السبت 08/نوفمبر/2025 - 05:15 م 11/8/2025 5:15:08 PM
كثيرًا ما تبقى الكلمات عاجزة في وصف جميل الحكايات.. قليلة في حضرة المشاهد العظيمة.. أصغر من أن تعكس كيف هو الحال هنا في المتحف المصري الكبير.. الآن ـ وبعد سنوات طويلة في العمل الصحفي ـ أقف عاجزًا عن كتابة ما يليق بالمتحف المصري الكبير.. ما يليق بهذه الهيبة التي عمرها آلاف السنين.. عن السحر الذي يجذبك منذ أن تُعانق عينيك الدرج العظيم، لتشعر كأن آلة الزمن خطفتك إلى حيث كان يعيش الأجداد.. تصعد رويدًا بين قرون مضت.. تمر بينها كما لو كنت تحيا هناك.. في زمن الأجداد.. لكن ـ وبعد كل هذا ـ تكتشف أن الحكاية لم تبدأ بعد.
دمِعت عينياي فرحًا وأنا أتابع حفل افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر.. كنت أسابق الزمن بعد تغطية صحفية لمسيرة احتفالية في شوارع الجيزة، لأصل لميدان الجلاء في منطقة الدقي حيث كانت واحدة من شاشات عرض كثيرة انتشرت في محافظات الجمهورية ليرى أبناء مصر حدثًا تاريخيًا كهذا.. كان المشهد مهيبًا في كل ميادين الوطن.. الكل يُتابع في صمت.. فالصمت في حضرة هذا الجمال بات فرضًا.. وهكذا كان صمتي داخل متحفنا العظيم.. هذا تاريخ مصر.. وهذه حضارتها العظيمة.
لا يمكن لأي قلم أن يصف هذا الشعور الذي ينتابك هنا.. شئ ما يسرق روحك وعينيك ومشاعرك بين كنوز الفراعنة.. هي السرقة الوحيدة الجميلة التي يمكن أن تتعرض لها.. سِحر يجذبك بين العصور.. الدرج العظيم عظيم حقًا.. يجعلك تنسى كل من حولك.. تنسى ربما ماذا تفعل، كما نسيت أنا مهمتي الصحفية من مهابة المشهد.
أعترف الآن ـ وسيرى رؤسائي في الدستور اعترافي هذاـ أنني لم أؤدِ مهمتي كما يجب أن أفعل، فبعد الدرج العظيم وجدتني في قاعة الملك توت عنخ آمون.. هذه القاعة وحدها تحتاج لأيام طويلة لتمُتع ناظريك بما فيها.. كل قطعة من بين 5340 تضمها كنوز الملك توت، تحتاج أن تقف أمامها طويلًا لتتأمل تفاصيلها وجمالها وتسأل السؤال ذاته الذي حيّر العالم.. كيف استطاع هؤلاء القدماء أن يصنعوا جمالًا كهذا بوسائل بدائية؟!.. لا إجابة يمكن أن يصل لها عقلك، وأظن أنه في اللاإجابة يكمن السحر الذي يجعل قدماء المصريين يُبهرون العالم بحضارتهم.
لن أروي عن آلاف الكنوز الأخرى، فعند الملك "توت" تركت روحي.. تركت عقلي.. وتمنيت أن أعود كل يوم لأُشاهد وأتأمل وأفتخر بهذا الجمال.. بهذا الملك الذي في حضرته تتوه العقول.. كيف فعل كل هذا قبل أن يبلغ العشرين من عمره.. لا عقل يستوعب سر إبداع كل قطعة في كنوز "ابن إخناتون".
سأذهب كثيرًا إلى المتحف المصري الكبير.. وستسرقني معجزات الأجداد في كل مرة.. وأترك روحي هناك كما فعلت من قبل.. فهذا الصرح الكبير، وهذا الفخر العظيم؛ يستحق أن نعيش تفاصيله المبدعة.
اليوم.. لنا أن نفتخر.











0 تعليق