كارتر بورول.. صانع الموسيقى الصامتة في ذاكرة السينما

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الثامن عشر من نوفمبر عام 1954، ولد كارتر بورول في نيويورك، ليصبح لاحقًا أحد أبرز من نقشوا أسماءهم في عالم الموسيقى التصويرية السينمائية، منذ طفولته لم تكن الموسيقى مجرد موهبة عابرة، بل كانت لغة خاصة يشعر من خلالها بالعالم، رغم أنه لم يبدأ طريق الشهرة من ممرات هوليوود مباشرة، بل عبر رحلة ممتلئة بالتجارب الفنية المختلفة، من الرسم المتحرك إلى الموسيقى الإلكترونية، وصولًا إلى التأليف الموسيقي الذي أصبح بوابته إلى العالمية.

بعد تخرجه في جامعة هارفارد، انطلق بورول في مسار حياتي بدا للوهلة الأولى بعيدًا عن الفن، حيث عمل في مختبرات بحثية بمجال البرمجة وتحليل الصور، لكن جذوة الموسيقى لم تنطفئ بداخله، فكون فرقًا موسيقية، وبدأ بتقديم مقطوعات لأعمال مسرحية وعروض راقصة، ليصنع لنفسه أسلوبًا خاصًا يجمع بين التجريب والهدوء والعمق العاطفي.

 

التحول الكبير في حياته جاء عندما تعاون مع الأخوين كوين، ليضع موسيقى فيلمهما الأول، لفت بورول الأنظار بأسلوبه المختلف: موسيقى لا تصرخ، لا تتباهى، لكنها تهمس في أذن المشاهد، وتترك أثرًا لا ينسى، صار بعدها الصوت الخفي الذي يمنح أفلام الأخوين مزاجها الخاص، فصنع موسيقى أعمال مثل “فارجو” و“أريزونا الطائرة” و“كونتري الراعي”، ليخلق هوية موسيقية تعكس طابع أفلامهما الغامض والإنساني والسريالي أحيانًا.

 

بمرور الوقت، بات أحد أبرز مؤلفي الموسيقى في السينما الأمريكية، عمل مع مخرجين بارزين مثل سبايك جونز، وتود هاينز، ومارتن ماكدونا، وكتب ألحانًا لأفلام مميزة مثل “كاربول”، و“أنوماليزا”، و“إن بروغز”، و“كارول”، و“توايلايت”، ورغم اختلاف هذه الأعمال في الرؤية والموضوع، بقيت موسيقاه تحمل بصمته المميزة: مزيج من الرقة والعمق والتأمل.

 

كارتر بورول ليس من أنصار الأوركسترا الضخمة ولا الميلودراما الصاخبة، بل يميل إلى معالجة صوتية تتناغم مع الصورة دون أن تطغى عليها، فتعمل كممثل صامت يمنح المشهد حياة إضافية، كان يؤمن بأن الموسيقى التصويرية ليست مجرد خلفية، بل جزء من القصة، تسهم في بناء الشخصيات وتفسير صمتها الداخلي.

 

إلى جانب أعماله السينمائية، شارك بورول في الموسيقى المسرحية والرقص المعاصر، وابتكر عروضًا صوتية تجمع بين التكنولوجيا والتأليف الكلاسيكي، ليبرهن أن الموسيقى يمكن أن تكون مساحة حرة للتجريب بلا حدود.

 

ورغم كل ما قدمه، ظل بورول بعيدًا عن صخب الشهرة، يعمل بهدوء، ويصنع موسيقى تبدأ غالبًا بنغمة بسيطة على البيانو، سرعان ما تتحول إلى عالم صوتي كامل يلامس القلب والعقل معًا.

 

إن مسيرة كارتر بورول هي قصة فنان لم يسع وراء الأضواء، بل صنع ضوءه الخاص، موسيقي جعل من النغم حكاية، ومن الصمت لونًا، ومن الموسيقى بصمة خالدة في ذاكرة السينما والفن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق