فالحوار، وإن لم يصل بعد إلى صيغة نهائية أو تفاهم مكتمل، يعكس رغبة مشتركة في إعادة ترتيب الأوراق ومحاولة استعادة نوع من التنسيق الانتخابي الذي ساد في مراحل سابقة، ولو بدرجات متفاوتة.
المصادر نفسها تؤكد أنّ الطرفين لا يتعاملان مع هذا الحوار بوصفه خطوة شكلية، بل كمسار يحتاج إلى دقة في الحسابات.
ف"التيار الوطني الحر"يدرك أن أي تحالف مع حزب الله سيحمل معه تبعات انتخابية في بعض المناطق، حيث يفضّل جزء من قاعدته الشعبية الابتعاد عن هذا النوع من الاصطفافات. ومع ذلك، فان "التيار" لا يُظهر رفضًا مبدئيًا لفكرة التعاون، بل يعتبر أنه إذا اتُّخذ القرار بالتحالف، فالأجدى أن يكون هذا التحالف شاملًا ويغطي معظم الدوائر، لأن التجزئة لن تمنحه المكاسب التي حققها في الاستحقاق السابق عندما شكّل التحالف الواسع عامل قوة إضافية.
لكن الصورة ليست من طرف واحد. ف"حزب الله"، وفق ما تفسّره الأوساط المقربة منه، يقارب المشهد بخارطة معايير مختلفة. الحزب لا يرغب بتحالف شامل في كل الدوائر، ليس بسبب خلاف سياسي مع "التيار"، بل لاعتبارات تتصل بالتجارب السابقة التي أظهرت أن التحالفات الواسعة قد تضعه في مواجهة حساسة مع شخصيات حليفة أخرى. كما أنه لا يريد أن يبدو وكأنه يمنح "التيار" عددًا كبيرًا من المقاعد التي يستطيع الحزب تأمينها عبر نفوذه الانتخابي، لأن ذلك قد يعيد إنتاج إشكاليات ظهرت في دورات سابقة.
من جهة ثانية، يدرك "الحزب" أن أي تفاهم محدود أو موضعي قد يكون أكثر ملاءمة للواقع السياسي الراهن، خصوصًا في ظل تعقيدات البيئة الانتخابية وتنوّع الحسابات داخل كل دائرة. وفي المقابل، يعرف "التيار"أن الذهاب إلى تحالف جزئي قد يعرّضه لخسائر في صناديق الاقتراع، وأنه في حال قبل بهذه الصيغة، سيكون ذلك بدافع الحاجة إلى ضمان حضور وازن في المجلس المقبل، لا بدافع الاقتناع السياسي فقط.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر طرحًا بين المتابعين: هل سيؤدي التفاهم الانتخابي – في حال ولد – إلى تجديد التحالف السياسي بين الطرفين بعد الانتخابات؟ فالمعادلة ليست آلية. إذ إن التطورات التي شهدتها السنوات الماضية جعلت العلاقة أكثر تعقيدًا، وخلقت مساحة من التباعد في الملفات الكبرى. لذلك، حتى لو وُقّع اتفاق انتخابي، فإن ترجمة هذا الاتفاق سياسيًا ستبقى رهنًا بما ستؤول إليه موازين القوى داخل البرلمان المقبل، وما إذا كان الطرفان سيجدان في استمرار الشراكة السياسية فائدة تعادل كلفتها.










0 تعليق