إشارة مباشرة إلى حركة حماس، التي أعلنت فورًا أنها لن تقبل تجريدها من سلاحها «تحت أي ظرف».
وبيّنت الصحيفة أن تشكيل «لجنة فلسطينية تكنوقراطية» لإدارة الشؤون المدنية اليومية في غزة يمثل تحديًا معقدًا، ليس فقط بسبب غياب أسماء تؤمن بجدوى العمل تحت سلطة يقودها ترامب، بل أيضًا لانعدام الضمانات المتعلقة بقبول السكان المحليين لتلك الإدارة في ظل بيئة مقاومة وممزقة وذات حساسية عالية.
أشارت الصحيفة إلى أن القرار مرّ بتأييد 13 عضوًا وامتناع روسيا والصين عن التصويت، معتبرة أن تمريره يعكس «حالة الإرهاق الدولي» بعد عامين من العمليات العسكرية التي خلّفت – وفق تقدير أممي – أكثر من 70 ألف قتيل ودمارًا يناهز 70% من البنية العمرانية للقطاع، إلى جانب تقرير صادر عن لجنة تحقيق أممية تحدث عن شبهة ارتكاب إسرائيل جريمة إبادة جماعية.
فقد وصف المندوب الأمريكي القرار بأنه «تحول استراتيجي في الشرق الأوسط»، بينما تعاملت الوفود الأخرى بحذر، مؤطرة مواقفها على أساس «توقعات لاحقة» أكثر من قناعة بمضمون القرار ذاته، خاصة في ما يتعلق بمسار الدولة الفلسطينية، التي جاءت الإشارة إليها بصيغة «مشروطة وبعيدة»، تعتمد على «إصلاحات السلطة» و«تقدم الإعمار»، قبل الحديث عن «مسار موثوق لتقرير المصير».
وقال الخبير الأمريكي آرون ديفيد ميلر قوله إن القرار «يمثل تدويلًا غير مسبوق لملف غزة، وربما بداية صياغة نموذج جديد يختلف عن مفهوم الدولة التقليدي»، مضيفًا أن «التنفيذ يبقى محور الشكوك».
وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن القرار أثار غضب أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف، بينما رأت عواصم أوروبية وعربية أن تكريس حضور دولي وعربي في «مجلس السلام» و«قوة الاستقرار» قد يفرض لاحقًا واقعًا جديدًا يصعّب على إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة المنفردة على القطاع، معتبرة أن بعض الدبلوماسيين «يراهنون على تحويل نزعة ترامب القيادية إلى ورقة ضغط لصالح تسوية نهائية».














0 تعليق