Advertisement
التقرير يشير إلى انخفاض طفيف يقارب 2% في عدد الحالات والوفيات بين 2023 و2024، أي أن العالم بدأ يلتقط أنفاسه بعد سنوات من التراجع بسبب جائحة كورونا التي عطّلت برامج الكشف والعلاج. لكن في المقابل، تحذّر المنظمة من أن هذه التحسّنات مهدَّدة بسبب تراجع التمويل الدولي المخصّص لمكافحة السل، ما قد يعني ملايين الإصابات الإضافية في العقد المقبل إذا استمر هذا المنحى.
ورغم كل التقدّم العلمي في العلاجات القصيرة المدة واللقاحات التجريبية الجديدة، يبقى السلّ اليوم "مرآة لعدم المساواة": ينتشر أكثر في البيئات الفقيرة والمكتظة، وبين الفئات الهشّة التي تعاني من ضعف الأنظمة الصحية أو من الحروب والنزوح. وهذا بالضبط ما يجعل الشرق الأوسط وبلدانًا مثل لبنان أمام تحدٍّ مزدوج: الحفاظ على أرقام منخفضة من جهة، ومنع أي انفلات مفاجئ للمرض من جهة أخرى.
في هذا المشهد العالمي القاتم نسبيًا، يظهر لبنان كـ "بلد ذي عبء منخفض للسل"، حيث تقدر تقارير نسبة الإصابة بحوالى 10 حالات لكل 100 ألف نسمة، مع معدّل وفيات دون حالة واحدة لكل 100 ألف، وهو رقم يضع البلد في خانة الدول ذات الانتشار المحدود للمرض مقارنة بدول الجوار.
الأهم أن لبنان حقّق بين 2015 و2023 تراجعًا بنحو 14% في الإصابات و22% في الوفيات المرتبطة بالسل، بما ينسجم مع أهداف استراتيجية "إنهاء السل" التي تتبنّاها منظمة الصحة العالمية، رغم الانهيار المالي والأزمات المتتالية التي أصابت النظام الصحي. التقارير الرسمية تشير أيضًا إلى تغطية علاجية تربو على 80–87% من الحالات المشخَّصة، وهي نسبة جيّدة بالمعايير العالمية لبلد يرزح تحت ضغط اقتصادي ونزوح واسع.
لكن هذه الصورة الإيجابية نسبيًا لا تعني أن الملف مطمئن بالكامل. فالدراسات اللبنانية والعالمية التي تتناول وضع السل في لبنان تذكّر بأن جزءًا مهمًا من الحالات يُسجَّل بين غير اللبنانيين: لاجئون، عمّال مهاجرون وسواهم، ما يعكس هشاشة بيئات السكن المكتظّة وصعوبة الوصول المنتظم إلى الرعاية. إحدى الدراسات التي تابعت وضع اللاجئين السوريين، على سبيل المثال، تؤكد أن لبنان بلد "عبء منخفض" لكنه معرَّض لأي ارتفاع في الإصابات إذا تراجعت برامج التحري والمتابعة بين الفئات الأكثر هشاشة.
خلاصة الصورة أن السلّ، عالميًا، لم يعد "مرض الفقراء المنسي" فحسب، بل ملفّ تختبر فيه الدول جدّية أنظمتها الصحية وقدرتها على حماية الفئات الأضعف. أمّا في لبنان، فالأرقام لا تزال مريحة على مستوى الانتشار، لكن استمرار هذا الواقع يتطلّب ما هو أكثر من مجرد تقارير مطمئنة: تمويل ثابت للبرنامج الوطني، وصولًا عادلًا للفحوص والعلاج لجميع المقيمين.







0 تعليق