فالتر نيرنست: العقل الذي صاغ قوانين الطاقة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فالتر نيرنست، ذلك العقل الألماني اللامع الذي أعاد تشكيل فهم العالم للطاقة والمادة، وصاغ بأسلوب علمي صارم أحد أهم القوانين التي غيرت مسار الكيمياء والفيزياء الحديثة، لم يكن مجرد عالم تقليدي، بل كان مؤسسًا لفكر جديد، ومهندسًا لقواعد علم الديناميكا الحرارية الكيميائية، فاستحق أن يلقب بـ«رائد العلوم الحديثة»، وأن يتوج بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1920 تقديرًا لإسهاماته الثورية.

ولد فالتر نيرنست عام 1864 في بلدة صغيرة بشرق ألمانيا، لكن طموحه العلمي منذ الصغر قاده إلى الجامعات الكبرى، حيث درس الفيزياء والرياضيات والكيمياء، وبدأ سريعًا يلفت الأنظار بعقله التحليلي وقدرته على ربط النظريات بالتطبيقات، ومع نهاية القرن التاسع عشر، كان قد أصبح واحدًا من أبرز علماء أوروبا، له بحوث منشورة ومكانة مرموقة في الأوساط الأكاديمية.

 

أهم إنجازاته كان وضع «قانون نيرنست للجهد الكهربائي»، وهو الأساس الذي قامت عليه الكيمياء الكهربائية الحديثة، والذي فتح المجال لفهم كيفية توليد الكهرباء من التفاعلات الكيميائية، لكن الإنجاز الأكبر جاء عندما قدم «النظرية الثالثة للديناميكا الحرارية»، أو ما يعرف لاحقًا باسم «قانون نيرنست الحراري»، الذي فسر بدقة سلوك المواد عند درجات الحرارة المنخفضة جدًا، وكيف تقترب الطاقة من الصفر المطلق، هذا القانون غير جذريًا الفهم العلمي للحرارة والطاقة، وأصبح حجر الزاوية في تطوير الكيمياء الفيزيائية.

 

كان نيرنست أيضًا رائدًا في توظيف العلوم في الصناعة والمجالات التطبيقية، فقد ساهم في تحسين كفاءة محركات الاحتراق والتفاعلات الحرارية، وكان له دور بارز في تطوير مصابيح الإضاءة المبكرة التي اعتمدت على مواد عالية الكفاءة، الأمر الذي جعله شريكًا في الثورة الصناعية الكهربائية في أوروبا.

 

لم يكتف نيرنست بالإسهام العلمي، بل كان مربيًا للأجيال، فدرس في جامعة جوتنغن ثم برلين، وأسس معهد الكيمياء الفيزيائية، وتتلمذ على يديه علماء كبار حصل عدد منهم لاحقًا على جوائز نوبل، ما جعله رائدًا في بناء مدرسة علمية متكاملة.

 

كان يؤمن بأن العلم ليس معادلات جامدة، بل رؤية فلسفية لفهم الكون، ولذلك كان يميل إلى النقاشات الفكرية حول طبيعة الطاقة، وحدود المادة، وما إذا كان الكون محكومًا بقوانين ثابتة أم قابلًا دائمًا للاكتشاف والتجدد، هذه الروح الفكرية جعلته قريبًا من الفلاسفة والأدباء، ولم ينعزل داخل المختبر كما يفعل كثير من العلماء.

 

نال فالتر نيرنست شهرة واسعة، وعرف بأنه رجل العلم والعقل والنظام، وقد كرمته ألمانيا وأوروبا بدرجات علمية وأوسمة رفيعة، وبعد عقود من البحث والإبداع، توفي عام 1941، تاركًا إرثًا فكريًا وعلميًا خالدًا غير شكل العلم الحديث، وجعل اسمه محفورًا في تاريخ الإنسانية بوصفه واحدًا من أعظم من فهموا الطاقة، وحاوروها، وأعادوا تعريفها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق