كيف غير باتريك بلاكيت صورة الكون وفاز بنوبل الفيزياء؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الثامن عشر من نوفمبر عام 1897، ولد باتريك ماينارد ستيوارت بلاكيت في لندن، وكأن القدر أعده ليكون شعلة علمية تنير دروب الفيزياء في القرن العشرين، نشأ في أسرة إنجليزية عادية، لكن خياله كان منذ الصغر مشدودًا نحو اكتشاف ما وراء الطبيعة، وفضوله العلمي كان أوضح من أن يخفى، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، التحق بالبحرية البريطانية، وهناك بدأت شخصيته تتشكل في بيئة صارمة صنعت منه رجلًا منضبطًا وواسع النظرة.

بعد انتهاء الحرب، اختار أن يترك العسكرية ويتجه إلى جامعة كامبريدج، ليبدأ رحلة شغفه الحقيقية مع الفيزياء هناك، تتلمذ على يد العالم ذائع الصيت إرنست رذرفورد، ففتح أمامه بوابة عالم الذرة والإشعاع، جذبته غرفة السحابة، تلك الأداة التي تظهر مسارات الجسيمات غير المرئية، فكرس جهده لتطويرها لتصبح أكثر دقة وقدرة على كشف أسرار المادة والطاقة.

 

في عام 1924، التقط بلاكيت أول صورة تظهر عملية تحول نووي داخل غرفة السحابة، وكان هذا الإنجاز بمثابة فتح علمي جديد، إذ أثبت لأول مرة إمكانية توثيق التحولات الذرية بصريًا، وفي الثلاثينيات، تعاون مع الباحث الإيطالي جوزيبي أتشياليني ليطورا نسخة أكثر تطورًا من غرفة السحابة تعتمد على أجهزة قياس حساسة، ما سمح بالتقاط صور واضحة للجسيمات القادمة من الفضاء، المعروفة بالإشعاع الكوني، ومن خلال هذا الابتكار، استطاع أن يبرهن عمليًا على ظاهرة إنتاج زوج من الإلكترون والبوزيترون، مؤكدًا وجود المادة المضادة التي كانت مجرد نظرية.

 

لم يكن بلاكيت مجرد عالم في مختبره، بل كان مؤمنًا بأن للعلم دورًا اجتماعيًا وإنسانيًا، خلال الحرب العالمية الثانية، أصبح مستشارًا علميًا للحكومة البريطانية، وأسهم في تطوير خطط دفاعية تعتمد على التحليل العلمي لمواجهة تهديدات الغواصات والطائرات وبعد الحرب، دعا إلى الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وكان من الأصوات المؤثرة التي نبهت العالم إلى خطورة تحويل العلم إلى سلاح.

 

لم يغفل أيضًا عن دوره الأكاديمي، فدرس في جامعات مرموقة، وكرس جهده لتشجيع البحث العلمي، وفتح آفاقًا جديدة في مجالات مثل مغناطيسية الصخور ودراسة المجال المغناطيسي للأرض على مر العصور، كان يرى في الفيزياء طريقًا لفهم الكون، لا مجرد وسيلة للحصول على الجوائز.

 

وفي عام 1948، نال جائزة نوبل في الفيزياء، تتويجًا لعقود من البحث والابتكار والاكتشاف، ليصبح أحد أبرز الفيزيائيين التجريبيين في التاريخ، لم يكن الفوز مجرد شرف شخصي، بل اعتبر إنصافًا لكل علماء الفيزياء الذين جعلوا من المختبرات ساحات للدهشة والاكتشاف.

 

في ستينيات القرن الماضي، أصبح رئيسًا للجمعية الملكية البريطانية، ونال لقب بارون، تقديرًا لمكانته العلمية والإنسانية، وظل حتى وفاته في يوليو 1974 رمزًا للعالم الذي جمع بين العقل والأخلاق، بين المعادلة والمبدأ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق